من نلوم على نتيجة الانتخابات؟

: 9/17/22, 12:25 PM
Updated: 9/17/22, 12:25 PM
من نلوم على نتيجة الانتخابات؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: لا شك أن الانتخابات العامة الأخيرة في السويد كانت صاخبة وتميزت بنبرة حادة واتهامات متبادلة قبل وبعد إجرائها، إن كان بين الأحزاب أو بين الناخبين أنفسهم. رسمياً، فازت الكتلة اليمينية في انتخابات السويد. وأصبح أمام اليمينيين الآن فرصة العودة الى الحكم بعد ثماني سنوات من حكم اليساريين وتشكيل حكومة يُتوقع لها من قبل الكثير من المحللين أن تكون “ضعيفة” لصعوبة تمرير القرارات الحكومية في برلمان تتقارب فيه أعداد الكتلتين المتنافستين، مع إصرار من حزب اليمين المتطرف SD على التدخل في الحكم. وهنا لا يتبقى لنا إلا أن نسأل، من نلوم على نتيجة الإنتاجات والسماح لـ SD بالتأثير على سياسة الحكومة المقبلة؟

يقع اللوم الأكبر على فشل سياسات الأحزاب التقليدية السويدية في حل مشاكل البلاد من اقتصادية وأمنية واجتماعية. الوضع المالي المتأزم الذي بدأ مع تفشي جائحة كوفيد-19، ازداد بشكل خطير مع حرب أوكرانيا وما ترتب عليها من تداعيات أدت الى أزمة غلاء وتفشي في التضخم. ولم ينجح الحزب الحاكم في احتواء خوف المواطن على حاضره ومستقبله وسط كم من التصريحات الرسمية حول خطورة الأزمة، وأصعبها حينما نشرت صحيفة داغنس إندستري، قبل شهر من التصويت على الإنتخابات، توقعات خبراء في قطاع الكهرباء بارتفاع الأسعار الى حد أنه من الممكن لمالك فيلا في جنوب البلاد أن تصل فاتورته الى حوالي خمسين ألف كرون سويدي. هذا الخبر تم استغلاله بذكاء من قبل الأحزاب المعارضة اليمينية بخاصة الـSD، واعدين الناس بالعودة الى المفاعلات النووية لتوليد كهرباء أرخص، رغم أن من يرى تأثير التغير المناخي في السويد يدرك أن سياسة اليساريين في التحول إلى طاقة الرياح هي الانجع على المدى الطويل.

ورافقت المشاكل الاقتصادية، جرائم العصابات التي لم تنجح القوانين وتحديثات تشريعاتها في ردع المجرمين أو التخفيف من أعداد الجرائم. وأمام وعود اليساريين بإيجاد حلول في حكومة مقبلة، كان الحزم في وعود الـSD جذاباً أكثر للناخبين، ومتفوقاً على وعود اليمين المعتدل الذي حاول تبني سياسة الـSD في الجريمة والهجرة أملاً في جذب أصوات ناخبيه.

وطيلة الفترة السابقة، عانت السويد من مسألة اجتماعية كان لها تأثير كبير بين الناخبين الأجانب تحديداً، وهي قضية “سحب الأطفال من السوسيال”. هذه المسألة وما رافقها من شائعات لم تنجح الأحزاب التقليدية في احتوائها مما أبقاها راسخة في الأذهان. وتم استغلالها هذه المرة ليس من قبل اليمين المتطرف، لكن من قبل حزب نيانس، الذي يعرّف نفسه بـ”نصير الأقليات” ومنها المسلمة، ما جعله جذاباً لفئة من الناخبين الأجانب الذين كانوا يبحثون عمن يرفع معهم قضية “سحب الاطفال”. هذه القضية ساهمت بشكل رئيسي في نقل أصوات اليساريين الى نيانس، وكانت مثالاً آخر على إخفاقهم في التعاطي مع قضايا تخص الأجانب. ولا نغفل عن حقيقة أن هناك بعض الأجانب في السويد ممن يمكن بسهولة التاثير على عواطفهم واستغلال عدم معرفتهم ببعض الأمور لغايات سياسية. ويستحضرني كمثال ما قالته لي بالأمس صديقة كانت جالسة وسط مجموعة من الأجانب في مدينة يوتبوري، حيث صوتوا لنيانس بسبب خوفهم من حزب “السوسيال” (الحزب الاشتراكي الديمقراطي باللغة السويدية) على اعتبار أن “السوسيال” يسحب أطفالهم. أي أنهم يعتقدون أن حزب “السوسيال” هو نفسه “السوسيال” (الخدمات الاجتماعية).

وعودة إلى فوضى التجاذب في اللوم واللوم المضاد، نرى أن الفارق الضئيل بين الكتلة اليمينية واليسارية فتح نوعاً ما باباً آخر من إلقاء اللوم على الناخبين الأجانب من أجانب أمثالهم ومن سويديين. هذا اللوم يعيد الى الأذهان ما جرى في فترة جائحة كورونا، عندما قالت جهات رسمية وإعلامية بان الأجانب ساهموا في نشر الوباء متغاضين عن حقيقة أن سياسة الأحزاب تجاه الأماكن المهمشة كانت أيضاً من المسببات. والان، تسلط بعض التقارير الإعلامية في الصحف السويدية الضوء على الناخبين الأجانب الذين أعطوا نسبة من أصواتهم لحزب نيانس، دون الإشارة الى أن هناك نسبة لا بأس بها أيضاً من أصوات الأجانب ذهبت لليمين المتطرف، معتبرة أن نسبة الأصوات التي كان من المفترض ذهابها الى اليساريين، هي التي أثرت على نتيجة الانتخابات وأدت الى فوز اليمين. والحقيقة هي أن النسبة الفارقة التي حصل عليها نيانس، لا تقارن بنسبة الـ20.7 بالمئة التي حصل عليها اليمين المتطرف والتي من الأولى لوم من صوت لهم وجعلهم ثاني أكبر الأحزاب السويدية.

وأمام واقع أن الأحزاب التقليدية التي تتعاقب على الحكم في السويد هي المسؤولة عن توجهات الناخبين وخياراتهم، ليس أمامها الآن إلا التوجه نحو التطوير الاقتصادي والاجتماعي وإيجاد حل لجريمة العصابات، لكي تمنع مزيد من التوجه نحو الأحزاب المتطرفة وغير العلمانية وغير التقليدية، مثل SD ونيانس وغيرهما، وتحد من سيطرتهم على المشهد السياسي داخل السويد. ومن المهم أن ندرك أن حصول تلك الأحزاب غير التقليدية على أصوات الناخبين لا يعني بالضرورة أنهم الأفضل، لكنه دليل على استياء الناس تجاه الحكومات والسياسات المتبعة لأحزاب الوسط من يسار ويمين.

ديما الحلوة

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.