معايير اللجوء تتكسر أمام العصبوية

: 2/28/22, 4:57 PM
Updated: 2/28/22, 4:58 PM
 (AP Photo/Mindaugas Kulbis)  TT
(AP Photo/Mindaugas Kulbis) TT

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

بولندا التي تفتح أبوابها اليوم لمئات ألوف اللاجئين الأوكرانيين كانت قبل أشهر أغلقتها بكل تعسف أمام لاجئين من الشرق الأوسط

مقال رأي: في شهر نوفمبر الماضي من العام الفائت، أي قبل ما يربو على أربعة أشهر، كانت قوافل من اللاجئين جلّها قدمت من منطقة الشرق الأوسط، كانت هذه القوافل عالقة في غابات المنطقة الحدودية ما بين بيلاروسيا وبولندا في العراء وسط الصقيع والجوع ووباء كورونا. كان أفراد هذه المجموعات يصلون مطار مينسك الدولي ليتلقفهم الجيش البيلاروسي ويزج بهم في معتقلات مؤقتة بشكل غير إنساني ثم يقذف بهم إلى الغابات الفاصلة مع الحدود البولندية وهي الوجهة التي يبتغيها هؤلاء اللاجئون للوصول إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي قد تقبل لجوئهم بشكل شرعي وحسب القانون الدولي. بالطبع لم يكن الجيش البيلاروسي يسدي خدمة إنسانية لهؤلاء اللاجئين، بل كان يزجّ بهم في صراعات دول المنطقة من أجل الضغط وتحقيق مصالح معينة بعد تنبيشهم ومصادرة كل ما يملكون من قيمة قد يعينهم للوصول إلى مقاصدهم في الهروب من ويلات حروب بلادهم وصولاً إلى السلام والأمان. ولم يكن الجيش البولندي على سعة من الرحمة حين تصدى لقوافل اللاجئين بأوامر من دولته التي تنتمي إلى دول الاتحاد الأوروبي المؤمن باتفاقيات جنيف للاجئين الموقعة عام 1951، وذلك في مخالفة صريحة لقوانين اللجوء.

ولو دخلنا في تفاصيل معاناة هؤلاء اللاجئين الذين تركوا في تلك الغابات دون طعام وتدفئة، فقد كان البعض يفارق الحياة كما تناقلت وسائل الإعلام حينها، حيث ارتكبت بحقهم فظائع وحشية يندى لها جبين البشرية في غياب كامل لتطبيق المعايير الإنسانية. لكن للأمانة نسجل بأنّ ما كان يصلهم من مساعدات هو القليل من قبل سكان محليين تحركت الرأفة في قلوبهم في غياب منظمات إنسانية غير حكومية أيضاً.

وقبل قوافل اللاجئين السوريين الكبرى منذ 2015 التي اجتاحت القارة الأوروبية، كانت السيدة ميركل مستشارة الحكومة الألمانية السابقة وأثناء زيارتها لمدرسة أطفال في برلين، تقف بكل “صلابة” أمام دموع فتاة فلسطينية اقتربت منها لتشكو لها بلغة المانية طليقة بأنها مهددة هي وعائلتها بالطرد من البلاد بعد أن رفضت دائرة الهجرة الألمانية منحها الإقامة في البلاد. فما كان من السيدة ميركل إلا أن تأتي بجواب سياسي يخلو من أي تعاطف، ولا أعتقد أن الفتاة المسكينة فهمته أو أن يكون لديها وسط مأساتها استعداد لفهمه.

قالت السيدة ميركل للفتاة: “ليس لألمانيا القدرة على أن تأتي باللاجئين الفلسطينيين من مخيمات لبنان وإسكانهم في المانيا”.

أليس هكذا جواب هو محض غباء من سيدة اشتهرت بحنكتها السياسية، ولكن بسبب ازدواجية المعايير ستُدعى بعد حين بـ”ماما ميركل” وهي إشارة على فيض الحنان الذي أغدقته على اللاجئين السوريين الذين بدؤوا يصلون ويطرقون أبواب المانيا.

بالفعل، لم تمض أسابيع قليلة حتى فتحت المانيا أبوابها لجميع اللاجئين السوريين الذين استطاعوا الوصول اليها. وهم يقدرون بمئات الألوف.

حسناً.. تفعل سياسات اللجوء في إنقاذ أرواح الناس حيث يبدو المجتمع الدولي متضامناً ومتحداً في السراء والضراء، ولكن هل كلّ الدول التي وقّعت على هذا القانون أو التي التحقت به لاحقاً فعّلت العمل به بشكل إنساني حين طرق اللاجئون أبوابها؟

بولندا التي تفتح أبوابها اليوم لمئات الألوف من اللاجئين الأوكرانيين، كانت قبل أشهر أغلقتها بكل تعسف أمام لاجئين قدموا من الشرق الأوسط، وكأنّ الانسان في عرف هذه الحكومة البولندية لا يتساوى ولا ينبغي أن يتساوى مع مركبات العدالة والمساواة. وهكذا فعلت السيدة ميركل حين كانت تشرح بشكل خشبي للفتاة الفلسطينية الغارقة بدموعها سياسة اللجوء الألمانية القائمة على سياسات أقلّ ما يمكن أن يقال فيها إنها غير قائمة على أهداف إنسانية وهي مشبوهة في تحقيق مصالح اقتصادية على حساب الاحتضان الإنساني.

لا يبدو في وقتنا الحاضر أن تطبيق معايير اللجوء موحداً لدى الحكومات الأوروبية فكثير منها يبدو بأنه لا يستند على قانون جنيف الذي حددته مواثيق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. هناك دول لها معاييرها العصبوية الخاصة تتعلق بالدين والثقافة والعِرق وسياسات السوق وهي خاضعة للانتقاء.

سعيد الشيخ.. كاتب وروائي

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.