مسؤولية الشريك في جريمة الارهاب

: 9/26/16, 10:52 AM
Updated: 9/26/16, 10:52 AM
مسؤولية الشريك في  جريمة الارهاب

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

مقالات الرأي: من المبادئ الاساسية في علم القانون الجنائي , ان ( المجرم والجريمة والعقوبة ) هو مثلث يخضع لهذا العلم كما ان القاعدة العامة تنص 🙁 ان لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) اي لا يحاسب الشخص عن فعل الا اذا نص القانون على ذلك وما عداها تكون الافعال مباحة ولا عقاب على الفعل المباح .

والاصل ان العقوبة تكون شخصية , اي لا تشمل غير المجرم , و لكن المجرم قد يكون هو الفاعل المنفذ لها فعلا او يساهم معه اخرون او يكون هو شريكا او مساهما او محرضا او ساكتا فتكون جميع الادوار الاجرامية لهؤلاء واقعة تحت طائلة القانون الجنائي ويستحقون العقاب طبقا للقانون فضلا عن وجوب دفع التعويضات للمتضررين وفقا للقانون المدني لان المسؤولية القانونية تشمل كل من ( المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية ) لمرتكبي جريمة الارهاب او غيرها من الجرائم .

ومن الطبيعي ان اساس المسؤولية هي حرية الارادة والاختيار فمن لا يدرك أفعاله لا يعاقب وانما يخضع لاجراءات قانونية اخرى لمعالجة حالته ولكنه يبقى مسؤولا من الناحية المدنية اي دفع التعويض للمتضررين وهو مبدأ ينسجم مع قواعد العدل والعدالة ونصت عليه الشرائع القديمة والقوانين الوضعية ومنها القانون العراقي والقانون السويدي كما انه مبدأ يجسد المساواة وعدم التمييز بين الاشخاص علما ان هناك تفصيلات عن ( موانع المسؤولية الجنائية ) ولا يتسع المجال للدخول في تفصيلها .

لقد كانت الفلسفة القديمة تقوم على سياسة الثأر من الجاني او المجرم الذي يرتكب الجريمة والقيام بالانتقام وتجسدت هذه الفلسفة القديمة على مبدأ القصاص , سواء في مرحلة الانتقام الفردي أم مرحلة الانتقام الجماعي من قبل القبيلة او العشيرة والتي ماتزال قائمة في دول عديدة ومنها العراق بسبب ضعف مؤسسات الدولة , ولكن تبين ان سياسة الثأر والانتقام لم تحد من الجرائم بكل اشكالها واصنافها وهذا ما دفع العديد من الدول الى ترك مبدأ الثأر والانتقام وتقليص عقوية الاعدام الى فلسفة الاصلاح والتقويم للجاني انطلاقا من احترام حق الانسان في الحياة وفكرة معالجة الجاني ومن اشترك معه من المجرمين ولهذا ذهبت بعض الدول الى الغاء عقوبة الاعدام من قوانينها كما هو الحال في بعض الولايات المتحدة الامريكية وفي دول الاتحاد الاوربي .

وامام خطورة الجرائم التي ارتكبت في السنوات الاخيرة وبخاصة ( جرائم الارهاب ) والتي دخلت في نطاق جرائم الابادة للجنس البشري والتي تعد من ( الجرائم الدولية International Crimes ) صار لزاما على الدول والمجتمعات والافراد التعاون معا للحد او تجفيف بؤر واوكار المجرمين الذين ارتكبوا او يخططون لارتكاب مثل هذه الجرائم الدولية الخطيرة .

ونشير هنا الى ان الجريمة الدولية هي افعال خطيرة غير مشروعة تمس كل المجتمع الدولي ومن حق اي دولة محاسبة الفاعلين لها اي تقع ضمن اختصاصها الجزائي مالم تكن هناك اتفاقات بين الدول في تسليم المجرمين للدولة التي وقعت عليها الافعال الارهابية , وهذه الجريمة من اخطر الجرائم على المجتمع الانساني ولهذا تختلف في العديد من احكامها عن الجريمة الوطنية اي التي تقع في الدولة ولا يمتد ضررها الى دول اخرى مثل جريمة السرقة او الاختلاس او الايذاء او القتل او غيرها وفي العادة تنحصر في اطار قانون الدولة التي وقعت فيها مالم يشترك فيها عنصر اخر مثل الجرائم التي ترتكب من عصابات منظمة ويشترك بها اخرون ومن دول اخرى .

ان المتهم بجريمة الارهاب يعد مجرما دوليا ومن حق كل دولة محاسبته طبقا لقواعد القانون الدولي او القانون المحلي , اذ توجد اتفاقات دولية صادقت عليها الدول وصارت ملزمة ولها العلوية على كل القوانين الوطنية ولهذا فان المتهمين بجرائم الارهاب في العراق مثلا يخضعون الى قانون مكافحة الارهاب رقم ١٣ لسنة ٢٠٠٥ المعدل الذي استمد نصوصه من القواعد الجنائية الدولية ومن الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق ولقانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل ولقانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٥ المعدل .

من هو الشريك في الجريمة الارهابية وفقا للقواعد العامة للقانون الجنائي ؟

وفقا لقواعد القانون الجنائي المعروفة فان المساهمة في الجريمة على انواع وهي :

اولا – المساهمة الاصلية وتسمى بالمادية اي ان الفاعل الاصلي يقوم باظهار العناصر التي تؤلف الجريمة الى حيز الوجود وكذلك الشريك المساهم في الفعل في تنفيذ الجريمة كما لو كان عارفا بالفعل او شك به والتزم الصمت .!

ثانيا – المساهمة التبعية في الجريمة اي ان شخصا ما ساهم في الجريمة وتدخل بدور ثانوي او تبعي سواء قبل وقوع الجريمة او بعدها .

ثالثا- المساهمة المعنوية في الجريمة كالشخص المحرض والفاعل بطريق الواسطة .

ونشير هنا – على سبيل المثال – الى قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل حيث جاء في المواد ٤٧ و٤٨ و٤٩ و٥٠ التي تناولت احكام المساهمة في الجريمة ( الفاعل والشريك ) والمادتين المتعلقة بالاتفاق الجنائي ( المواد ٥٥ و٥٦ ).

لقد وقعت جريمتان ارهابيتان احدهما في السويد / العاصمة استوكهولم في 11 ديسمبر 2010 والثانية حصلت في امريكا في ايلول 2016 تمثلان نموذجين مختلفين لدور الشريك في الجريمة حيث يظهر هنا ان للعائلة دورا مهما في وقوع الجريمة او ايقافها , فهناك من افراد العائلة من لا يسكت على علامات الخطر من تطرف فكري وعلاقات مشبوهه وسلوك اجرامي يظهر على احد افراد العائلة فيقوم بتبليغ السلطات المختصة لمنع وقوع الجريمة والبراءة من المساهمة في ما سيقع , بينما يذهب اخرون الى الصمت او التجاهل او السكوت رغم معرفتهم بعلامات وبدايات السلوك الاجرامي اي يتخذ موقفا سلبيا بدافع الخوف او الاهمال او غير ذلك لان السكوت قد يدل على المساهمة او الشراكة في الفعل وهو موقف مدان من جميع النواحي .

النموذج الاول :

بتاريخ ١١ كانون الاول من عام ٢٠١٠ تعرضت العاصمة السويدية لعمل ارهابي من مجرم فجر نفسه بحزام ناسف بينما كانت العاصمة الجميلة استوكهولم تستعد لاعياد الميلاد . وقد تعرفت السلطات المختصة على المجرم ( تيمور عبد الوهاب ) وهو فلسطيني الاصل ومن مواليد العراق حصل على اللجوء في السويد عام ١٩٩٢ وقد دلت التحقيقات الرسمية بانه سافر الى اماكن ودول فيها بؤر للارهاب للحصول على التدريب من معسكرات الارهابيين الاجرامية .

والغريب ان المجرم متزوج من ابنة احد الاشخاص المقيمين في السويد والذي يدعي بانه علماني وحاصل على شهادة أكاديمية عليا كما ادعى ايضا انه قد ربى ابناءه على أحسن وجه , بينما ظهر من التحقيقات ان زوج ابنته هو ( انتحاري استوكهولم ) فكيف يعقل ان هذا الشخص لم يلحظ على ابنته او زوجها تغيرات السلوك ومظاهر التطرف الواضحة الذي ادى الى هذا العمل الارهابي الشنيع !

والسؤال هو لماذا لم يبلغ الجهات المختصة بما لاحظه ولم يتدخل في منعه ؟! وهل يكفي استنكاره للعمل الارهابي بعد وقوعه في وسائل الاعلام في حين كان يمكن تفادي وقوعه لو انه كان قد ادى دوره كأب حقيقي تجاه اولاده على الاقل وبادر في الابلاغ للسلطات المختصة لحماية المجتمع .

ان مثل هذا الشخص أي الاب لا يمكن ان يعفى من المسؤولية باعتباره اخذ موقفا سلبيا مما تسبب في وقوع الحادث الارهابي .

ولاشك ان استغلال مبدأ التسامح والتعايش واحترام حقوق الانسان في السويد هو جحود وسوء اخلاق من الفاعل او المساهمين لان الدولة السويدية تؤمن بقيم الحرية في التفكير والتعبير شرط ان لا يضر بحقوق الاخرين او ان ينتقل الفكر الى افعال اجرامية كواقعة تيمور عبد الوهاب العبدلي , ولا حساب على الاشخاص اذا كانت افكارهم السوداء بقت في عقولهم بلا تنفيذ مالم تظهر الى العلن ولكن لا يعفى قانونا من ساهم او سهل او شارك او شجع او علم بهذا الفعل الاجرامي قبل وقوعه .

النموذج الثاني:

في يوم ١٩ ايلول ٢٠١٦ وقعت جريمة ارهابية من شحص يدعى ( احمد خان رحمي ) الذي ارتكب الجريمة في نيويورك في منطقة تشيلسي في مانهاتن . وكان والد الشخص المذكور قد ابلغ مكتب التحقيقات الفيدرالية ( FBI ) قبل سنتين من وقوع الجريمة اي في عام ٢٠١٤ قائلا بان ابنه صار متطرفا وان شخصية ابنه قد تغيرت تماما عقب زيارته الى افغانستان وباكستان منذ عام ٢٠١٣ وانه قد اصبح انسانا سيئا .

ولاشك ان هذا الابلاغ للسلطات الامريكية المختصة تعفي الاب واسرته من اي مسؤولية قانونية طالما انه لم يرض بسلوك ابنه وابلغ الجهة الرسمية عن ذلك قبل وقت كاف , وهذه الحالة تختلف عن النموذج الاول سالف الذكر .

وربما من المفيد الرجوع للرابط المرفق الذي يبين مسؤولية الشريك في جريمة الارهاب ومساهمته المباشرة او غير المباشرة في الجريمة :

http://www.dailymail.co.uk/news/article-1339011/Stockholm-suicide-bomber-family-portrait-wife-parents.html

بقلم: الدكتور منذر الفضل

دكتوراه في القانون المدني

السويد

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.