المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
لم يفهم العالم وقتها، أو لا يزال يجهل، لماذا تُقتل وزيرة سويدية شابة وسط متجر، وهي تتسوق مع صديقتها في وضح النهار! ولماذا يكون الجاني شخص مختل ويعاني من أزمات نفسية، تصادف وجوده ومعه سكين مطبخ كبيرة، مع وجود ضحيته، في نفس الوقت وفي عين المكان.
من السهل على أنصار اللجوء إلى “نظرية المؤامرة” تعليل السبب، من خلال الإجابة على هذه الأسئلة: ألم تكن هذه السياسية الواعدة، تشكل قلقا بل وخطرا على سياسة “البوليس الدولي” الأمريكية، وأعوانها في السويد وأوروبا، بعد إعلان “الحرب على الإرهاب” ؟ ألم تكن آنا ليند أول المنتقدين لتداعيات هذه الحرب المجنونة التي تجاوزت الحدود الجغرافية والسياسية والسيادية لعدة حكومات، رضخت وتغاضت عن انتهاكات تعرض لها مواطنين ورعايا تابعين لها؟ خير مثال على ذلك موقفها العلني من قصة المصريين المبعدين من السويد بطائرة أمريكية إلى القاهرة أثناء حكم مبارك.
ألم تلهم مواقف هذه المرأة الشابة كل المدافعين عن قضايا الحرية والعدالة الدولية في العالم؟ خاصة عندما انتقدت بوضوح وعدم مواربة سياسة الاستيطان والقمع والتنكيل التي تمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
أنصار نظرية المؤامرة، يعتقدون جازمين بأن أسباب مقتل آنا ليند العام 2003 هي نفسها اسباب مقتل أولف بالمه العام 1986 الفرق الوحيد أن الجاني المنفذ في الجريمة الأولى لا يزال حرا طليقا، بينما يقبع منفذ الجريمة الثانية الصربي ميجيلو ميجيلوفيتش في السجن يقضي عقوبته لمدى الحياة ويتلقى علاجا نفسيا، أنصار نظرية المؤامرة يبررون تفسرياتهم بمواقف الشخصيتين المناصرة للحرية وحقوق الإنسان، في العالم وبطبيعة الحال في بلادهما السويد.
في بلد مثل السويد، تغلب عادة الواقعية على العواطف، من الصعب أن تجد أغلبية مؤيدة لاستنتاجات مبنية على افتراض “المؤامرة” المدبرة مسبقا. أغلب الناس، هنا اقتنعت بأن الصدفة هي من جمعت بين شخص مريض نفسيا ويعاني من أزمات وبين شخصية سياسية مرموقة، في نفس الزمان والمكان، وأن هذا الشخص المتسلح دائما بسكين في سترته، تلقى امرا داخليا، بالهجوم وقتل ضحيته المعروفة له من خلال وسائل الإعلام.
ليس فقط العاطفيين من دول خارج السويد، هم من تبنى رواية القتل المنظم للوزيرة السويدية، بل أيضا هناك من يعتقد بقوة ما يطلق عليه “المحافل الخفية” وهي عادة قوى منظمة غير علنية، تخطط وتنفذ ما تراه مناسبا لحماية مصالحها العليا، ويدعي أصحاب هذه النظرية أن السويد تمتلك مثل هذا “المحفل” أو “الجيش السري” والذي يمنع وصول غير المرغوب بهم إلى المراكز الحساسة في الحكومة وقيادات الدولة، خاصة أن ليند كانت المرشح الأقوى لرئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي وبالتالي رئاسة الوزراء السويدية.
رواية “النظرية الواقعية” التي تبنتها الحكومة وحتى المجتمع السويدي، مقابل “نظرية المؤامرة” التي لا تزال باقية في أذهان العديدين، تبدو أنها هي الأقرب إلى التصديق لانها دعمت بتحقيقات وتدقيقات مطولة من قبل الشرطة ودوائر الأمن السويدية، والتي لم تجد أية ارتباطات للمنفذ الصربي بأي جهة منظمة، إلى جانب تأكيدات طبية تشخص حالة القاتل النفسية، والتي تظهر قابلية قيامه بجرائم قتل مماثلة.
ومهما تكن أسباب مقتل آنا ليند، تبقى هذه الشخصية، وبعد عشر سنوات على رحيلها، مثالا للإنسان قبل أن تكون علما للسياسة، لأنه وببساطة كانت تمارس السياسة من منطلق الحرص على الإنسان وقيمته، ليس في بلادها وحسب، بل في كل أنحاء العالم.
اليوم يتذكر العالم هذه الشخصية السياسية الإنسانية من خلال مواقف التضامن مع المظلومين وقضاياهم في كل العالم، من خلال دفاعها عن حقوق المرأة، والدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام، يتذكر العالم إمراة نحيلة، لكنها تملك شجاعة نادرة، شجاعة الحق والمنطق والإنسانية.
نبذة عن حياة أنا ليند
د. محمود صالح آغا