المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: في كل الأخبار والمقالات التي تبث وتنشر، نرى اسم المجر ملتصق بالرفض التركي لدخول السويد إلى حلف شمال الأطلسي. ومن المعلوم أن الرفض التركي تعود أسبابه إلى شروط واضحة وضعتها أنقرة على ستوكهولم لتسليمها عشرات الأشخاص الذين يشتبه بارتباطهم بفصائل مسلّحة كردية ومحاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في العام 2016. اضافةً إلى حادثتيّ رفع دمية تمثل أردوغان معلّقاً من قدميه أمام مبنى بلدية ستوكهولم، وحرق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم. كل ذلك، أدى إلى تباعد وجهات النظر بين تركيا والسويد إلى حد انقطاعها، ولو عادت وظهرت اخيراً بشكل الدعم الإنساني الذي تقدمه السويد بعد واقعة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
هذه الاخبار والمواقف، اصبحت واضحة للعامة، إنما ما لا نعرفه لماذا ترفض المجر دخول السويد إلى الناتو، وما هو السبب في موقفها هذا؟
على الرغم من أن المجر لا تطالب علانية بأي مطالب للموافقة على طلب السويد وفنلندا الدخول الى الناتو، إلا أنه يبدو من الواضح بشكل متزايد أن توسيع حلف الناتو يستخدم كوسيلة للضغط ليس فقط على السويد وفنلندا، بل وعلى الاتحاد الأوروبي بأكمله. خصوصاً بعد أن وجهت المفوضية الأوروبية ـ الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي ـ اتهامات لرئيس الوزراء المجري فيكتورأوربان بتفكيك المؤسسات الديمقراطية والسيطرة على وسائل الإعلام وانتهاك حقوق الأقليات في بلده.
عام 2020 ، تبنى الاتحاد الأوروبي آلية مشروطة، تمكنه من إيقاف المدفوعات من ميزانيته، إذا لم تلتزم دولة عضو بسيادة القانون. هذه الآلية يتم استخدامها اليوم ضد المجر، حيث قام الاتحاد الأوروبي بتجميد أموال مخصصه للمجر بقيمة 5.8 مليارات يورو، من صندوق التعافي من تداعيات جائحة كورونا، معتبراً أن الحكومة المجرية بقيادة فيكتور أوربان تقوم بتقويض حكم القانون واستخدام أموال الاتحاد الأوروبي لإثراء دائرته المقربة.
وبينما أبدت المجر الاستعداد للتعاون، وانشأت “هيئة مستقلة” مكلفة مكافحة الفساد وتحسين الشفافية في المناقصات العامة وغيرها من الإصلاحات. قامت من جهتها المفوضية الاوروبية بتحليل التغييرات التي أجرتها المجر وخلصت إلى أنها ليست كافية للوفاء بـ 27 “علامة فارقة” التي طالب بها الاتحاد الأوروبي، لمنع جزء من أموال المنحة من الاختفاء في الفساد وسوء المعاملة، مؤكدةً أن المجر تسير على الطريق الصحيح، لكنها لم تستوفِ جميع المتطلبات بعد.
من جهته، يحاول رئيس الوزراء المجري أن يضغط على الاتحاد الأوروبي بقدر المستطاع للحصول على الأموال المخصصة لبلاده بحسب المحللين، فقام بمنع قرضًا مشتركًا لدعم أوكرانيا، وأصبحت الطلبات المقدمة من السويد وفنلندا إلى الناتو أداة أخرى يحاول الضغط بها على الاتحاد الأوروبي، رغم إعلانه في نوفمبر 2022، أن البرلمان المجري سوف يصدق على عضوية الناتو لفنلندا والسويد في أوائل هذا العام، ربما في مارس.
لكن مع جعل السويد سيادة القانون إحدى أولوياتها القصوى خلال فترة رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي التي ستستمر لستة أشهر، يرى المحللون تزايداً في المخاوف من أن بودابست قد تتراجع عن العملية أو تستمر في إطالة أمدها لتشكل عائقاً آخر أمام دخول السويد الى الناتو.
فيما يرى آخرون، أن النزاع التركي السويدي في صراع خاص به، ويختلف عما هو عليه بين السويد والمجر، وأن المشكلة بين البلدين تتعلق بموقف السويد تجاه الحرب في أوكرانيا، والتفاوت في القيم الديمقراطية. فمن ناحية الموقف تجاه الحرب في أوكرانيا، كان من الجلي أن حكومة أوربان لا تتفق مع أوروبا بخصوص العقوبات المفروضة على روسيا، موضحة، أن الطريق الأسلم لإنهاء الحرب هو عن طريق المفاوضات التي يجب أن تتدخل فيها الولايات المتحدة.
أما نقطة الخلاف التي لم تدخر وسائل الإعلام الأوروبية جهداً للحديث عنها، فهي التفاوت في “القيم الديمقراطية” بين المجر والاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال صرح وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو قائلاً ، إن الاتحاد الأوروبي عاقب بلاده بعد أن أعلنت عن حظرها ترويج الشذوذ في المدارس، وقامت بتعطيل حزم المساعدات المالية المرتبطة بجائحة كورونا. وفي موقف آخر بعد حرق نسخة من القرآن الكريم في ستوكهولم، قال سيارتو إن إحراق كتاب مقدّس لديانة أخرى عمل غير مقبول، معتبراً أن التحجّج بأن الفعل تكفله “حرية التعبير” أمر ينطوي على “غباء”، في إشارة إلى بيان أصدره نظيره السويدي إثر الواقعة.
إذاً لا تقف فقط تركيا حجرة عثرة أمام دخول السويد الى الناتو، بل يشكل الانقسام المجري – السويدي والمجري – الاتحاد الأوروبي عائقاً لن يكون سهلاً اجتيازه، رغم كل التأكيدات المجرية بالموافقة على طلب السويد وفنلندا، فالأمر يتعلق بشقين، قرارتركي أصبح مستبعداً الحصول عليه في ظل الظروف الراهنة وقرار مجري ينتظر حصوله على الدعم المادي الموعود به، وحلحلةللحرب الروسية – الأوكرانية، ليبقى السؤال، من يحدد تاريخ دخول السويد الى الناتو؟