المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: مرة أخرى يجد العربي أو المسلم نفسه في أوروبا، مضطرا إلى محاولة تبرئة نفسه من تهمة جرائم لم يقترفها، بل نرى أيضا من يقوم بجلد ذاته معاقبا نفسه على ذنب اقترفه غيره، قد يكون الفاعل فرد أو مجموعة مارقة من المفترض أنها لا تمثل سوى نفسها ولا تمت لأحد بصلة.
يعجز الإنسان ويتعب من تكرار عبارات الأسف والتأسف، ورد التهم عن نفسه في كل مرة يقوم أحمق أو مجموعة من الحمقى، بارتكاب عمل متهور، يصل الى حد الارهاب ينسب لعرب أو لمسلمين، ويضطر رجال الدين أو شخصيات مجتمعية أو أشخاص عاديين إلى إعادة عبارات الإدانة والشجب، ولكن هذا التكرار يأتي بلهجة شبه المعتذر، ومن موقع المدافع عن نفسه وعن دينه وعن معتقداته أو حتى عن شكله الخارجي، ونسمع على سبيل المثال: هذا عمل مدان، لا يمت لنا بصلة، ضد الديمقراطية، يهدد حرية التعبير، يعزز الكراهية، يرمي إلى شق المجتمع ويحاول التأثير على التسامح والسلم الأهلي…إلى آخر هذه التعابير الجميلة والرنانة. ولأنها كذلك جميلة ورنانة لماذا لا تكون أيضا تحصيل حاصل ومتفق عليها، وألا يضطر العربي أو المسلم، المواطن في أوروبا، لترديدها كلازمة ومدخل لتبرئة نفسه من ذنب قام غيره باقترافه.
التفكير مليا بما تحدثه هذه العمليات، الموصوفة بالإرهاب، من نتائج كارثية على الأقليات العربية والمسلمة في أوروبا، يعزز موقف أصحاب نظرية المؤامرة التي قد يشطح خيالها إلى اتهام المستفيد من النتائج بارتكاب الفعلة، والمستفيدون هنا كثر، ولهم بلا شك أجندات سياسية داخلية وخارجية متعددة.
لكن العيش دائما في خيال نظرية المؤامرة يبعدنا عن الواقع وقد يبرر عدم تحملنا للمسؤوليات، بل سيزيد من بقايا عقد مركبات النقص والاستيلاب الموجودة لدى بعضنا، فطالما نعتقد أن هناك من يخطط لنا ويستخدمنا كمادة وأداة لتخطيطاته وأن هذه المخططات تنجح دائما فما علينا سوى التسليم بقدرنا وانتظار المزيد من المخططات، التي لا حول لنا بها ولا قوة.
تماما كما حدث بعد 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، يحدث الآن بعد 7 يناير 2015 في باريس، يضطر العرب والمسلمون لتحمل تبعات جرائم لم يرتكبونها وبدل أخذ المسؤولية، نجد من اختار التقوقع على نفسه خوفا وخجلا من ذنب لم يقترفه أو يسلم آخرون خياله إلى إحدى نظريات المؤامرة الشيقة والممتعة والمريحة لضمائرهم المرهقة.
اختيار أخذ المسؤولية قد يكون الخيار الأصعب، ظاهريا على الأقل، لكنه خيار الطريق الصحيحة والمناسبة نحو التصدي لنتائج الأعمال المشينة التي ترتكب باسمنا، من جهة، ومكافحة تكرار وقوعها من جهة ثانية.
معرفة حقوقنا وواجباتنا في المجتمعات التي نعيش بها، هو بداية الطريق نحو أخذ زمام المسؤولية، العمل نحو الاندماج بهذه المجتمعات دون الاضطرار إلى التخلي عن هويتك وشخصيتك والشعور أنك جزء من هذا المجتمع هو مسؤولية. الابتعاد عن مركبات النقص كونك لاجئ أو مهاجر أو أجنبي أو تنتمي إلى أقلية، هو أساس من أسس المسؤولية.
الرد الحضاري على من يريد ان يعبث بمقدسات ومشاعر الآخرين، من أجل الشهرة، مستغلا ما يمنحه القانون من حريات، هو صلب المسؤوليات التي يجب أن نبادر إلى التعود عليها وممارستها، فليس من المعقول أن نسمح لمجموعة أو مجموعات بمعاقبة من نختلف معهم بالرأي، بالقتل. فيما يوجد آلاف الطرق الحضارية المتقدمة.
الشعور بأنك مسؤول عن أطفالك وتربيتهم أو بأنك يمكن أن تأثر على أحد من أقاربك ومحيطك بشكل إيجابي، ضمن هذه التربية الحضارية، هو أيضا مسؤولية. كم هو رائع ما يقوم به شباب صغار على صفحات التواصل الاجتماعي من جهد ذكي ومنظم لإظهار أن الشرطي أحمد، الذي قتل على باب مقر الصحيفة الفرنسية، هو ضحية للإرهاب، تماما كما رسامي الكاريكاتير، وأن المنفذ هو ارهابي لا دين له ولاعقيدة.
المسؤولية أيضا بأن تعرف، أن من واجبك أن تعرف ما يحدث حولك وكيف يتفاعل المجتمع بهذه الأحداث، كم هو مؤلم أن نجد من يلوم الكومبس على أنه لا يختار الأخبار التي لا تحدث نقاشات وخلافات بين المتابعين، كم هو مؤلم هذا التفكير، تخيل أن نطلب من جريدة سويدية عدم الكتابة عن نوع معين من الجرائم والأحداث التي تحصل بالمجتمع لأنها تثير ضجة وردود فعل وخلافات لدى مجموعة تتحسس من هذا النوع!!
من يطالبنا بعدم الكتابة ونشر ما لا يريد ان يسمعه أو أن يقرأه، هو ممن لا يريدون تحمل المسؤولية، لأن عدم المعرفة بما يحدث يعفيهم من المشاركة والتعامل بإيجابية مع ما يحدث بالمجتمع، أو على الأقل يريدون أن يمثلوا دور النعامة التي تدفن رأسها بالرمل لتجنب الخطر.
والخطر هنا من وجهة نظر البعض، في ردود القراء والمتابعين على الحدث، وبدل أن يؤخذ الشخص مسؤولية عدم الرد، أو الرد بعقلانية وإيجابية حاسمة، على المسيئين وعلى من يتعمد الكذب وبث الكراهية وتحريف الحقائق، نرى انه يجد الحل بالمطالبة بعدم نشر الأخبار “المثيرة للطائفية” حسب تعبيرهم.
ومع اننا شهدنا حالات تحريف لنقاشات تجري على أي نوع من الأخبار، وذلك بفضل مهارة المسيئين إما بجهلهم أو خباثتهم. ومع اننا نقوم بحظر العشرات يوميا إلا أن الحل ليس فقط بالحظر بل بزيادة الوعي لدى من يريد أن يتحمل المسؤولية.
الاطلاع أكثر على الأخبار والتفاعل مع الوقائع والحقائق ومعرفة ما يمنحه لك القانون، يجعل منك ومني ومن الآخرين قوة مجتمعية، يمكن أن تخلصنا من عقدة تقمص الجالس في قفص الاتهام، بعد كل حادثة “إرهاب” قد يقف وراءها أحد ممن يعتقد انه يمثلنا أو يمثل معتقداتنا، لأن المعرفة قوة وتسهل الاندماج بالمجتمع، عندها سينظر لنا الجميع على أننا جزء من الكل، وأننا ندافع ليس عن أنفسنا بل عن هذا الكل. لنأخذ المسؤولية!
رئيس تحرير شبكة الكومبس
د. محمود صالح آغا