المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي : ماذا يعني حكم البراءة الذي نطقت به محكمة الاستئناف بالرباط، في حق النائب البرلماني حسن عارف ، في قضية اغتصاب مليكة السليماني، الذي نتج عنه حمل ثم ولادة طفل، يبلغ حاليا سنتين وأربعة أشهر، و هو الملف الذي سيتحول إلى قضية رأي عام. فبعد كل ما عرفه ملف هذه القضية من تعثر منذ سنة 2010، حسب تصريحات الضحية لوسائل الإعلام، التي قالت فيها بأن وكيل الملك السابق بابتدائية تمارة "أحمد واهروش"، قام بحفظ الملف المعروض عليه، تحت مبرر الإنكار و غياب قرائن الإثبات، قبل أن يتم تحريكه مرة أخرى بعد رحيله نحو محكمة الاستئناف، و تعيين وكيل الملك الجديد، الذي أدان البرلماني المتهم بسنة سجنا مع النفاذ، و 30 مليون سنتيم كتعويض للمتضررة، و هو الحكم الذي ستصدم مليكة بإلغائه بعد استئناف القضية أمام محكمة الاستئناف بالرباط، و هو ما سيخلف تذمرا لدى المتتبعين من حقوقيين و صحافة و رأي عام، أمام وجود قرائن و دلائل تقنية و علمية ملموسة تثبت بما لا يدع مجالا للشك، العلاقة الجنسية التي جمعت الاثنين؛ السيدة مليكة السليماني الموظفة بوزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية و البرلماني حسن عارف الذي يشغل في نفس الوقت منصب رئيس بلدية عين عودة.
فتأكيد نتائج الخبرة الجينية للحمض النووي، التي أجريت على عينة أخذت من المواد التناسلية العالقة بقطعة لباس ذكوري داخلي، سبق أن قدمته مليكة للأمن، بنسبة 99،99 بالمائة للأبوة البيولوجية للمتهم، و إثبات الكشف التقني بوجود 284 مكالمة هاتفية بهاتف مليكة، تحمل رقم شريحة هاتف البرلماني، فضلا عن الرسالة الإلكترونية، تعتبر كلها، دلائل ثبوتية تستند عليها المحكمة لإثبات الجنحة، و محفزا للقاضي للاستمرار في تعميق البحث في القضية، بإجراء مزيد من الخبرات التقنية و العلمية، إن تطلب الأمر. هذا الحكم يحمل تفسيرا واضحا، مفاده أن العدالة لم تأخذ مجراها في هذا الملف الذي عرف منذ بدايته تعثرا؛ في عهد وكيل الملك السابق بابتدائية تمارة، و ربما كان سينتهي به المطاف، نحو مصير المئات من القضايا و الملفات المعروضة يوميا على محاكم البلاد، و هي، نفسها، المحاكم التي رفعت أمامها و في وجهها لافتات عديدة، حملت كلها إدانة صريحة للفساد المتغلغل داخلها، و هي، نفسها، المحاكم التي أصبحنا اليوم نطالع على جدرانها ملصقات "ضد الرشوة" بعد أن كانت قبل موعد 2011، من القلاع المنيعة التي لم يكن يسمح لأحد بالتشكيك أو المجادلة في صدقيتها.
أعتقد أن كثيرا من المغاربة مازالوا يتذكرون المحاكمة التي تعرض لها سنة 2009، صحفيا "الجريدة الأولى" علي أنوزلا مدير النشر ورئيس التحرير جمال بودومة، بتهمة المساس بهيبة القضاء، على إثر تغطية صحفية لحادث إطلاق النار على شرطي مرور من طرف مواطن نافذ.
قد يقول قائل؛ أن القضاء قال كلمته في هذا الملف، و لا مجال للخوض في سلطة القضاء، أو الاعتراض على قراراته. هذا صحيح! لكن لو كنا في بلد يضمن كل آليات تطبيق العدالة و احترام حقوق المتقاضين، و مادمنا في بلد، أصبح فيه حتى القضاة يصرحون و ينددون بتفشي الفساد و الرشوة داخل هذا الجهاز، مطالبين بإصلاح منظومة العدالة و تمتيع الجهاز القضائي بالاستقلالية، و أمام غياب سيادة فعلية للقانون، فإن استغلال المال و النفوذ السياسي و السلطة و المحسوبية و كل أشكال الإغراء و الضغط، تبقى هي القاعدة المسلم بها داخل محاكم البلاد، لذلك فمن واجب وزير العدل و الحريات بما يكفله له منصبه الدستوري من إمكانيات قانونية، أن يكشف الظروف الحقيقية التي مر عبرها هذا الملف، قبل، و خلال تداوله بجلسات المحكمة، و ما راج حوله من لغط و جلبة.
و لم يعد من المقبول، بعد كل التطورات التي حصلت في هذه القضية، عقب نطق الحكم المخيب للآمال، و التي جعلت منها قضية رأي عام، بفضل شجاعة و عزيمة المتضررة مليكة، لم يعد مقبولا صمت الوزارة المعنية، فالطفل الذي يبلغ من العمر سنتين و نيف، جاء إلى هذه الدنيا بطريقة عادية، كما جاء جميع أبناء هذا الوطن، أي عن طريق علاقة جنسية، بين رجل و امرأة، ببساطة عصر المعجزات قد ولى منذ زمن بعيد، و مريم العذراء لن تتكرر مرتين.
نبيل بكاني
عضو اتحاد المدونين العرب