المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: في ظل المتغيرات السياسية التي يشهدها العالم وتنافس القوى العظمى والدول على النفوذ والسلطة والسيطرة، أثر الاختلال الواضح في توزيع القوى على فعالية المؤسسات الدولية والقانون الدولي والديمقراطية في العالم. السويد قدمت الكثير للسلام والإنسانية على مر السنين، وتميزت سياساتها بالاعتدال والتوازن والحياد، لكن الظروف تغيرت اليوم، حيث اقتربت التهديدات أكثر من أي وقت مضى من السويد وحلفائها بسبب التوترات وحدة الاستقطاب والصراعات والحروب. وقد تطلب ذلك إجراء تغييرات جذرية في سياسة السويد الأمنية والدفاعية، وخصوصاً بعد الانضمام الى حلف شمال الأطلسي.
لذلك، بات من الضروري أن تتحرك السويد سعياً لتحقيق مصالحها الأمنية والعسكرية والاقتصادية وأيضاً من اجل تعزيز السلام والديمقراطية من داخل هذه المؤسسات، وأن تجد لنفسها موقعاً في العلاقات الدولية يتناسب مع وضع السويد الحالي و مع طموحاتها واستراتيجياتها، وينسجم مع مسيرتها الإنسانية وأثرها التضامني والسياسي مع دول العالم. ويأتي ذلك في ظل ظروف دولية وجيوسياسية حساسة وأحداث متسارعة.
أصبحت السويد في الملعب بعد عضويتها في حلف شمال الأطلسي إلى جانب كافة دول الشمال في نفس التحالف، مما سيعزز العمل الأمني والعسكري المشترك بين دول الشمال ومن ثم القارة الأوروبية، إضافة إلى تعزيز الديمقراطية والسلام من داخل هذه المؤسسات الدولية وأيضا التأثير على بعض القرارات الأحادية في التحالف لعكس الاتجاه ووضع القاطرة في مسارها الصحيح.
ربما لا يزال هناك من يعارض انضمام السويد إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، لكن هذا أصبح من الماضي، ويتعين علينا أن نتطلع إلى المستقبل. السويد الآن جزء من التحالف، ما يعني أننا في وضع أشبه بالتوازن على شفرة حلاقة لأن البقاء في وضع ثابت صعب ومؤلم واعتبار الانسحاب مستحيلاً، ومجرد التفكير فيه له عواقب وخيمة . إذا أردنا تغيير الواقع يجب أن نكون جزءاً منه حتى نتمكن من التأثير فيه وإعادة تشكيله، بدلاً من أن نقف خارجاً دون تأثير، نتأثر ولا نؤثر . وخصوصاً في أوقات الفوضى داخل النظام الدولي، كما نرى اليوم، حيث يمكن للدول ذات القوة الأكبر، أو الدول التي تسعى إلى الهيمنة، أن تتوسع على حسابنا. ويندرج هذا تحت مصطلحي “الواقعية الهجومية” و”الواقعية الدفاعية” في العلوم السياسية.
لذلك أرى أننا اليوم في عمق آليات صنع القرار والتأثير وبين اللاعبين الدوليين ويمكن إضافة تأثيرنا إيجابا من خلال كل مواقع التأثير. ولذلك يجب علينا أن نمضي قدماً ونعمل على تعزيز مجلس الأمن والأمم المتحدة كمؤسسة، حتى يصبحا أقوى في مهمتهما المتمثلة في حماية الديمقراطية وسيادة القانون والقانون الإنساني الدولي.
انطلاقاً مما سبق، أقترح أن تتقدم السويد بطلب للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن من أجل اكتساب وزن أكبر ونفوذ أقوى في العلاقات الدولية. وبهذه الطريقة، ستبني السويد على سمعتها الطيبة وعلاقاتها الدبلوماسية وسنوات من العمل التاريخي من أجل السلام والإنسانية. وهذا من شأنه تعزيز الديمقراطية ودعم المؤسسات الدولية وضمان استقلال القضاء وتعزيز الآليات والهياكل القانونية للمحاكم الدولية والأوروبية، لتكون عند مستوى التطلعات المرجوة منها في حماية ودعم العدالة والديمقراطية والقضايا العادلة في جميع أنحاء العالم.
بما أن فرنسا تمثل الجزء الجنوبي من القارة الأوروبية في مجلس الأمن، ، فمن الممكن أن تصبح السويد المرشح الأول لتمثيل دول الشمال كعضو دائم في مجلس الأمن. ويأتي هذا في وقت تطالب فيه بالعضوية بلدان مثل ألمانيا والبرازيل والهند واليابان، ودول من إفريقيا.
صحيفة واشنطن بوست أكدت منذ فترة أن الإدارة الأمريكية تعمل على إصلاحات على مستوى مجلس الأمن، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى توسيع مجلس الأمن بإضافة نحو 6 مقاعد دائمة إلى المجلس دون منح تلك الدول حق النقض، وفي المقام الأول دولتان إفريقيتان.
غير أن عملية توسيع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن تاريخياً اتسمت بحالة من المد والجزر لفترات زمنية مختلفة، وفي كل فترة ينشأ ترتيب جديد حسب الوضع السياسي القائم. ومن المتوقع أن يعكس هذا الترتيب الاعتبارات الجيوسياسية والجيواستراتيجية على أساس القارات. ما سيزيد من نفوذ ودعم بعض الدول القوية مثل أمريكا من أجل إحراج الإجماع وخلق أغلبية وتحالف ضمن التحالف في مجلس الأمن والمؤسسات الدولية ذات تأثير ونفوذ قوي…
ومن الإيجابي للغاية أن تأخذ السويد زمام المبادرة لتمثيل دول شمال أوروبا، قبل أن تتولى دول جنوب أوروبا مثل ألمانيا زمام المبادرة، وإلا فإننا نجازف بتكرار نفس المعضلة والسيناريو الذي حدث عندما انتهى الأمر ببلدان الشمال في وضع غير مؤات عندما يتعلق الأمر بتوزيع المناصب والنفوذ والسلطة والمقرات داخل الاتحاد الأوروبي.
ولذلك، ينبغي على السويد أن تقدم طلباً في أسرع وقت ممكن، حتى إذا كانت هناك ترتيبات جديدة في زيادة عدد الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ستمنح الأسبقية ولأولوية للسويد لأنها سبق أن قدمت في وقت مبكر.
تجدر الإشارة إلى أن هناك دولاً لم تكن من الدول المؤسسة لمجلس الأمن وأصبحت أعضاء دائمة فيه، مثل روسيا التي حلت محل الاتحاد السوفييتي، وجمهورية الصين الشعبية التي حلت محل جمهورية الصين. وهذا يعني أن الأمر ليس مستحيلاً، خصوصاً أن ميزان القوى الآن غير متوازن، ويمكن للطرف الأقوى أن يعوض دولة بديلاً لدولة أخرى أو يضيف دولاً أخرى إلى مجلس الأمن ، لتعزيز القوة و النفوذ.
أحمد مولاي
صحفي و سياسي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ومتخصص في دراسات الشرق الأوسط وشمال افريقيا