المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: كتب أحد الأصدقاء على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك متسائلا: هل يمكن اعتبار ما يكتبه البعض من شعر وأدب وحكم على الفيسبوك نوع من أنواع الأدب؟
ليكون هذا السؤال محور نقاش وتعليق كبيرين، وتفرعت الإجابات نحو مزيد من التساؤلات، منها ماذا لو أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء حيث لا وسائل اتصال إلا عن طريق البريد، وربما قبل ذلك وصولا إلى عصر الرسائل التي يحملها الفرسان إلى الملوك، أو عن طريق الحمام الزاجل.. إذا الخدمات الجليلة التي قدمتها ثورة الاتصالات هي نعمة بكل المقاييس.. بيد أنها في كثير من الأحيان تتحول إلى نقمة عندما تغيب الرقابة الذاتية.. حيث هناك إجماع في زمن الديمقراطية على عدم فرض قيود على خدمات الإنترنت، ولكن ماذا لو تحولت مواقع التواصل إلى سبب للفراق والخصومة بدل أن تكون وسيلة للتواصل؟!
ولأن العالم اليوم لا يستطيع العيش دون وسائل الاتصال الحديثة، وبذات الوقت فرض قيود أو حدود على تلك المواقع يندرج في إطار التعدي على الحريات الفردية، إذا ما العمل كي لا تتحول إلى منابر لبث الكراهية وربما العنصرية، وأحيانا كثيرة تصل حدود الجريمة.
إذا هي الرقابة الذاتية وهي تنضج وتكبر عندما يفكر الإنسان بموضوعية، وذلك من خلال التدقيق بنتائج كل كلمة يكتبها ومدى انعكاسها على شركائه في صفحته، فكل صفحة تضم كما كبيرا من الأصدقاء هم بمثابة جمعية، وهذه الجمعية تضم العائلة وتضم الأطفال أحيانا أو غالبا، والكلمة عندما تقال هنا لن يقرأها الشخص الذي عنيته بالذات، بل سوف يقرأها كل أعضاء الجمعية بمن فيهم الأطفال، إذا هنا لدينا مسؤولية تربوية، ومسؤولية اجتماعية وإعلامية، تشبه تماما تلك المسؤولية الموجودة لدى وسائل الإعلام، الصحف والتلفزيون والمواقع الإلكترونية، فهل تقبل أن يعرض على شاشة التلفاز في بيتك ما من شانه أن يعزز ثقافة الكراهية والعنصرية في نفوس أطفالك وأفراد أسرتك، إذا بهذا التدرج مطلوب منا أن ندرب أنفسنا على الرقابة الذاتية، فبمجرد إنشائك صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي تتحول إلى منبر إعلامي وأنت رئيس تحرير هذا المنبر، لن ينازعك أحد الصلاحية، ولكن لا تتخيل أن هناك رئيس تحرير لأي منبر إعلامي لا يضع ضوابط لوسيلته الإعلامية، فأنت منذ اللحظة مسؤول.
والحقيقة هناك العديد من الصفحات المشرقة التي تحولت بالفعل إلى وسائل إعلامية حقيقية، ومنابر للثقافة والفكر وخدمة الناس، وهناك العديد من الصفحات التي أصبحت تنافس وكالات الأنباء في مهمة السبق الصحفي، ونقل الأخبار العاجلة في العديد من الأماكن، ولكن أيضا يجب التعاطي بحذر مع الأخبار التي تنقل عبر صفحات التواصل الاجتماعي الفردية، وحتى في التعاطي مع وكالات الأنباء التي تخضع للمساءلة وربما تحرص على سمعتها وتحاول توخي الحذر في نقل الأخبار بدقة، تعلمنا كإعلاميين أننا لا نأخذ مباشرة الخبر قبل التمحيص والتدقيق والبحث عن مصادر أخرى للخبر، فكيف إذا نسلم مباشرة بخبر ورد على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي ونحدد موقف منه ونسارع إلى التعليق، ليتضح بعد حين أن الخبر عار عن الصحة، هنا تورطنا في رأي عن خبر غير موجود، وهذا يمكن أن يقلل من مكانتك ومصداقيتك بين أفراد الجمعية الذين يشاركونك صفحتك، والأمر أحيانا لا يتوقف عند أفراد جمعيتك فهذه الشبكة العنكبوتية منفتحة على بعضها البعض فعبر مشاركة هنا وتعليق هناك سيقرأ ما تكتب آلاف الناس، إذا الرقابة الذاتية دونها سمعتك ومكانتك بين الناس وأفراد المجتمع.
صفحتك على مواقع التواصل الاجتماعي هي منبر إعلامي وهي كتاب، فاختر لأهلك وأصدقائك منبرا يكون شعاره الإنسان أولا، وأجعله خال من العبارات المسفة والتحريض على الكراهية والبغضاء، فأنت سيد الموقف وبإمكانك تجاهل كل الاستفزازات والتصرف بحكمة ومسؤولية.. والمسؤولية لا تتعارض مع الحرية الفردية.