مالي ومال الشام وسلاح الجو

: 1/19/13, 6:09 PM
Updated: 1/19/13, 6:09 PM
مالي ومال الشام وسلاح الجو

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – د. مكرم خوري – مخول: كانوا من شبه الجزيرة العربية ام من خارجها، كانوا من العالم العربي ام الاسلامي غير العربي، ام من الاوروبي المسيحي ام العلماني، ليس لاحد الحق ان يفرض على الوهابيين (السلفيين) كيفية التفكير او التصرف في اي حالة يختارونها (او يزج بهم اخرون؟) بها.

الكومبس – د. مكرم خوري – مخول: كانوا من شبه الجزيرة العربية ام من خارجها، كانوا من العالم العربي ام الاسلامي غير العربي، ام من الاوروبي المسيحي ام العلماني، ليس لاحد الحق ان يفرض على الوهابيين (السلفيين) كيفية التفكير او التصرف في اي حالة يختارونها (او يزج بهم اخرون؟) بها. كان ذلك في افغانستان، او السودان او مصر او سوريا. وبالتالي، فلا يحق للجهاديين السلفيين الذين يرفعون السلاح في اي مكان ان يضعوا شروطهم على من يحاربون او ان يشتكوا على من يقومون بغية تصفيته وكيف يتصرف وآية ادوات يستعمل. في حالة استهداف دولة او جيشها لكلا الطرفين ‘حرية’ التصرف كما يفهم ويشاء ويعرف ويخطط ويمول ويرهب ويحارب.اما كيف ولماذا تسمى وتوصف وترسم ويروج في الاعلام المختلف لكل عملية من هذه العمليات من الناحية الاخلاقية فهذه قضية اخرى ممكن البت بها في مقال آخر.

***

الا انه وطالما ابتعدت مجريات العلاقات عن مسار الحوار وعن ‘جادلهم بالتي هي احسن’ وبطرق الاقناع السلمي، واخذت منحىً عنيفاَ فتكون قد دخلت في معادلة صراع قوة العنف الجسدي المدجج بالسلاح والتي ترافقه قوة اعلامية واخرى اقتصادية لتحقيق مكاسب على الحلبة السياسية. فمنذ بداية الازمة في سوريا في آذار ٢٠١١ اخذت الحكومة السورية تصرح ان هناك مقاتلين من خارج سوريا وانهم "ارهابيين وهابيين وجهاديين بعضهم ينتمون الى القاعدة" وان هؤلاء يخططون لجلب الويلات لسوريا الدولة والحكم والمجتمع لكي تقع في ايادي الوهابيين حتى استرق ما يسمى بـ "جبهة النصرة" البعض من ظلال اضواء الدم في سوريا.

***

فقط بعد مرور ١٨ شهرا خرجت اعمال هذه المجموعات الى العلن وسبقها تصريح وزير الخارجية السعودي (المعلن على الاقل) في شباط ٢٠١٢ عن طلبه تسليح هذه الجهات او اخرى العاملة ضد الدولة السورية. ولكن لا تبدو مخططات الحركات الوهابية – السلفية تجاه الهلال الخصيب وسوريا بالتحديد جديدة العهد على الاطلاق. فمصادر الحياة كالمياه وخصوبة الارض وتضاريسها وما تحتويه من احتياطي نفط وغاز غير موجودة في كل الاقطار العربية (فالموارد الطبيعية اكتشفت في السعودية على سبيل المثال في عام ١٩٣٨ فقط اشهر قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية). ولذلك فقبل انهيارها التام في ١٩٢٤ تم تقسيم الامبراطورية العثمانية (بشكل وهمي) الى شطرين غير متساويين: احدهما مكتظ بالسكان ‘ولكن مساحته تقل عن الشطر الآخر، على ما فيه من صحاري واسعة، لا تضم الا القليل من السكان…’. (دو گورانسي، ص.١٩٤). فقد كانت الولايات الجنوبية من السلطنة العثمانية هي مركز الحكم (فقد سميت فلسطين على سبيل المثال من قبل البعض بـ ‘سورية الجنوبية’). فمصر بلد خصب يسير مع نهر النيل كما يحيط ويروي دجلة والفرات بالعراق وسوريا، ولبنان وفلسطين ارض خصبة لتدفق المياه من جبالها لسهولها. ولذلك ‘فاذا تم احتلال هذه الولايات من قبل الوهابيين، ادى انتشار الوهابية الى كل مكان’. ( (دو گورانسي، ص. ١٩٤).

***

ففي هذا الصراع تتشابك العقيدة الدينية والتفسير الخاص لبلورة هوية العالم العربي في رقعة جغرافية يلعب فيها المناخ والاقتصاد ادوارا مكملة. على ان هذا الصراع هو صراع تتقاطع فيه مصالح عربية-عربية وعربية غربية تنعكس متغيراته بحيث يصبح عدو الامس صديق اليوم وفقا للمصالح المشتركة. ففي مطلع القرن التاسع عشر، وبعد ان لاحظت ان بعض التحركات الوهابية على الارض قد تهدد حكمها، ارسلت الامبراطورية العثمانية (الاسلامية وبرأسها الخليفة – السلطان) حاكم مصر وحليفها آنذاك المسلم الالباني محمد على باشا لتصفية الرؤوس الوهابية التي كانت قد اينعت وذلك عام ١٨١٩ والتي كانت قد اقتربت من سوريا والعراق. كانت تلك احداث ‘الخرمة’ و ‘تربة’ في عام 1924 التي اخذت آنذاك تبلور صيت الوهابيين عالميا وذلك بعد قرن تقريباً من دحرهم على يد محمد علي.

***

فوفقاً لابحاث اكاديمية تمحورت في تاريخ الوهابيين (والجهادية السلفية) ، لم يلفت هؤلاء حتى ما بعد الحرب العالمية الاولى انظار العامة سوى عيون وآذان الامبراطورية البريطانية أو شقيقتها الفرنسية من مستعربين وباحثين وجواسيس ودبلوماسيين ورحالة – واحيانا جزء او كل هذه التقاطعات مع بعضها البعض. وكانت مذبحة الطائف في أيلول 1924 وما واكبها من تصفيات المليشيات الوهابية للشيوخ والنساء والاطفال فضيحة وعار حتى بالمعايير السعودية وقتها. الا ان انشغال الوهابيين في معارك مستمرة في الجزيرة العربية لم يمنعهم من التخطيط لتوسيع نفوذهم شمالا نحو منطقة ‘الهلال الخصيب’ او ‘سوريا الكبرى’، وفقاً لانطون سعادة. فبعد ان اجتازت مليشيات الوهابيون شمال الجزيرة العربية، ووضعوا ‘وادي سرحان’ في الجزيرة العربية، الدرب المؤدي الى شرق الاردن في فك الكماشة التي في قبضتهم، اخذوا يعدون شباكهم للتقدم نحو البحر المقدس: سوريا وفلسطين. وبما انهم اخذوا ‘يعاينون سوريا وفلسطين عن مسافة جغرافية لا نفسية، كان يتربص لهم في فلسطين هيربيرت صاميوئيل (١٨٧٠-١٩٦٣)، المندوب السام الاول (اليهودي المتصهيين) للامبراطورية البريطانية، واعوانه الذين راقبوا حتى ولو من بعيد تحركات الوهابيين حيث كتب محذراً في برقية الى الحكومة البريطانية عام ١٩٢٠ من اتساع نطاق النشاط الوهابي الذي اخذ بالتغلغل (حسب معلوماته) في ‘شرق الاردن’ والذي حسب رأىه قد يشكل مأزقاً كبيراً ويهدد فلسطين

.ومن جهة أخرى كان الكاتب والشخصية البريطانية المخابراتيه المقربة من آل سعود وغيرهم من الاسر الحاكمة في العالم العربي آنذاك جون فيلبي (١٨٨٥-١٩٦٠) قد بعث ببرقية للحكومة البريطانية عام ١٩٢٢ محذراً من احتلال مليشيات ابن سعود السلفية لمنطقة الجوف (حاليا عاصمة ) شمال نجد وجنوب الاردن. وبالفعل فقد قام عندها الوهابيون بالتقدم نحو شرق الاردن. فبعد انقطاع حكم آل رشيد وغزو حائل ( شمال وسط الجزيرة العربية) عام ١٩٢١ على يد عبد العزيز آل سعود قامت مليشيات وهابية مقاتله وصل تعدادها الى ١٥٠٠ نفر منطلقة من وسط نجد الى قلب شرق الاردن (انظر ارمسترونغ وحبيب) حيث ‘انزلوا الدمار بالمدن القريبة من عمان وقتلوا بلا هوادة الاطفال والذكور والكبار’من قبيلة بني صخر والتي يحفل أدبها الشعبي وذاكرتها الجماعية الى اليوم بجروح وندوبات مذابح السلفيين. كان ذلك قبل حوالي تسعة عقود من الزمان. وبما ان التطورات في العالم العربي حية تتفاعل وتفتقر الى الاستقرار منذ الاستيطان الصههيوني لفلسطين في نهاية القرن التاسع عشر وبالتحديد منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨، يعيش العالم العربي في حاضر مستمر مستنفر تتدخل فيه عمليات خارجية مستترة. وهذا ما يجعل عدة عقود تنحصر في حياة كهل عربي واحد شاهد عيان لكل التطورات منذ الحرب العالمية الاولى الى يومنا هذا. وعلى الرغم من استعمال الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا (او الناتو بشكل عام) قواتها المسلحة وبشكل خاص سلاحها الجوي باستمرار منذ الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في العالم العربي منذ ما بعد نكبة فلسطين في ١٩٤٨ ابتداء من العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ مرورا بالحرب على ليبيا وقصفها عام ٢٠١١، وانتهاءاً (فقط للتو) بقصف سلاح الجو الفرنسي لمعسكرات تدريب ‘جهادية’ في شمال مالي في ١٣ يناير ٢٠١٣؛ فبودي التركيز هنا على مثال واحد يتمحور بكيفية تعامل القوات المسلحة البريطانية الحاكمة – المحتلة، وبالتحديد سلاح الطيران – في حالة واحدة ضد الوهابيين الجهاديين – دون اطلاق الاحكام – وانما من زاوية المقارنة التاريخية والتصرف العسكري لتوفر اوجه الشبه ولكي يفكر كل غربي وعربي من معسكر الحكومات الغربية قبل الرد على عمليات الحكومة السورية ضد الارهابية المرتزقة كانت وهابية او جهادية … والخ .

***

اعود هنا مرة أخرى الى مليشيا المقاتلين الوهابيين الذين وصلوا الى مدارات عمان – الاردن عام ١٩٢٢. اما وقد كان البريطانيون آنذاك (بعد الحرب العالمية الاولى) في موقع عسكري متين وكانت غنيمة بريطانيا من الحرب العالمية الاولى وبما في ذلك اتفاقية سايكس-بيكو (١٩١٦) بين الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية السيطرة على العراق والاردن وفلسطين، فلكي تحمي بريطانيا الاردن من الهجوم الوهابي، اخذ البريطانيون بالتصدي للمقاتلين الوهابيين بجنودهم وبالتحديد بسلاح جوهم حيث قتلوا جميع الوهابيين الـ١٥٠٠ (الف وخمسمائة) ما عدا ثمانية افراد ‘فقط هم الذين عادوا وعاقبهم ابن سعود فور عودتهم على القيام بغزو لم يرخص لهم به’. (حبيب، ص. ١٨٦). ورغم سحق هذه القوة من المقاتلين الوهابيين، فقد وصلت تقارير ديبلوماسية-مخابراتية بريطانية وسط عام ١٩٢٣ عن محاولات الوهابيين التبشير بأفكارهم واستمالة الناس في دمشق. فهناك برقيات على مستوى بريطاني عالي بما في ذلك من وزير المستعمرات آنذاك، وينستون تشرتشيل (١٨٧٤-١٩٦٥) يطالب فيها (من اصبح بعد ذلك رئيساً للحكومة) وزارة خارجيته الاستفسار من محافظ سيناء عن نشاط الوهابيين .إما دوليا، فان الصفقات ما بين بريطانيا وفرنسا لم تتوقف ابداً (فبعد بداية العمليات الفرنسية في مالي اعلن ديفيد كاميرون دعمه لها يوم ١٣ يناير ٢٠١٣) لانهم على الرغم من التنافس الكبير على مر العصور، فكلما تقدمت العلاقات على الميزان الزمني كلما اصبحت علاقتهما تتبلور عبر الحوار والتفاهم والمصالح المشتركة لا التناقضات. ففرنسا التي رسمت سوريا ولبنان من ‘نصيبها’ في اتفاقية سايكس-بيكو لم تقبل ان يستمر الملك فيصل (١٨٨٣-١٩٣٣) ابن امير مكة الشريف حسين وشقيق عبدالله ملك الاردن بحكم سوريا فباشرت بحملة تشبه ما يسمى في ‘عبارات واعراف’ العلاقات الدولية بـ’تغيير الحكم’ – ‘Regime Change’ واعلنت الحرب على سوريا والملك فيصل بما اصبح يعرف بـمعركة ‘ميسلون’ عام ١٩٢٠ واقتلعت الملك فيصل (بعد اربعة شهور من تنصيبه) من سوريا ونصبته ملكاً على العراق. بالمقابل، اذا ما تابعنا التاريخ السياسي لمصر والجزائر وسوريا على سبيل المثال فسيبدو جليا ان هذا الصراع (قبل الاحداث التي انطلقت في يناير ٢٠١١) ما بين الحكم الغير وهابي-سلفي والمجموعات التي تعمل في فلكها وتدخل القوى الاجنبية ما زال مستمرا منذ اكثر من قرن. فاقليمياً (عربياً) ومحلياً، فعلى سبيل المثال في عهد عبد الناصر (وحكم القوميين) تم اعدام زعيم الاخوان المسلمين السيد قطب وفي سوريا رآت الدولة ان وجود الاخوان في الدولة يناقض ايديولوجية الدولة والمجتمع ومستقبل سوريا ولذلك جاءت احداث حماة عام ١٩٨٢. فكلمات الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ما زالت تجلجل الى هذه الساعة وكأنه تلاها يوم امس حيث قال معبرا عن ايديوليجية الدولة ما يلي: ‘لا اخطر على الاسلام من ان تشوه معانيه ومضامينه وانت تلبس رداء الاسلام وهذا ما يفعله الاخوان المجرمون’. هذه الكلمات توضح بشكل كبير الشرخ ما بين ايديولوجيتين بشكل خاص في العالم العربي (هناك طبعا عدة ايديولوجيات في المجتمعات العربية) : القومية-العلمانية والدينية-الاصولية.

***

هذه المليشيات الارهابية او المجموعات الوهابية – السلفية التى تؤمن بتوظيف الاسلام لتبرير استعمال العنف لتحقيق أهدافها السياسية كانت موجودة دائماً في العالم العربي (والقاعدة احد امتداداتها) وان ظهورها الفاعل على السطح وعملها الارهابي كان نتيجة اما لتلقيها الدعم الكافي او السماح لها بالعمل والنمو داخل الدولة الداعمة او كأداة تستعملها دولة معينة ضد النظام في دولة اخرى لتقويضه غالبا مع دعم مالي وعسكري اقليمي وغطاء دولي مقابل صفقات اقتصادية لا يتم التصريح بها الى الجمهور. وبالمقابل لم تختلف ردود فعل العاملين ضدهم من حكام ولذلك فلا يحق لا لفرنسا ولا لبريطانيا انتقاد الدولة السورية على الاطلاق لما تقوم به تجاه هذه المجموعات فلتنظر في جعبتها اولا فكما يبدو ان الجمل ‘الغربي’ لا يرى سنامته المتضخمة المجترة للصواريخ.

MKM

د. مكرم خُوري – مَخُّول

Dr Makram Khoury-Machool

Cambridge, England, UK

https://mail.google.com/mail/u/0/images/cleardot.gifمقالات الرأي تعبر عن رأي أصحابها وليس بالضرورة عن رأي " الكومبس ".

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon