المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: الدول الاسكندنافية بشكل عام والسويد بشكل خاص لها تاريخ وباع طويلان في مجال الحريات واحترام حقوق الانسان. وقد عرف عنها استقبالها ومنذ سنين عدة لالاف المهاجرين واللاجئين من مختلف دول العالم ممن فروا من بلادهم خوفا من ويلات الحروب والصراعات.
والان وجراء التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الاوسط ظلت السويد القبلة الاولى لهؤلاء لاسيما اولئك القادمين من سوريا على الرغم من اضطرار الحكومة السويدية لاحقا وبعد ثلاث سنوات من سياسة الابواب المفتوحة الى اتخاذ بعض الاجراءات للحد من هذا التدفق الكبير اليومي للاجئين الا انها مع ذلك تعتبر المكان الاكثر تفضيلا اذا ما قورنت بالجارات الاسكندنافية الاخرى كالدنمارك.
فمع بدء تطبيق قانون تدقيق الهويات الذي فرض رسميا مطلع العام الجديد على كل المسافرين من الدنمارك باتجاه السويد الا ان هناك بعض من اللاجئين لايزالون يعبرون جسر اوريسند الشهير للوصول الى الحلم السويدي… وهنا يطرح التساؤل التالي لماذا هؤلاء اللاجئين يفضلون السويد عن الجارة الدنماركية؟
البعض يرى ان السبب الرئيس في ذلك يتعلق بسياسة السويد الاكثر تساهلا في استقبال اللاجئين والارقام تتحدث بنفسها عن ذلك فهذه المملكة القابعة في شمال اوروبا استقبلت العام الماضي لوحده 163 الف لاجئ تقريبا مقابل 18 الف لاجئ استقبلتهم الدانمارك في ذات العام وهي المعروفة بسياستها المتشددة تجاه الهجرة واجراءاتها الاكثر تعقيدا بين الدول الاسكندنافية وحتى دول الاتحاد الاوروبي الاكثر غنى خاصة بعد التغيير الحكومي الاخير فيها.
اجراءات الاقامة والجنسية أهم المغريات التي يبحث عنها اللاجئ
ثم أن احد اهم الاسباب التي دفعت وتدفع باللاجئ وبالتحديد السوري الى تفضيل السويد هي التسهيلات المتعلقة بالاقامة الدائمة، فمنذ ان بدأت الاحداث الاخيرة في سوريا وجد الفارون من الحرب هناك بالسويد ملاذا امنا لهم اثر قرار الحكومة السويدية حينها منح اللاجئين السوريين الاقامة الدائمة مباشرة وهي اقامة تمكنهم من التمتع بالصفات والمزايا نفسها التي يتمتع بها المواطن السويدي مع استثناءات قليلة تتعلق بحق الانتخابات والتصويت والترشح للبرلمان والمجالس البلدية، وعلى الرغم من الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لاحقا بمنح اقامات مؤقتة لغير العائلات وبعض التشديدات في عمليات لم الشمل الا انها تبقى افضل مما هو متبع في الدنمارك والتي اكتفت منذ العام الماضي بتقديم تصاريح اقامة مؤقتة مدتها سنة مع التلميح بحقها في اعادتهم الى وطنهم عند تحسن الظروف هناك مع فرض شروط تعجيزية على من يرغب لاحقا نيل الجنسية الدنماركية في حين في السويد فالاقامة المؤقتة حسب الاجراءات الاخيرة مدتها 3 سنوات قابلة للتجديد وتصبح دائمة في حال حصول اللاجئ على عمل نظامي تؤهله بعد 5 سنوات من وجوده في السويد من نيل الجنسية السويدية، وهذا ما ينقلنا الى الدافع الثالث لاختيار السويد من قبل اللاجئين وخصوصا الجدد منهم فأغلب هؤلاء لديهم عائلات واقارب لهم ممن حصلوا على الاقامات السويدية، وبالتالي فهم يفضلون الانضمام الى افراد اسرهم.
ومن المعروف أن السويد تمنح العائلة المكونة من زوج وزوجة واولاد تحت 18سنة اقامة دائمة في حين ان اجراءات لم الشمل في الدنمارك لها بعض المنغصات مع قرار الحكومة الجديدة مؤخرا السماح فقط لمن حصل على تجديد لاقامته ومدتها سنة بتقديم طلب بلم شمل عائلاته والذي يحتاج تنفيذه فترة طويلة وهو القرار الذي لاقى انتقادات كثيرة من المنظمات الانسانية الدولية.
المساعدات المالية وسمعة الحكومة تؤثران في وجهة طالب اللجوء
و لايخف على احد الفوائد الاجتماعية المغرية التي يحصل عليها اللاجئون في السويد فيما يتعلق بالمسكن ومساعدته في الحصول عليه وتامينه له حتى قبل حصوله على الاقامة هذا فضلا عن مساعدات مالية شهرية تقدر بمبلغ يعادل 250 دولار شهريا.
وقد يزيد بالنسبة للعائلات وبعد حصولهم على الاقامة يمنح اللاجئون ممن قبلوا الالتزام بدورات اللغة السويدية راتبا شهريا يقدر ب 770 دولار وتدفع لهم الحكومة ما معدله 80% من ايجار الشقة الشهري في حال العثور على سكن بعقد نظامي كما أنه يتم تسجيلهم ضمن سجلات وكالة التوظيف لايجاد عمل لهم ومع أن هذه المزايا الاجتماعية متوافرة ذاتها في الدانمارك الا أن الحكومة حصلت في اغسطس الفائت على موافقة البرلمان بتخفيض قيمة المساعدات المادية الشهرية لتكون اقل بحوالي 45% من القيمة التي تمنحها بالعادة لطلبات اعانة البطالة مع الاخذ هنا بعين الاعتبار ان تكلفة المعيشة في الدنمارك اعلى مما هي في الجارة السويدية.
ويرى العديد من المحللين والمختصين بقضايا اللجوء أن احد اهم الاسباب التي تدفع اللاجئ لتفضيل السويد هي السمعة الدولية التي تتمع بها الحكومة السويدية الحالية في مجال حقوق الانسان واحترام الحريات والانفتاح والتسامح.
ومن المعروف أن الحكومة بقيادة ائتلاف الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر انتهجا سياسة داعمة للاجئين على الرغم من بعض التخفيف من هذا الدعم لاحقا بسبب التدفق الكبير للاجئين وعدم قدرة الحكومة على توفير السكن لهم جراء نقص عدد المساكن في السويد وهي مشكلة تعاني منها البلاد ومع تنامي شعبية حزب سفاريا ديموكراتنا المناهض لسياسة الهجرة الا ان تأثيره يبقى اقل باعتباره خارج الائتلاف الذي يشكل الحكومة كما أنه ليس ضمن المكونات الرئيسية لتحالف المعارضة اليمينية في البلاد.
وعلى النقيض من ذلك في الجارة الدنماركية فالحكومة هناك بزعامة حزب يمين الوسط Vänster. يحتاج في تمرير بعض الاجراءات الحكومية الى دعم حزب الشعب المناهض للهجرة ولطالما دعا اليمين الدانماركي إلى عدم استقبال اللاجئين على أرض الدنمارك بل يفضل أن يقدم لهم المساعدات خارجها في مخيمات اللجوء في تركيا وغيرها وذلك بالتنسيق مع هذه الدول ودول الاتحاد الاوروبي لمنع المهاجرين من الوصول إلى الدنمارك رغم الأعداد القليلة جداً من اللاجئين الذين يقصدونها.
هاني نصر – يوتوبوري
مقالات الرأي تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الكومبس