المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: مابين الطفولة البريئة والشباب الواعي هناك خط زمني فاصل يشدهم للوراء تارة وللأمام تارة أخرى، فنرى أبناء جاليتنا في أوربا يعيشون هذه المرحلة العمرية (حائرين) يعيشون حالة من التخبط والتيه على المستوى النفسي والفكري والثقافي.
فالمراهقة هي مرحلة إنتقالية مابين الطفولة والشباب تبدأ في 12من العمر وتنتهي في21، وهي المرحلة الحرجة التي تتشكل فيها الشخصية الوجدانية لكل شاب وفتاة بل هي مرحلة خاصة وحساسة جدا تتميز بالعنفوان والحيوية والطاقات المهولة.
وقد تختلف سيكلوجية المراهقة وأشكالها من جيل إلى جيل ومن مجتمع ﻵخر نظرا لطبيعة المراهق والمتغيرات التي تطرأ عليه وبحكم البيئة والمعطيات كتفتح آذانهم وعيونهم على مبادئ وحضارة جديدة تختلف عن المعايير والموروثات والاتجاهات التى تربى ونشأ عليها جيل الآباء.
والمشكلة لا تقف عند التباين بين جيلين بل تتخطاها لحد الصدام والصراع وربما القطيعة.
وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الفئة العمرية بقوله:
( إن الله ليعجب من الشاب الذي ليس لديه صبوة ) والصبوة تعني الميل للهوى
لهذا فمن الطبيعي بل والصحي جدا بعض الطيش أو الانحراف أو الاخطاء – فالمرحلة محفوفة بالإضطرابات السلوكية والنفسية وهي مزيج من الحلم والغضب واللين والشدة إنها ردود فعل أكثر من الفعل، كالتمرد والعصيان والعدوانية أو الخجل والإنطواء أو الأنانية والإستهتار والغرور والتكبر وحب الإستقلال.
– وعلني أوجز من خلال منبري هذا بعض من مشكلات المراهقين وحلولها حرصا على أبناء جاليتنا أولا وإنارة لذويهم من خلال تسليط الضوء على أهم الأمور:
1- التهميش داخل الأسرة والمجتمع. وهو من أكثر ما يعاني منه المراهق ممايدفع المراهق لتبني اسلوب العنف وهذا ما رأيناه فعلا عندما أقدم بعض المراهقين على إحراق السيارات في مدينة مالمو، كردة فعل عنيفة ترجمها المراهقون بعمل بطولي حسب ظنهم واعلنوا التمرد والعصيان. وهذه الحالة هي الأشد خطرا لأنهم أشبه بالقنبلة الموقوتة لا أحد يعلم متى وكيف وأين تنفجر. بل الجدير بالذكر أن هناك حالات تصل لحد ارتكاب جرائم القتل.
2- زعزعة الثقة بالنفس وعدم تقبل الذات والإحباط نظرا لإختلاف الثقافات. عند الإندماج بأصدقاء بثقافات مغايرة تبرز التباين في المهارات أو تتحول المشكلة لمشكلة أكبر كالخجل والانطواء.
3- المبالغة في الخيال والتحليق بأحلام اليقظة كحل وحيد أمام المراهق للهروب من واقع مؤلم يعيشه المراهق كالفشل الدراسي أو عدم شعوره بالأمان بسبب مشاكل الأبوين.
4- عدم التكيف داخل الطوق الأسري أو المدرسي أو المجتمعي وشعور المراهق بأنه ينتمي لشي آخر غير أسرته أو مدرسته أو مجتمعه، مترجما ذلك بالنفور منهم وانشاء عالمه الخاص زاحفا للأصدقاء (الشلل) وإعتبارهم المرجعية المثلى والمتنفس الوحيد والملاذ الآمن، حيث يكون الجو داعما للانحراف والسرقة وتعاطي المخدرات في معظم الاحيان.
5- هتك خصوصية المراهق بل واستباحتها عن طريق التدخل السافر والغير مدروس من قبل الآباء، مما يضطر المراهق للجوء لشخص آخر يحترم خصوصيته كالعم أو الخال أو أي شخص يشعر بالإرتياح له.
– المراهقة عالم مليئ بالمستجدات وبكافة الأصعدة وهي من أخطر مراحل العمر في حياة الانسان لأنها مرحلة تكوين الشخصية
فلابد للآباء وأهل الوصاية من مساعدة أبنائهم على تجاوز هذه المرحلة بأقل التخبطات والمشكلات والاضطرابات، ليدخل مرحلة الشباب سليما على الصعيد السلوكي والنفسي، ولنبني معا جيلا من الشباب نفاخر به الامم
وذلك بخطوات بسيطة أبرزها:
1- تفهم الأباء لطبيعة هذه المرحلة العمرية والإستبصار بالصعوبات التي ترافقها.
2- تبني أسلوب أخلاقي مشبع بالعاطفة والحب والتوجيه التربوي بلغة الصديق والإبتعاد عن لهجة الواعظ والناصح. وهذا يكون بعدم تفعيل معنى الوصاية من الآباء تجاه الأبناء.
3- الإصغاء والإنصات وإعطاء الابناء مساحة من حرية الرأي والتعبير والتجربة والتشاركية والحوار لتقريب وجهات النظر.
4- تفعيل الرقابة المتزنة مع ضرورة التفريق بين السلوك الطبيعي والغير طبيعي.
5- فهم ودعم الإحتياجات النفسية لدى المراهق وذلك من خلال ردم الفجوة التي يشعر بها كإحساسه بعدم إنتمائه للأسرة مثلا.
6- الإبتعاد عن إتباع الأساليب الإستفزازية وعدم إنتقاصه او الإستهزاء بأحلامه بل دعم قدراته وتنمية مواهبه.
7- إستنطاق الميول المهنية وتوظيفها أو التحفيز العلمي بما يلبي حاجة المراهق وليس حاجة أورغبة الاباء فقط.
8- تقويم الإلتزامات والواجبات، والنظر للمستقبل بعين المتفائل وعدم اللوم والتقريع والتجريح على أخطاء الماضي وذلك لضمان ردات فعل سليمة بعيدة عن العنف أو محاولة إثبات الذات بطرق بطولية مؤذية له ولأسرته ولمجتمعه على حد سواء.
9- الأخذ بعين الإعتبار أن أبناء جاليتنا يرون المراهق الاوربي والمساحات الشاسعة من الحرية التي يتحركون بها في كل شيء، فلابد من تدعيم الإنفتاح الإيجابي.
– أما دور مؤسساتنا الشرعية فهي:
1- مدعوة للإطلاع على حال المراهقين من أبناء جاليتنا والإلمام بمستجدات المرحلة وإبتكار الوسائل لتفعيل التواصل، مستفيدين من الأساليب المتوافقة مع القيم والاخلاقيات ودعم الإنفتاح الإيجابي.
2- إنشاء مكتب متخصص لدعم الشباب وحل مشكلاتهم بشكل عميق، بإشراف مختصين من ذوي الكفاءات النفسية والإجتماعية والتربوية.
3- تفعيل اللقاءات وجلسات الحوار عبر مؤسسات الجالية بين الاباء والابناء، للحد من التنافر والخصومات المتبادلة، ولإشراك المراهق بحل مشكلاته.
– ختاما: نسأل الله السلامة من كل شر، وجعل الله أبناءنا وأبناءكم في حرزه ورعايته وأصلح حالهم وجعلهم قرة عين لكم.
أنس محمد الأطرش
مقالات الرأي تعبر عن كتابها وليس بالضرورة عن الكومبس
الصورة تعبيرية من الارشيف