المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس: انتهت العطلة الصيفية وبدأ التلاميذ والطلاب مشوار عام دراسي جديد، قسم من هؤلاء التلاميذ سيجلسون على مقاعد صفوف الدارس السويدية للمرة الأولى، بيئة محلية جديدة عليهم ومناهج قد تكون مغايرة لما يتوقعه أهاليهم، والأصعب من كل ذلك اللغة الغريبة على لسانهم وآذانهم والتي يجب أن يتعاملون بها مع أقرانهم ومعلميهم.
الحكومة السويدية وحسب ما أكده د. العيد بو عكاز أستاذ العلوم التربوية في جامعة مالمو، تولي اهتماماً كبيراً لتسهيل انخراط التلاميذ الجدد بالمدارس السويدية، وقد خصصت موارد كبيرة لهذه الغاية، منها ما وضع من أجل البحث في الاجتهاد بين الطرق المختلفة ووضع دراسات مسبقة لتنفيذ خطط واقعية ومجدية. ومع أن الدول تجتهد فلا بد أيضا للعائلات وأهالي التلاميذ من أن تساعد في هذا الجهد أيضا، كما يوضح المقال التالي للأستاذ بو عكاز:
تحديات اندماج التلاميذ الجدد بالمدارس السويدية
تواجه المدارس في السويد والعاملين بها من معلمين وطواقم إدارية أخرى تحديات كبرى في مجاراة ومتابعة العديد من التغيرات التي تحدث في العالم اليوم، ولان المدرسة لا تعيش بعزلة عن هذه التغيرات كان لا بد من أن تلائم نفسها لكي تستطيع وضع كل مقومات نجاح العملية التعلمية للطلاب، خاصة بما يتعلق بالوافدين الجدد وذو الاصول الأجنبية.
موضوع تأهيل القادمين الجدد ودمجهم في العملية التعليمية السويدية كان ولا يزال محل نقاش في الاوساط العلمية والتربوية لإيجاد أفضل المناهج والطرق التي تحقق هذه المهمة وبالتالي نجاح هؤلاء التلاميذ في الاستفادة مثل غيرهم من التلاميذ مما تقدمه المدارس السويدية. ونستطيع ان نلخص هذه التحديات التي عادة ما تناقش في الاوساط التعليمية في الجامعات ومراكز التكوين بما يلي:
تحديات تربوية (بيداغوجية) تتعلق بتعليم اللغة السويدية: وتتمثل في ايجاد انجح الطرق والمناهج لتدريس هذه اللغة، وكذلك عميلة جرد وإحصاء المعارف لدى الطالب الوافد الجديد الى السويد” Kartläggning av nyanlända elevers kunskaper”. وقد قامت الحكومة السويدية خلال هذه السنة بإصدار قوانين جديد تخص عملية جرد واحصاء المعارف لدى التلاميذ الوافدين الجدد والتي تم اختصارها في ثلاث مراحل: الاولى وهي معلومات عامة عن خلفية الطالب المدرسية وعن اللغات التي يستعملها. المرحلة الثانية وهي عبارة عن اجراء بعض الامتحانات في اللغة والرياضات لمعرفة مستوى الطفل بهذه المواد. اما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي عملية جمع معلومات عن الطالب في مختلف المواد وعددها 15 مادة. ونشير الى أن هذه المراحل الثلاث اجبارية لكل المدارس في السويد. وتعتبر عملية جمع المعلومات عن الطالب الجديد من أكبر التحديات التي تواجه المدرسة السويدية رغم ان السويد وصلت الى مراحل متقدمة مقارنة مع دول كثيرة في العالم. إضافة إلى ان استعمال مصطلح الطالب الوافد الجديدnyanländ elev تنتهي صلاحيته بعد أربع سنوات من تواجد الطالب على أرض السويد، وفي مدرسة سويدية حسب تعريف مديرية شؤون المدارس”skolveket
تحديات تنظيم دمج التلاميذ الوافدين الجدد في المدارس. هناك ثلاث نماذج معمول بها في السويد وتقريبا في كل العالم لإدماج هذه الشريحة من التلاميذ في المدارس. النموذج الأول وهو الادماج المباشرdirekt integrering i klassen داخل الصفوف حيث يبدأ الطالب في الدراسة في صفه العادي بعد عملية تسجيله وتكوين فكرة عن معارفه من خلال عملية إحصاء المعارف الموضوعة من قبل الدولة. وهنا يكون التحدي كيف لطالب لا يتقن فهم اللغة كتابة ولفظا ان يجاري أقرانه الذين مر عليهم زمن في السويد او ولدوا فيها. هنا تجدر الاشارة إلى ان استعمال نموذج الاندماج المباشر يجبر المدرسة على أخد التدابير الكاملة في مساعدة الطالب بلغته الأم حتى يلتحق بركب اقرانه داخل الصف ويستوجب على أولياء التلاميذ متابعة عمل المدرسة والحاحهم على تقديم مساعدات من شأنها تقوية الجانب اللغوي للطالب. اما النموذج الثاني فهو ما يسمى بالصفوف التحضرية förbredelseklasser وهو نموذج يتم فيه وضع الطالب في صف تحضيري مع مجموعة من التلاميذ الوافدين الجدد ومنها يتم إدماجهم في الصفوف بشكل تدريجي وحسب المواد كأن يتم إعطاء الفرصة للطالب المشاركة في حصص الرياضة والمواد التطبيقية مثل الخياطة وصناعة الخشب ومادة الاقتصاد المنزلي.
ويعتبر هذا النموذج من انجح النماذج إذا استغل بشكل جيد وصحيح حسب ما وصلت اليه الأبحاث. اما النموذج الأخير وهو إقامة مدارس خاصة معزولة عن المدارس الأخرى للطالب الوافدين الجدد Mottagningsskolan وهو ما قامت به بلدية مالمو حين انشأت مدرسة’ Mosaikskolan” “التي تقوم على مبدأ عزل التلاميذ عن المدارس التي سيلتحقون بها فيما بعد، وكانت هناك العديد من الانتقادات في الوسط العلمي لإنشاء هذه المدرسة والتي اضطرت البلدية الى تغيير سياستها بعد اصدار الدولة لقانون يمنع انشاء مثل هذه المدارس وجعلها مراكز استقبال بينما يوزع التلاميذ على المدارس في حد لا يتجاوز الشهرين.
تحديات الاندماج الثقافي والاجتماعي ويتمثل هذا التحدي في مسؤولية المدرسة والعاملين بها على تقوية التنشئة الاجتماعية والديمقراطية للطالب، وهي عملية خلق نشاطات يمنح الطالب من خلالها قدر من المعلومات النظرية والتطبيقية لتسهيل عملية اندماجه في المجتمع السويدي وممارسة حقوقه وواجباته كمواطن في بلد ديمقراطي.
ويجدر بالذكر ان تعريف الاندماج هنا، يعني المشاركة وممارسة حقوق وواجبات المواطنة التي يجب على كل وافد جديد معرفتها. ويعتبر هذا من أكبر التحديات التي تواجه الاسرة التعلمية في السويد وهذا يعود الى عدم وجود منهج وخطة موحدة لدى المدارس للعمل من أجل إعطاء الطالب الوافد الجديد آليات وأساليب التي يسهل من خلالها فك شفرات المجتمع الثقافية والاجتماعية. وتلعب الخلفية التي أتى منها الطفل ومدى استعداده لقبول الأخر دورا كبيرا في عملية اندماجه في الوسط المدرسي وفي المجتمع.
علما ان عمل المدرسة في مجال ادماج التلاميذ يواجه خطر تنامي العنصرية في المجتمع، العنصرية التي ترى في الوافد الجديد عبئا وحملا ثقيل على كاهل المجتمع السويدي. فجهود المدرسة في تزويد الطالب بمعلومات حول المساواة والديمقراطية وحقوق المواطن قد يواجهها واقعا اخر خارج أبواب المدرسة مما تخلق الشعور بالازدواجية في المعايير من قبل التلاميذ.
الأوساط العلمية تؤكد ضرورة احترام ثقافة الطفل الأصلية وان الوافد الجديد يحمل معه إرثا ثقافيا عرقيا ودينيا يجب ان يحترم ويأخذ بعين الاعتبار
وموضوع الهوية يبقى حاضرا وشائكا في نفس الوقت. فالأوساط العلمية تؤكد ضرورة احترام ثقافة الطفل الأصلية وان الوافد الجديد يحمل معه إرثا ثقافيا عرقيا ودينيا يجب ان يحترم ويأخذ بعين الاعتبار في عملية الاندماج الثقافي والاجتماعي. فكيف تواجه المدارس هذا التحدي لإعطاء كل طالب فرصة المحافظة على أجزاء ضرورية من هويته واكتساب ما يمكنه بالاندماج في المجتمع السويدي المختلف الثقافات والاعراق والديانات. ويجدر بنا الذكر هنا بان المدرسة تعمل في ظل ظروف عالمية يسودها الحديث عن تنامي العنصرية والإرهاب والتي أصبحت من الأشياء التي تستطيع المدرسة ان تتغاضى عنها والتي تؤثر في عميلة الاندماج الثقافي والاجتماعي.
هذا باختصار اهم ما يواجه المدرسة من تحديات فيما يخص استقبال وادماج التلاميذ الوافدين الجدد، والتي تتمثل في عملية تأهيل الطالب وتزويده بالمعارف الضرورية والتنشئة الاجتماعية والديمقراطية التي تدخل تحت ظل مظلة الاندماج.
تحدي اشراك أولياء أمور التلاميذ في تسهيل الاندماج في المدارس السويدية
من المفيد ان لا ننسى أن المدارس تواجه كذلك تحدي اشراك أولياء أمور التلاميذ وتزويدهم بالمعلومات الضرورية حتى يتسنى لهم فهم قوانين المدرسة ومتابعة العملية التعليمية لأبنائهم.
ولأولياء الأمور دور كبير وفعال في العملية التعليمية لهم حقوق كثيرة، كحق اختيار المدرسة ومطالبة المدرسة بكل المعلومات التي تخص ابناءهم بشكل دائم. إلى جانب ما يوجهه التلاميذ ذوو الاحتياجات الخاصة من صعوبات أخرى وخاصة الطلاب ذوو الإعاقات غير المرئية كالتوحد” autism” أو ADHD” وهو اضطراب يسبب نقص في الانتباه مع زيادة في قوة النشاط لدى الطفل. وكذلك عُسر القراءة ” الدسلكسيا” Dyslexi أو ما يعبر عنه باضطراب عمى الحروف عندما لا يرى الطالب كل حروف الكلمة.
ففي ظل ما تطرقت اليه في هذا المقال نجد ان المدرسة من معلمين واداريين يواجهون مهمات صعبة في استقبال الطلاب الوافدين الجدد وقد تختلف نوعية تنظيم استقبال وتعليم التلاميذ من مدينة الى أخرى ولكن تبقى هناك قوانين يجب على كل المدارس العمل بها وعلى أولياء الأمور متابعة العملية التعلمية لا بناءهم في ظل هذه التحديات.
د. العيد بو عكاز أستاذ التربية بجامعة مالمو