المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات: تستوقفني مواقف السويديين وشجاعتهم في بعض الأحيان. رغم ما يُعرف عن العديد منهم من برود إجتماعي. ربما يعزز مواقفهم تلك، كونهم يعيشون في دولة، يحكمها القانون وليس شخصاً او حزباً، يتفرد بالقاصي والداني، مكلفاً أحد مرتزقته بتصفية كل من يقف بطريقه.
التصرف الذي قام به طبيب مشفى جامعة نورلاند وكان “الكومبس” قد نشر خبراً عن ذلك، بعث في نفسيّ الإرتياح في أنني أعيش في بلد، لا ينظر الكثير من أهله للإنسان الا من زاوية إنسانيته، بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه وأفكاره التي قد تكون مختلفة تماماً عنهم.
وكل ما فعله الطبيب، إنه منع جيمي أوكسون، زعيم حزب سفاريا ديموكراتنا من دخول المشفى الذي يعمل فيه، حفاظاً على سلامة مرضاه وزملاءه العاملين معه. وأنه اصر على طلبه، بأدب جمّ الى ان تم له ذلك.
وبغض النظر عن الأفكار العنصرية التي يحملها حزب سفاريا ديموكراتنا، والتي يسعى الى تحقيقها بالعنف تارة وبحوار، يخفي في طياته إعتراف بعدم القدرة على حب الإنسان والإتكال على إنسانيته، تارة أخرى، وبعيداً عن التشفي بذلك، فإن تصرف الطبيب، ووفق ما وصفه هو بنفسه للتلفزيون السويدي، كان مهني بحت، هدفه الحفاظ على سلامة مرضاه.
بالتأكيد هو طبيب، بغض النظر عن جنسيته التي لم يتم ذكرها في الخبر، ولكونه يعمل في السويد، يعيّ بالضرورة ان حدود واجباته تقف عند الإهتمام بالمرضى وإبعاد كل ما يؤثر على نفسيتهم وبالتالي صحتهم، وانه لا مجال في طرح أفكاره السياسي في مجال لا يقبل منه غير توظيف خبراته الطبية، وإنطلاقاً من ذلك اصرّ على عدم التأثير على صحة مرضاه.
كم جميل أن نعيش الحرية واقعاً. الأجمل عندما يتاح لنا التعبير عنها، بأكثر الطرق تهذيباً وتمدناً، وهنا أقصد “الحوار” من أجل إيصال الرأي، الذي يتطلب منا شجاعة البوح به، وهي أدوات بدت بمتناول الطبيب الشجاع.
تُنسيني الحريات المتوفرة للجميع في السويد في بعض المرات، قساوة أجواء البلد الباردة ويُتم طرقاته من سالكيها!
موقف أخر، يقودنا الى نفس المعنى، ان حدثني مرة أحد الواصلين الجدد الى السويد، لاجىء جديد، عن موقف مر به، حيث كان وعائلته، ومجموعهم النهائي خمسة أفراد، في طريقهم الى المشفى الذين لا يعرفون طريقه، حينها أوقف سويدي سيارته بالقرب منهم، بعد ان عرف انهم واقفون في مكان خطأ لا تصله وسائل النقل، واستفسر عن وجهتهم، وبعد وقت من الحديث بلغة الإشارات، عرف السويدي ان القصد هو الذهاب الى المشفى، فأقترح توصليهم الى هناك لانهم بعيدين جداً عن موقف الباص.
مع السائق، كان عدد الراكبين في السيارة، ستة افراد في سيارة لا تسع لغير خمسة أفراد. وبالصدفة تعترضهم نقطة تفتيش مرورية، هنا حار السائق في موقفه، لان حمله كل هذا العدد من الأشخاص في سيارته، يمكن ان يؤدي به الى دفع غرامة، ربما تعادل أجرة أيام من عمله.
“لم يرتبك السائق أبداً”، والحديث يعود لمحدّثي، بل إنه حاول بعث الطمانينة في نفوس الراكبين معه، وأوقف سيارته بكل هدوء، شارحاً الموقف للشرطة، فما كان من الأخيرة الا ان تفهمت الأمر، وساعدت العائلة في الصعود الى الباص الذي يوصلهم الى وجهتهم، فيما أعفي صاحب السيارة من الغرامة.
أوليست تلك مواقف إنسانية، تبهج القلب وتجعل البرد دافئاً؟
لينا سياوش