لعبة الديمقراطية واللعب بالديمقراطية

: 9/14/17, 11:58 PM
Updated: 9/14/17, 11:58 PM
مصطفى طلاس يمين, بيتر هولتكفيست
مصطفى طلاس يمين, بيتر هولتكفيست

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات: منذ أن بدأت أعي على هذه الدنيا، إلى فترة طويلة بعد مغادرتي سوريا، للدراسة خارجها، كنت لا أعرف سوى شخص واحد وزيرا للدفاع في سوريا، اسمه مصطفى طلاس. كنت مقتنعاً أن هذا المنصب كان ملتصقا بهذا الاسم إلى حد لا يمكنك معه تخيل شخص آخر يمكن أن يحل مكانه، وحتى يمكن أن يلغى المنصب لكن الشخص يبقى قائما ولا يمكن ازاحته.

ليس في سوريا وحدها كانت المناصب تتماهى مع أسماء مسؤولين، تصاب بالملل وأنت تسمع بهم، فالعديد منا يعرف مثلا كم من السنوات بقي وزراء للخارجية يمثلون بلدانهم، وبقينا نحن نسمع أخبار زياراتهم واستقبالاتهم المتكررة، في نشرات الأخبار.
عندما كبرنا عرفنا أن هناك لعبة تسمى “الديمقراطية” تلعبها أحزاب تتنافس على الحكم عبر صناديق الانتخابات، لعبة تفزر رؤساء حكومات ووزراء ومن بينهم وزراء خارجية ودفاع يتجددون ويتناوبون على الحكم.
لعبة الديمقراطية في السويد مثلا،،جعلتني أعاصر 6 أو 7 وزراء دفاع خلال الـ 27 سنة التي عشتها إلى الآن في السويد، بينما بقي مصطفى طلاس حوالي 32 سنة (1972 – 2004) متواصلة وزيرا لدفاع بلاده.

جميلة حقا الديمقراطية، لعبة لها قواعدها وأصولها وعراقتها ومؤسساتها وبيئتها، وينتج عنها إدارة سليمة وخلاقة ورشيدة للمجتمع وللبلد، لكن القبيح حقا هو اللعب بالديمقراطية، قد لا يفهم العديد منا نحن الشرقيين والعرب خصوصا، هذه الشطحات الزائدة من الديمقراطية.
الآن تحاول أحزاب من المعارضة السويدية إقالة وزير الدفاع الحالي بيتر هولتكفيست، وهي ومن معها من وسائل إعلام حيث تشن عليه بشكل يومي تقريبا، حرب تصريحات ومضايقات وضغوطات للاستقالة وذلك منذ حوالي شهر ونصف، بعد الكشف عن “فضيحة” تسريب معلومات من إدارة النقل السويدية أواخر يوليو الماضي.
لكن وزير الدفاع السويدي بيتر باقي وصامد في منصبه، ليس على طريقة بقاء مصطفى طلاس، ولكن لأنه لا يعتبر نفسه مذنبا، والأهم من ذلك أن رئيسه، رئيس الحكومة ستيفان لوفين، لا يعتبره أيضا مذنبا، بل يصرح لوفين دائما بأن وزيره قام بواجبه على أكمل وجه.

القبيح بهذه اللعبة، هو أن نتخيل كم من الوقت والجهد، تصرف الدولة والمجتمع على هذه “الفضيحة” والتي عملياً لم يكن لها أي تداعيات سلبية على السويد أو على أمنها، والموضوع ينحصر بنوع من الروتين الخاطئ الذي لجأت له مديرة إدارة النقل، بتلزيم شركة اجنبية تحديث قواعد بينات الإدارة، التي تتضمن مثلا، معلومات عن أرقام سيارات شخصيات مهمة وأمنية وعسكرية، دون اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية هذه البيانات أمنيا.
ومع أن هذه “الفضيحة” قد أطاحت بوزيرين أحدهما وزير الداخلية، أكثر وزراء الحكومة الحالية شعبية، إلا أن شهية المعارضة بقيت مفتوحة على المزيد، ومنها ما طالب باستقالة رئيس الوزراء نفسه وسحب الثقة منه.
تركز المعارضة هجومها على زاوية محددة، وهي لماذا لم يتم إعلام رئيس الوزراء بالوقت المناسب، مع أن التقارير وصلت من المخابرات السويدية إلى مكتب وزير الداخلية وإلى مكتب وزير الدفاع؟

وزير الداخلية، رأى أن الأمر لا يتطلب إعلام رئيس الحكومة، لأن لديه انشغالات أهم، بينما يرى مراقبون أن تصرف وزير الداخلية، جاء كمن يضحي بنفسه من أجل بقاء الحكومة وبقاء رئيس الوزراء، وهذا ما حصل فقد ذهب هذا الوزير الواعد كبش فداء، هو ووزيرة البنية التحتية.
الأن الجهود تتركز على بيتر، لماذا يا بيتر لم تتصرف؟ تسأل المعارضة، بيتر يجيب: هذا الموضوع لا يدخل باختصاص وزارتي، هناك وزارات وأجهزة ومؤسسات هي المعنية بالتدخل وإجراء اللازم وبإعلام رئيس الوزراء أو بعدن إعلامه.
ولكن المعارضة المتأهبة لا تستكين ولا تقتنع، تريد رأس وزير الدفاع أيضا لكي تفقد الحكومة الحالية أهم وزراءها وشخصياتها وبالتالي تسقط لوحدها.

لكن السؤال المحير هنا، هل من المعقول أن يستطيع وزير الدفاع القيام بواجباته اليومية وهو تحت هذا الضغط المستمر؟ أليس هذه الديمقراطية تضر البلد ٬أكثر مما تفيدها، أليس لدى المعارضة أشياء أخرى تمارسها غير هذا الموضوع؟
هل خرجت لعبة الديمقراطية من حيزها الطبيعي لتصبح الديمقراطية لعبة بيد هؤلاء؟ وهل بيتر يستطيع أن يحضر لحماية البد والدفاع عنها وهم يشغلون باله ووقته ليل نهار لكي يحيله إلى التقاعد؟

لعبة الديمقراطية المفقودة في بلداننا أبقت مصطفى طلاس وزيرا للدفاع 32 سنة في أمان وطمأنينة، بينما اللعب بالديمقراطية في السويد تقلق بيتر هولتكفيست وتشغل باله ولا تجعله يكمل أعوامه الأربعة، حتى الانتخابات المقبلة.

د. محمود آغا
هذا مقال رأي ولا يعبر بالضرورة عن رأي الكومبس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.