كاتب مقيم في السويد: عالم عربي على صفيح ساخن

: 3/31/13, 1:58 PM
Updated: 3/31/13, 1:58 PM
كاتب مقيم في السويد: عالم عربي على صفيح ساخن

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات الرأي: منذ بداية الاستقلال مطلع الأربعينات من القرن المنصرم والعالم العربي يمر في حالة من التوتر وانعدام الوزن ؛ صاحبه فشل في النظام الرسمي في غالبية الدول العربية وعجز في تحقيق الحدود الدنيا لحاجات المواطن المفتقد للكثير من حقوقه

الكومبس – مقالات الرأي: منذ بداية الاستقلال مطلع الأربعينات من القرن المنصرم والعالم العربي يمر في حالة من التوتر وانعدام الوزن ؛ صاحبه فشل في النظام الرسمي في غالبية الدول العربية وعجز في تحقيق الحدود الدنيا لحاجات المواطن المفتقد للكثير من حقوقه

صحيح أن الاستعمار قد خرج جسديا من كل البلاد العربية ( باستثناء فلسطين ) لكنه ظل عبر عقود طويلة صاحب الكلمة العليا عبر أنظمة كانت على الدوام تابعة له. وعندما بدأ التفكير بتغيير الواقع الجيو-بوليتيكي لفلسطين ابتداءا من العام 1840 وفق ما جاء في رسائل بالمرستون فان الغرب والقادة الأوائل للفكر الصهيوني أدركوا أن العالم العربي بحكم تكوينه الطائفي والعرقي والمذهبي يحمل بذور تقسيمه واضطرابه في داخله وكلها قنابل موقوتة يمكن تفجيرها في الوقت المناسب

المشهد العربي اليوم يكتنفه الكثير من الضبابية رغم ثورات الربيع التي كان من المفترض أنها جاءت من أجل تحرير الانسان والقضاء على الديكتاتوريات التي حولت البلاد الى حظائر خاصة أفاد منها قلة قليلة على مدى عقود من الزمن حيث سادت خلالها المحسوبية والفساد ونهب الثروات ؛ الا أن هذا الربيع فشل حتى اللحطة من تحقيق أي من الأهداف التي قامت من أجلها الانتفاضات الشعبية التي أطاحت حتى الآن بأربعة ديكتاتوريات ومازال بعضها الآخر ينتظر

الديموقراطية في أبسط تعريفاتها هي حكم الشعب ؛ ومن الخطأ اعتبارصندوق الانتخاب دليلا على ذلك ؛ فبرغم أهمية هذا الاجراء الا أنه يبقى منقوصا ما لم يترافق مع اجراءات أخرى أقلها الفصل التام بين السلطات الثلاث في ظل دستور عادل يضبط ايقاع العلاقة بين الحاكم والمحكوم . فهل هذا هو الحال في بلاد الربيع العربي وبقية الدول العربية ؟

العرب اليوم تجاوز تعدادهم ال 300 مليون نسمة ؛ ثلث هذا العدد تقريبا أمي لا يقرأ ولا يكتب ؛ أي أن هذه الشريحة الرخوة خارجة عن اطار الفعل والتأثير لكنها تعتبر الأخطر من حيث سهولة تطويعها عاطفيا أو عبر اغراءات أخرى وتحويلها الى أداة ضاربة بيد الأطراف السياسية المتنازعة والمنقسمة على نفسها . ناهيك عن أن دور المرأة مازال محدودا ومهمشا في كثير من الدول العربية رغم أنها تشكل نصف المجتمع.

الشريحة الوحيدة الفاعلة هي فئة المثقفين وطلاب الجامعات وهؤلاء هم المنشغلون بهموم أوطانهم والمنتمون الى كل ألوان الطيف السياسي من أقصى اليمين الى أقصى اليسار

في خمسينات وستينات القرن الماضي كان الهاجس القومي فوق كل الاعتبارات ولم يكن في الساحة صوت يعلوا فوق صوت الدعوة للوحدة العربية وقد ساهم في اثراء هذا الشعور وجود شخصية كارزمية هو الرئيس جمال عبد الناصر الذي تخطى حدود الدولة المصرية ووصل الى كل بقعة على امتداد الوطن العربي وخارجه ؛ لكن بعد رحيله بدأ انحسار المد القومي وشهدت المنطقة ترسيخ القطرية رغم الحفاظ على نفس الشعارات الوحدوية لدى الأنظمة الجمهورية ثبت أنها كانت فارغة المحتوى ؛ وأكبر دليل على ذلك ؛ النموذج السوري – العراقي الذي تسلم فيه حزب البعث السلطة في البلدين وتحت شعار " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " ووحدة الآيديولوجية والهدف فقد وصل الخلاف بينهما الى حد الخصومة والاحتراب

حتى دول مجلس التعاون الخليجي بما يمتلكونه من عوامل كثيرة مشتركة هم كذلك فشلوا حتى اللحظة من تحقيق أي نوع من أنواع الوحدة الملموس ولو على الصعيد الاقتصادي.

طبعا هناك نماذج أخرى فاشلة ؛ مثل الاتحاد المغاربي ؛ وحتى وحدة اليمن فهي مهددة بانفراط عقدها. وفي نفس السياق لا بد من الاشارة الى أن العراق المهدد أيضا بالانقسام الى ثلاثة أجزاء ؛ والسودان أصبح سودانين ؛ وفلسطين الجرح النازف أبدا هي أيضا منقسمة على نفسها بعد انقلاب حماس وتدار من قبل سلطتين كلاهما ترزحان تحت احتلال واحد . باختصار شديد ؛ الوطن العربي منذ الاستقلال حتى الآن لم يحصد سوى خيبات متلاحقة

الربيع العربي بلا شك هو بداية تشكل الوعي في الشارع العربي بغض النظر عن حالة الاضطراب التي تعيشها تلك البلدان الآن بعد انهيار الأنظمة الديكتاتورية ؛ ويمكن تسجيل الايجابيات التالية:

أولا: كسر حاجز الخوف لدى الشارع بعدما كان مسلوب الارادة على يد أنظمة ديكتاتورية قمعية

ثانيا: خروج التيارات الدينية من العمل السري الى العلن وركوبها موجة الثورات الشعبية واكتساحها للمشهد السياسي بفعل تنظيمها الجيد على مدى عقود طويلة من الزمن ؛ الا أن هذا قد عراها أمام شعوبها وأظهر حقيقة نواياها في الوصول للسلطة والاستئثار بها تحت ستار الدين .

خلال العامين المنصرمين أظهر التيار الديني وخصوصا حركة الاخوان المسلمين في كل من تونس ومصر على وجه الخصوص حالة من التخبط وعدم امتلاكها مشروعا وطنيا ينقل البلاد من الواقع الذي كانت عليه قبل الثورة الى ما يحقق آمال وتطلعات شعوبهم

ثالثا: التيارات الليبرالية والشعبية بدأت تعي أهمية دورها في الحياة السياسية ؛ وأن اقامة الدولة المدنية يستوجب توحيد الصفوف لمواجهة كل أشكال التطرف الديني الذي بدأ يطل برأسه في محاولة الى اعادة البلاد الى عصور ظلامية في حال استئثاره بالسلطة سيودي بالبلاد نحو المجهول.

في طبيعة الحال لا أحد يريد تكرار ما حصل في الجزائر عام 1991 حيث أدى الصراع بين التيار الديني والعلمانيين الى مقتل قرابة ال 200000 جزائري ولا حتى انقلاب حماس في غزة ؛ لكن يمكن استخلاص العبر من كلا التجربتين ومن تجارب الحكم الفاشل في العديد من الدول العربية أن الشارع العربي ما عاد يتقبل صيغة حكم الحزب أو التيار الواحد . وكلما استوعب المتصارعون على السلطة ذلك كلما وفروا على بلدانهم مزيدا من الخسائر في الأرواح ومن استنزافهم لمواردهم الطبيعية ووضع البلاد على الطريق الصحيح محو البناء والتنمية

رغم كل الاحباطات التي مر ويمر بها الشارع العربي الا أن هناك حراك سياسي غير مسبوق ؛ وهذا شأن كل الثورات التي حدثت في التاريخ ؛ فالتركة التي خلفتها الدكتاتوريات العربية ثقيلة جدا ؛ ومرحلة المخاض لما بعد الثورات لن تكون سهلة ؛ والى أن تصل الأمة الى مرحلة الاستقرار السياسي فان الأوضاع في الشارع العربي ستبقى على صفيح ساخن .

قيس مراد قدري

النقيب الأسبق للصحفيين الأجانب في السوبد

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon