المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – منبر: لعل أخطر ما يواجه المجتمع الآن، هو اختلاط الخطاب العنصري الغوغائي، الذي يتوجه إلى العواطف، ويستقدم الشعور الوطني بطرق رخيصة ومبتذلة وبعيدة عن العقل والواقع، مع الجهل والتسليم بحقيقة هذا الخطاب، من قبل ضحايا العنصرية أنفسهم.
والأدهى من ذلك، أن تقوم قوى من المجتمع بالتصدي للنزعات العنصرية، وتبذل كل ما بوسعها لوقف هذه الآفة، فيما بعض الضحايا المستهدفين، إما متفرجين ونيام عما يمكن أن يحصل لهم، أو يقفون على الجانب الآخر، وكأنهم يساعدون الجلاد على جلدهم والنيل منهم.
يحصل أنه وعندما يتم تناول ظاهرة عنصرية في المجتمع السويدي، أن يقف بعض الضحايا في الجهة الخاطئة، إلى جانب جلادهم، مثل ردود الفعل على الهجوم الذي تعرض له لاعب كرة القدم في المنتخب السويدي جيمي دورماز، وتحميله سبب هزيمة منتخب السويد أمام ألمانيا في 23 يونيو حزيران.
فبدل أن يقف الجميع مع الجهات السويدية التي تصدت لهذا الهجوم، وهي كثيرة وفاعلة نجد من يبرر للعنصريين عنصريتهم، من الضحايا أنفسهم ونشاهد تعليقات مثل: السويد لم تطلب منك المجيء والإقامة على أراضيها، أنت أتيت كمتسول، أو نرى تعليق آخر يقول: نحن أيضا عنصريون، فلا داع أن نلوم العنصرية ضدنا، أو كما يقول آخر: السويد أفضل من دول عربية أخرى فهل جربتم عنصرية أهل الخليج مثلا او حتى عنصرية الأردن؟ فَلَو جربتم لشكرتم ربكم ألف مرة على نعمة العيش خارج حدود الشرق كله.
لا نريد أن ندخل هذه التعليقات وأصحابها إلى أي عيادة نفسية، ولا نريد الاستعانة بأي محلل اجتماعي لكي نفهمها، فقط نريد التنبيه إلى منطق ينتشر للأسف بيننا نحن المهاجرين، منطق القبول بالخنوع والذل واختيار مرتبة أدنى من الآخرين للعيش في بلد يفتخر بالديمقراطية والحرية والمساواة بين البشر.
هؤلاءأصحاب هذه التعليقات، وأمثالهم من المنسجمين والمرحبين بالعنصرية مع أنهم أول ضحاياها، لا يضرون فقط أنفسهم أو أمثالهم من اللاجئين، بل هم يضرون المجتمع كله، ويمكن أن تمتد أضرارهم الى منجزات المجتمع وما حققته السويد خلال عقود من الكفاح لكي تصل إلى هذه المرحلة من التقدم والازدهار والرفاهية.
إذا كان هؤلاء الأشخاص لا يريدون أن ينعموا بنعمة وجودهم في مجتمع ديمقراطي حر، ولا يريدون لغيرهم هذه النعمة، فهم يساعدون بشكل أو بآخر على انتشار النزعات العنصرية والتي للأسف تعد الآن من أخطر ما يواجه المجتمع، إلى جانب خطر الإرهاب والجريمة المنظمة.
لاعب المنتخب السويدي الذي تعرض للعنصرية، ينتمي لعائلة مهاجرة من أصول سريانية مسيحية، وهذا ما يكشف عن الوجه الحقيقي للعنصرية، التي تريد كسب عواطف بعض الأقليات التي أتت من الشرق الأوسط، لكي تزيد من الفرقة بينهم، والتي تريد أن تظهر أن العداء هو فقط للإسلام والمسلمين، تماما كما كان عداء النازية لليهود واليهودية في السابق هو الواجهة، بينما الحقيقة هي احتقار كل القوميات والأثنيات الأخرى، لأن الفكر النازي لا يتغير حتى إذا غير أعدائه وهو فكر قائم على تصنيف البشر وفق أعراقهم وأشكالهم ولون بشرتهم وحتى وفق ميولهم والأمراض التي يعانون منها.
إنه فكر مريض ووباء فتاك يحتاج إلى جهود الجميع، وإلى وعي من الضحايا أنفسهم، على الأقل، وإقناعهم بالوقوف في الجهة الصحيحة جهة مواجهة الجلاد بدل تقديم الدعم له.
د. محمود صالح آغا
رئيس تحرير شبكة الكومبس الإعلامية