المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: حصول المواطن على مترجم، هو حق منصوص عليه في القانون حسب المادة 8 من القوانين الإدارية “förvaltningslagen” والمادة 2 من قوانين الرعاية الصحية” hälso-och sjukvårdslagen” والمادة 5 من قانون أصول المحاكمات “ rättegångsbalken”. والمترجم هو حلقة الوصل الأساسية بين المجتمع السويدي والقادمين الجدد، بدون المترجم تُشلّ حركة معظم دوائر الدولة ولا تتم عملية اندماج القادم الجديد في هذا المجتمع وفهمه بالصورة الصحيحة.
إذاً دور المترجم لا يمكن التعويض عنه ومع ذلك نجد أن الترجمة هي المهنة الوحيدة التي لم تحظى بالمكانة التي تستحقها في السويد. وليس مبالغة أن نقول إن حق المترجم وبخاصة الحاصل على شهادة المترجم المُعتمَد” auktoriserad tolk” حق مهدور في السويد.
فبينما نجد المحامي يدرس القانون فقط والطبيب يدرس الطب فقط، أما موظف الخدمات الاجتماعية “السوسيال” يدرس مادة علم المجتمع وجميعهم يحصلون بسهولة على عملٍ ثابت بعد التخرج وبدخلٍ ثابت، بينما المترجم يدرس الكثير من القانون والكثير من الطب ومادة المجتمع بحذافيرها ومع ذلك ليس لديه عمل ثابت وهو في قلقٍ دائم من المستقبل. مع أن كلاًّ من الطبيب والمحامي وموظف السوسيال لن يتمّ عمله بصورة كاملة بدون وجود مترجم.
وفِي حوار أجريته مع الترجمان المُحلّف وأستاذ مادة الترجمة في ( folkuniversitet )اسماعيل عثمان يتحدث عن متاعب هذه المهنة قائلاً” مهنة الترجمة هي المهنة الوحيدة في السويد التي يشعر المرء فيها أنه خاسر من جراء التحصيل العلمي، المترجمون المتمكنون يتركون المهنة يوماً بعد يوم، ظروف العمل سيئة. معظم شركات الترجمة توظّف مترجمين غير محترفين، ولا توجد دائرة حكومية تمارس الرقابة على هذه المهنة، كما لا يوجد اتفاق بين النقابات على تسعيرة محددة لساعة الترجمة.. وكل ذلك يعود في النهاية إلى استهتار السياسيين بالمهنة.
وفِي هذا السياق أظهر استقصاء قامت به جامعة لوند السويدية، أن ضعف خبرة المترجمين الفوريين قد أثّر بشكل كبير على تحقيق القانون لمساره في العديد من القضايا المتعلقة باللاجئين خصيصاً فدوائر الدولة السويدية بشكلٍ عام تختار المترجم الأرخص ثمناً بدل من اتخاذ الجودة كمعيار عند شراء خدمات الترجمة الفورية، ما عدا المحاكم فهي الوحيدة حالياً التي تستعين بمترجمين محلّفين.
ورغم أن أخطاء المترجمين تؤدي إلى إعادة النظر بالقضايا (إذا ما تم اكتشاف هذه الأخطاء طبعاً) مثل قصة المهاجر زكريا الميس الذي كانت لديه قضية في المحكمة وأجبرت المحكمة بعد ذلك على إعادة كل الجلسة بسبب ضعف الترجمة. وقد ذكرت صحيفة Gefle dagblad تلك القصة في 20 آذار 2008 وبالتالي هذه الإعادة تكلف مبالغاً أكبر مما يكلف تعيين مترجم مُعتَمد (مُحلف).
وبالعودة لحديث المترجم المحلف اسماعيل عثمان فهو يؤكد على وجود منافسة كبيرة بين مكاتب الترجمة تؤدي إلى خفض أجور المترجمين لتتمكن الشركة من الحصول على المزيد من المتعاقدين وبالتالي هناك الكثير من المترجمين الذين يرفضون الحصول على رخصة مترجم محلّف لأن مكاتب الترجمة لن تستعين بهم في المستقبل لارتفاع اجورهم.
مفارقات ومواقف مضحكة
عند سؤال المترجم المحلف اسماعيل عن مواقف مضحكة مرت به أثناء العمل ضحك وذكر لي، انه تم طلبه ذات مرة للترجمة لصالح شخص مصاب بإعاقة وعليه القيام برياضة معينة في المسبح وقد ذهب المترجم كالعادة مرتدياً بزة رسمية و يحمل حقيبة وهو بكامل أناقته، لكنه تفاجئ بأن المكان كالساونا و شعر بالحر الشديد فاستأذن من الطرفين أن يخلع جاكيت البزة، وبعد قليل ازداد الحر فاستأذن المترجم ثانية وخلع ربطة عنقه.. ثم اضطر لخلع القميص ثم البنطالون والحذاء من كثرة الحر ليجد نفسه شبه عاري فضحك وطلب النزول في الماء ومتابعة الترجمة “عالبارد” .
وفِي قصة أخرى حدثت مع مترجم آخر تم طلبه أيضاً للترجمة لشخص معاق حصل على كرسي متحرك جديد وسيقوم مدرب سويدي بإرشاده إلى كيفية الاستخدام الصحيح للكرسي.. وجاء المترجم بكامل أناقته أيضاً ومرتدياً بزة رسمية وتفاجئ أنه سيترجم في الشارع مشياً على الأقدام. المدرب كان يرتدي بزة وحذاء رياضي ورويداً رويداً ازدادت سرعته بالمشي والمترجم حاول ان يسرع أيضاً ثم تمكن المريض من استخدام الكرسي و اذا به ينطلق مسرعاً والمدرب يركض الى جانبه أما المترجم المسكين اضطر للركض حاملاً حقيبته و حذاؤه الرسمي بالكاد يساعده على الركض وربطة عنقه تطير في الهواء.. ضحك اسماعيل كثيراً.. قال لا يمكن التنبؤ بما قد يتعرض له المترجم من مواقف.
وعند سؤاله ماهي النصيحة التي يود توجيهها لمن يرغبون العمل بهذه المهنة قال: المترجم الناجح في مهنته لابد من أن يمتلك أرضية ثقافية، وحب للقراءة وسعي دائم لتطوير معارفه.. أنا أعمل بالمهنة منذ 15 عاماً ومع ذلك لا زلت أتعلم كل يوم كلمة او مصطلح جديد.. والنقطة الأهم أن لا يهمل المترجم لغته الأم لأنه مع مرور الزمن و التركيز على تعلم السويدية ينسى المرء تدريجياً الكثير من قواعد ومصطلحات لغته. كذلك يجب أن يكون المترجم سريع البديهة بحيث لا يترجم حرفياً كل ما يقال.. احياناً يذكر أحد الطرفين مثلاً شعبياً كهذا المثل السويدي :” det är svårt att lära en gammal hund sitta” فلا بمكن أن تترجمه بمعناه الحرفي للشخص: ( من الصعب أن يتعلمّ الكلب المسنّ الجلوس) لأن الكلب لا يحظى بالمكانة نفسها عند العرب مثلما يحظى بها بالسويد .هنا يمكن المترجم استخدام مثل شعبي بلغته الام يشبه المعنى ضمنياً مثل المثل العراقي :(من الصعب تعليم المسنّ العجن).
في النهاية لكل مهنة متاعبها، ولكن ولأن الطلب قد تزايد بالفترة الأخيرة على مهنة الترجمة، يجب أن تكون المساعي منصبة على عدم الانحدار بالمستوى العلمي والمعرفي والثقافي الذي يجب أن يمتلكه المترجم، وهذا يعني زيادة الاهتمام بهذا المجال الهام.
لينا أبو أسعد