المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: يمكن أن يكون سؤال سفسطائي و معقد، لكن هل مكان الإقامة هو ذاته مكان السكن؟
طبعا يبدو للوهلة الأولى أنه سؤال غير ذا معنى، خصوصا و أن القارئ الكريم يعتبر أن بيته هو سكنه ومكان استقراره و أمانه، فما معنى أن نتفكر حول الفرق بين السكن و الإقامة؟
لكن السؤال جوهري بالنسبة إلى معظم المهاجرين، والعرب على شكل خاص. معظم هؤلاء المهاجرين هاجر من بلاده جراء الحروب والنزاعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وآخرون هاجروا إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل، نعم الأسباب كثيرة ولكن النتيجة واحدة، أشخاص بدلوا محل إقامتهم باختيارهم أو رغما عنهم.
السكن هو مكان السكون، حيث لا يكون هناك حافز أو وازع للمرء أن ينتقل منه و هناك يحث يحقق الإنسان أحلامه و آماله. هنا يتجلى الفرق بين الإقامة والسكن بالنسبة للمهاجرين، فكم من مهاجر يقيم هنا لكنه لا يرى أن محل إقامته هو نفسه محل سكنه النفسي؟
طبعا هناك نوعان من الأشخاص، النوع الأول الذي يسكن حيث يقيم، أما النوع الثاني فيقيم ولا يسكن في أي مكان!
أن يقيم في مكان و لا يسكن فيه هو نوع حياة يختاره الكثير من المهاجرين، حيث أنه يمكن أن يعيش لسنوات طويلة في مكان ما، يعمل و يجني المال و أيضا يكون عائلة و يقيم في بيت مريح و أيضا يسافر في عطله و إلى آخره، لكنه لا تسكن نفسه في ذلك المكان، حيث أنه يظل يعيش في أحلامه في الرجوع إلى بلده الأصلي و لذا فإنه يقيم هنا بكيانه و لكنه يظن أن معيشته هنا مؤقتة. و لذا فأنه في الغالب لا يهتم في ترسيخ حياته و لا يرمي إلى أن يعطي أحسن ما لديه للبلد الذي يقيم فيه، ففي النهاية هو يقطن هنا لفترة مؤقتة ريثما يتسنى له العودة إلى المكان الذي تسكن فيها نفسه.
وفي المقابل فإننا نجد آخرون يتقبلون المكان الجديد و يسكنون بكامل كيانهم، هؤلاء ينجحون في تكوين حياتهم وأيضا يصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع الجديد و لكن ذلك التحول يتطلب الكثير من البذل الفكري و لا سيما أن يقتنع المرء بثقافة المجتمع الذي أتى إليه و هذا صعب جدا، فليس من السهل على الإنسان أن ينبذ تاريخه و ثقافته كما يخلع قميصه.
ما أود أن أقوله هو أن الأمر لا يجب أن يؤخذ على هذا الحد من الجدية، حيث أن القرار لا يجب أن يكون بين التمسك بالثقافة و الأصل من جهة و النجاح العملي في الحياة والتفاعل الحقيقي مع المجتمع من جهة أخرى. التصرف الأمثل هو الأخذ بالأحسن من كلا الفكرتين حيث أن الإنسان لا يجب عليه نسيان تاريخه و ثقافته و أيضا التوقف عن الحلم في بلده الأصلي و لكن ذلك التمسك بالأصالة لا يجب أن يمنعه ايضا من المضي قدما في العيش في المجتمع الذي يقيم فيه ليصبح مواطن فعال ومنتج.
الطريق الأمثل هو أن تسكن هنا و الآن، من دون أن تنبذ ماضيك و ثقافتك و من دون أن تتوانا عن السعي إلى تحقيق مستقبل باهر لك وللمجتمع الذي تعيش فيه.
علي خان – سولنا ستوكهولم