المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: اللجوء إلى التناقض واستخدام عدة أوجه في حياتنا كمهاجرين في مجتمعات الغرب، يجب أن لا يصبح جزءاً من حياتنا، كي لا يرتبط أيضا بهويتنا الثقافية والدينية كمجتمع مهاجر امام المجتمع السويدي المضيف.
لمسنا هذا التناقض والازدواجية بوضوح عندما قدم التلفزيون السويدي برنامج استقصائي لكشف جوانب قضية شغلت المجتمع السويدي بشكل عام والمهاجرين منهم بشكل خاص المتمثل في تطبيق قانون السحب القسري للطفل من قبل هيئة الشؤون الاجتماعية السوسيال.. فقد استخدم البرنامج شخصية عربية مجهولة اتصلت ب 16 مسجدا في السويد وسألتهم نفس السؤال” لقد ضربت ابني والآن هناك بلاغ قلق ضدي أمام السوسيال بماذا أجيب اذا سألني السوسيال هل اعترف انني ضربت ابني ام لا” فكان للأسف جواب رجال الدين وأئمة المسلمين بالسويد 11 من أصل 16 هو نصيحتها بالإنكار وعدم الاعتراف للسوسيال بالواقعة “
وعندما قام التلفزيون السويدي بإعادة السؤال عليهم وباللغة السويدية ناقضوا ماقالوه بالجواب باللغة العربية وقدموا تبريرات مخجلة ومؤلمة وقبل الوقوف عند ظاهرة الازدواجية الشخصية او كما تسمى بالسويدي ازدواجية الاخلاق Dubbelmoral كظاهرة لها أسبابها النفسية والتاريخية. اسأل لماذا لم يسأل التلفزيون السويدي رجل دين من غير المسلمين ؟ ولماذا لم يلتقي فعلا بأحد العوائل المتضررة ويسمع رأيهم بالموضوع كما أن الازدواجية لم تقتصر على رجال الدين فحسب ومعد البرنامج بينما كانت واضحة في ادعاءات زعيمة الحملة ضد السوسيال زينب لطيف عندما سألها المعد في البرنامج عن مدى معرفتها بخلفية قناة شؤون إسلامية المرتبطة بتنظيمات إرهابية فكان جوابها إنها لأتعلم ولو علمت لما تواصلت معهم رغم علمها المسبق وسعيها لتدويل القضية على حساب كل القييم تلبية لدوافعها الشخصية إن الازدواجية لا تظهر عند الفلاح أو العامل فحسب، بل عند التاجر والمثقف وعالم الدين أيضاً؛ لأنهم يشتركون جميعاً في نمط واحد من السلوك المزدوج الذي يختفي في أقوالهم أحياناً، لكنه يكشف عن نفسه في مواقفهم وسلوكهم مع الآخرين.
ونخلص بالقول إلى أن لكل منا شخصيتين، واحدة نتحدث بها وأخرى نتصرف بها حسب ما يمليه الواقع. والشخص الذي يؤكد على شيء في أقواله غالباً ما يكون ضعيف الثقة بقوله. فالأناني يتحدث عن الغيرية، وقليل المال يتحدث عن ماله في كل مناسبة، والحسود يترنم بطيبة القلب. وهذا ما يقدمه عالم الاجتماع الاستاذ علي الوردي بالقول” إننا نمارس كبت الدوافع النفسية والتظاهر بعكسها، مما يؤدي إلى ازدواج الشخصية” وهو في تحليله يظهر لنا الصراع الداخلي بين القيم التي يفرضها المجتمع وعدم القدرة على قبولها ومحاولة التظاهر بقبولها والعمل عكسها حينما تتوفر لنا الفرصة. فالكبت يزيد من تعقيد المرء ويضاعف معاناته، حيث تستحوذ عملية الصراع الداخلي على الطاقة الخاصة وتنهك الإنسان وتدفعه لتوافق هو غير قادر على تحقيقه. ولعل ذلك ما يفسر شيوع الشخصية “التكتوكية”، ويعتبر الناس “شخصية التكتوك” نوعاً من الذكاء، لاسيما أنهم يعتبرون القدرة على التحايل وخداع المتابعين ذكاءً. وهنا نصطدم بمنظومة الأخلاق والقيم. البعض مثلا يمارس الغش في البيع، ويعتبره مهارة، وهو تناقض يعاني منه من يؤدي الصلاة دون اكتراث بمعانيها، ناسياً أن الخالق يرى كل شيء ويدرك حقيقته الداخلية. والبعض مثلا يسرق وقت العمل غير عابئ بأن فعله هذا خيانة للأمانة؛ فهو مؤتمن على عمله ويتقاضى عنه أجراً، لكنه لا يربط بين السلوك والعبادة. وغير ذلك من التصرفات المتناقضة
التي توحي بأن المرء تلبسه شخصيتان، وهو غالباً غير واع بالتناقض الذي يعتريه. وهناك البعض يدركون حقيقة تصرفاتهم لكنهم يجدون لها “التبرير”! وهكذا فالازدواجية في نهاية الأمر هي اضطراب يؤدي إلى اضطرابات غير واعية، بمعنى أن كثيرا من الظواهر المرضية تظهر دون أن يعرف الشخص سببها. إننا إذن أمام ظاهرة اجتماعية تحتاج فهماً أعمق؛ لأن التناقض والازدواجية لهما تأثيراتهما النفسية على المدى البعيد، والتي تظهر بإشكال مرضية؛ مثل التعاسة والكآبة والملل… وقد تتطور إلى مرض جسدي، حيث يعجز الفرد عن التبرير وحل التناقض الداخلي، فينتابه ألم الضمير. والمصيبة أنه لا يعرف أن ما يقوم به هو سبب تعاسته.
يقول نزار قباني: «لماذا نحن مزدوجون إحساسا وتفكيرا؟/ لماذا نحن أرضيون.. تحتيون../ نخشى الشمس والنورا؟/ لماذا أهل بلدتنا يمزقهم تناقضهم؟/ ففي ساعات يقظتهم، يسبّون الضفائر والتنانيرا/ وحين الليل يطويهم/ يضمّون التصاوير “
وضمن هذا الإطار يعيش الإنسان العربي الكثير من الازدواجية بين روحه وجسده بين ما يؤمن به وما يفعله بين ما يريد وما يستطيع بين نفسه والاخر من مجتمع ووظيفة وسلطة .
الازدواجية الفكرية والنفسية والمجتمعية تبدأ بمرحلة مبكرة من حياة الفرد ويمكن أن لا تنتهي إلا بنهاية حياته .إلا مع القليل ممن يتصالحون مع ذواتهم وأفكارهم ليعيشوا ما يؤمنون بشكل صادق وخارج مظاهر النفاق الاجتماعي.
كدخول سريع لتحليل أسباب الازدواجية الاخلاقية أو السلوكية أو الشخصية فالأسباب متعلقة بثلاث دوائر أساسية: الدائرة السياسية والدائرة الدينية والدائرة المجتمعية ؛ مما لاشك فيه هذه الدوائر الثلاثة ساهمت في خلق الشخصية المرتبكة والتي أنجبت كوارث متلاحقة
فالدائرة السياسة العربية قائمة على القهر والقمع وتكميم الافواه وخنق الحريات والتي أدت إلى حجر الوعي وجعله يراوح مكانه .خصوصا عندما استخدمت السياسة الجهل والفقر اداتين لقهر الشعوب والتسلط عليها فأصبح الفرد يعتقد أن حقوقه المجتمعية هي طموح صعب الوصول اليه .الأمر الذي افرز شعوب راضخة وخائفة من كل شيء ثم لجأت بعد ذلك إلى استخدام ما هو أكثر قسوة من الجهل والفقر ألا وهو الدين في ترويض العقول وتدجينها خصوصا إن الدين هو الطاقة الروحية الاعلى المتمكنة من روح الإنسان العربي. لا بل الدين يشكل المنظومة القيمية والأخلاقية المطلقة. فكان تسيس الدين وتفريغه من محتواه الروحي وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية فأصبح الدين وسيلة لإغلاق العقول ومنعها من التفكير ، والدوران الأعمى بين دائرة الحلال والحرام.
ولأن لا قيم للعربي خارج الدين أصبح أكثر ما يسعى اليه الاب المهاجر التركيز على تعليم أبنائه وبناته الدين واللغة العربية متناسين تماما أن الدين أهدافه لا تكمن بنصوص وكلمات وإنما هناك قيم اخلاقية وتربوية ومهارات سلوكية ومجتمعية كالصدق والأمانة واحترام الآخرين وكذلك القيم العربية لا تكمن بكلماتها ولكن الشهامة والشجاعة والاقدام ومساعدة الآخرين ومهارة الانتقاد واسلوب الخطابة والمخاطبة كلها مهارات ينبغي على الآباء والامهات أن يبدأ بها كفن في إدارة التغيير ؛ عندما يتعلم الآباء ماذا يفعلون لكي يجددوا كفاءاتهم وإمكانياتهم وخواصهم عندها يمكن لهم فهم و إدارة حجم المتغيرات التي تطرأ على أطفالهم ولكي يتمكنوا من ممارسة دور الابوة والقدوة الصالحة بدل من ترك أطفالهم فرائس سهلة لشاشات المنصات الاجتماعية وكوارثها السلوكية والأخلاقية التي تخلق الازدواجية في شخصيتهم المستقبلية لا بل تقضي على كل مقومات الإنسانية والمواطنة الصالحة والسلوك القويم في كرامة الإنسان وشخصيته.
فأصبح الدين يستخدم لاستهداف المرأة لتصور مسائل الحيض والنفاس والطهارة والعذرية وغيرها قراءات وفتاوى الفقهاء والمجالس بعيدا عن مشكلات المجتمع المتجددة وقضاياه المستحدثة يوميا ..ليصنع من المرأة “العورة “محرّما “تابو” كبير يفكر به الإنسان العربي المقهور المكبوت جنسيا داخليا ويعمد لتغيبه خارجيا.
كما يحضر الكلام به امام الناس ليشتغل فقط في خلفية المشهد في رأسه وشهوته ولتصبح المرأة صيدا مترصد الاقتناص من جهة وعورة واجبة الاخفاء من جهة أخرى وبذلك غابت صورة المرأة نصف المجتمع (الام .الاخت الزوجة الابنة الصديقة والزميلة الجارة والمعلمة والمديرة)
لتحضر فقط المرأة العورة فقط هكذا تم تجويف الدين من جوهره الروحي الكبير وتحول لمؤسسة متحجرة هدفها تفريخ اصنام وفتاوى جنسية ولا عجب لاحقا أصبح معمل لتصنيع الإرهاب والة الموت والخراب وضمن دائرتي الدين والسياسة تم صناعة حاضنه لهم فأنتج لنا مجتمع مزدوج القيم والأحكام يرفض كل المحظورات علانية ويبيحها خفية ويصادر حق الإنسان في الاختلاف في أبسط نواحيه الحياة ليخلق بذلك معاييره القيمية الخاصة والخاطئة أحيانا كثيرة . ويحاكم افراده ضمنها ولينتج بالتالي انسان مزدوجا فكرا وروحا وانسانا فصاميا بأبسط الأحكام.
عشرات الصفحات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي تعكس لنا هذه الازدواجية فلا يوجد اسم حقيقي ولا صورة حقيقية لملفه الشخصي ولا حتى حالته الاجتماعية متزوج أو أعزب ربما خوفه من حكم الآخر/المجتمع أو لأن مشاريع التصيد الضمنية قائمة وحاولات النيل بالتشهير والتسقيط الاعلامي .متى نتجاوز هذه الصورة المضطربة ومتى نتصالح مع ذواتنا ومع الاخر؟ سؤال ينبغي لكل فرد منا أن يحاول الإجابة عليه أمام نفسه بكل صدق وموضوعية