المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات: الطبيب النرويجي مادس غيلبرت كان أول من لبى نداء الواجب الإنساني وتوجه إلى قطاع غزة بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير والمتواصل على مدن وبلدات ومخيمات القطاع، تماما كما فعل في الهجوم الإسرائيلي على القطاع في العام 2008، هنا إعادة قراءة وتعليق من رشيد الحجة الصحفي والكاتب الفلسطيني المقيم في أوبسالا – السويد، لكتاب صدر عن تجربة الطبيب في المساهمة التي قدمها للتقليل والتخفيف من ألام سكان غزة
الكومبس – مقالات: الطبيب النرويجي مادس غيلبرت كان أول من لبى نداء الواجب الإنساني وتوجه إلى قطاع غزة بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير والمتواصل على مدن وبلدات ومخيمات القطاع، تماما كما فعل في الهجوم الإسرائيلي على القطاع في العام 2008، هنا إعادة قراءة وتعليق من رشيد الحجة الصحفي والكاتب الفلسطيني المقيم في أوبسالا – السويد، لكتاب صدر عن تجربة الطبيب في المساهمة التي قدمها للتقليل والتخفيف من ألام سكان غزة
أربع عيون نرويجية بكت وشاهدت ومن ثم دونت ما عاشته، في كتاب بعنوان "عيون في غزة " مع خمس خرائط و121 صورة ومن 384 صفحة. صدر الكتاب في خريف 2010 باللغة النرويجية، والآن باللغة السويدية، وسيتم ترجمته في بريطانيا وفنلندا وإيطاليا والأردن.
يدون البروفسور الجراح إيريك فوسّه والبروفسور، أخصائي التخدير، مادس غيلبرت معرفتهم كشاهدي عيان لما حصل أثناء عملهما التطوعي في مشفى الشفاء في مدينة غزة منذ دخولهما ليلة رأس السنة لعام 2009، اليوم الرابع للعدوان الوحشي الإسرائيلي، وحتى اليوم العاشر من بداية عام 2010، حيث تم تبديلهم بفريق طبي نرويجي آخر.
وقبل الخوض في محتويات الكتاب لابد من ذكر بعض الملاحظات:
– لايمكن اختصار محتوى الكتاب، فكل جملة فيه ذات أهمية عالية، لذا فمن المفيد قراءة الكتاب بكامله، حيث من خلالها يعيش المرء الأحداث مع الأحاسيس المثيرة التي تجبر العين والقلب على البكاء، وتشحذ الهمم لمساعدة شعب أعزل محاصر في سجن كبير، يتعرض لإبادة جماعية بطرق متنوعة.
– الكتاب وثيقة ذات مصداقية عالية لطبيبين متطوعين، ولديهما خبرة تمتد لأكثر من ثلاثين عاما في مشافي الفلسطينيين في لبنان، ويعملان، على الأقل مرة كل عام، منذ عشر سنوات في مشافي قطاع غزة، ويمكن الإستفادة منه في الدعاوى القضائية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين والمطالبة بحقوق المتضررين والمنكوبين.
– لايمكن لمراجعة مكتوبة أن تعوض الصور الواردة في الكتاب والتي التقطها الطبيبان أثناء عملهما خلال 11 يوما في مشفى السفاء.
– يمكن فهم الكتاب من عدة محاور أهمها العسكري والسياسي والإجتماعي والطبي والإعلامي:
العسكري: يؤكد الكاتبان على أن الجيش الإسرائيلي لايتحلى بأي أخلاقيات إنسانية حيث أسخدم أحدث الأسلحة ومنها المحرمة، كالفوسفور الأبيض ضد المدنيين ومنازلهم والمؤسسات المدنية. وكان الجنود يطلقون النار أحيانا كثيرة بشكل مباشر وعلى بعد أمتار قليلة على المدنيين ومنهم الأطفال أو يهدمون البيوت على رؤوس سكانها، كما حصل مع عائلة السموني. وفي مثال آخر عايشاه شخصيا، حينما أطلق الجيش الإسرائيلي النار على قافلة الصليب الأحمر الدولي التي كانا يرافقانها لنقل الجرحى في يوم 8/1/2009 من قطاع غزة باتجاه مصر وأجبرت القافلة على العودة. ويذكر فوسّه وغيلبرت بأن الجيش الإسرائيلي قد ارتكب جرائم حرب عديدة، فكان مثلا يحث الناس على مغادرة بيوتهم لأنه سيقصفها في حين لم يكن لديهم إمكانية لذلك، فلا مهرب لهم، ومن توجه منهم إلى المدارس أو المساجد تم قصفهم هناك بالقنابل المحرمة وبأنواع الأسلحة البحرية والبرية والجوية. فالعسكري الإسرائيلي ينظر للإنسان الفلسطيني كما كان ينظر الإنسان الأبيض للهنود الحمر، وكما كان ينظر النازي لليهودي، ويشرع قتله.
السياسي: يعود الكاتبان للانتخابات الفلسطينية لعام 2006 والتي حصلت بشكل ديمقراطي شهد لها العالم وأسفرت نتائجها إلى مقاطعة عالمية لخيار الشعب الفلسطيني، وإلى بداية حصار كامل إسرائيلي على مليون ونصف المليون إنسان من بينهم الأطفال الذين يشكلون حوالي النصف، ومنهم أربعون ألف سيدة حامل وشيوخ.
وقد أدى الحصار إلى ارتفاع نسبة البطالة ونقص الغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء وأدوات البناء وإغلاق عدد من المشافي وغير ذلك. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات، ما كان يمكن تجنبه. كما قدم الطبيبان، وقد عملا في لجان أنصار فلسطين النرويجية لأكثر من ثلاثة عقود، شرحا مقتضبا للقضية الفلسطينية للقارئ الذي لايعرفها.
وفي إجابة للبروفسور غيلبرت على صحيفة الإكسبرس السويدية فيما إذا كان ممن يكرهون اليهود، وكيف يرى حل القضية الفلسطينية فأجاب: إني سأناضل مع الشعب السويدي إذا وقع تحت الإحتلال، وأنا أعادي الصهيونية وليس اليهودية، وعلى إسرائيل أن تعيد كل الأراضي التي احتلتها وأن تعيد اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم.
والإجتماعي: يصف الكاتبان الحياة اليومية للفلسطينيين من عادات وتقاليد أحباها كثيرا، تؤدي بمجملها للتضامن والتكافل ما بين الأقارب والجيران. وذكرا بأن المعايشة والشعور الجماعي تحت هذه الحياة القاسية يعطي السند والدعم النفسي للأطفال وغيرهم للتحمل والقدرة على الصمود وعدم الإستسلام الذي تسعى إليه إسرائيل.
الطبي: وأشد ما آلم الطبيبان هو عدم القدرة على معالجة جميع الجرحى وخاصة عند حدوث قصف عنيف يؤدي لسقوط وجرح أعداد كبيرة كيوم قصف مدرسة الإنروا، ما اضطرهم لفرز المرضى لإعطائهم أولويات في الدخول إلى غرف العمليات، والأجهزة، والأدوية المحدودة.
وكان من غير المفهوم لديهم كبف أن فرقا طبية مع تجهيزات ومشافي ميدانية عربية وعالمية وقفت على الحدود المصرية أياما عديدة ليسمح لها بالدخول، بعد تعقيدات بيروقراطية أو سياسية، في حين ازداد عداد الجرحى من ساعة لأخرى. ولم ينس الطبيبان ذكر ماقام به الجيش الإسرائيلي من منع سيارات الإسعاف، ولعدة أيام، من الوصول إلى أماكن الجرحى، حيث توفي بعضهم نزفا تحت أنقاض البيوت أو المساجد أو المدارس التي لجئوا إليها.
وقد علق غيلبرت أثناء مقابلة معه على القناة الأولى للتلفزيون السويدي يوم الجمعة الماضي في 12آذار/مارس، عندما تم وصفهم بالأبطال، فقال: إن الأبطال الحقيقيين هم أبناء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم الأطباء الذين شاركونا ليل نهار دون كلل أو ملل، مع ساعات نوم لاتتعدى 4 ساعات يوميا، وعلى مدى أيام الحرب الاثنان والعشرون، وأحيانا كانوا يعالجون ذويهم وجيرانهم الجرحى، في حين لم نداوم نحن هناك سوى أحد عشر يوما.
الإعلامي: لم يقتصر عمل الطبيبين على تخصصهما وإنما امتد ليلعبا دورا إعلاميا كبيرا وصل صداه إلى مجلس الأمن. وكانا إضافة لإجراء عدة عمليات جراجية معقدة يقومان بإجراء حوالي 20 مقابلة صحفية يوميا. ومما حز في نفس هذين الطبيبين أن الرأي العام الدولي لا يثق بما يقوله الإعلام العربي المتواجد هناك، كما يفعل تجاه الإعلام الإسرائيلي المخادع، في حين منعت إسرائيل الإعلام العالمي من دخول القطاع للإطلاع على واقع الحال. وقالا: إن وجودنا كطبيبين غربيين شاهدين على مايحصل أدى إلى وجود الثقة بما نقوله عبر الهاتف النقال والإنترنيت والقنوات العربية أيضا. وكانت أكثر الرسائل المشهورة والمؤثرة على الرأي العام الدولي هي الأولى التي أرسلها البروفسور غيلبرت على شكل إس إم إس يقول فيها: إنا نغرق في الدم، والأعضاء المبتورة.