نجحت الصين وأخفقت الولايات المتحدة

: 6/6/23, 12:26 PM
Updated: 6/6/23, 12:26 PM
نجحت الصين وأخفقت الولايات المتحدة

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: لا يبدو أن الصين تريد زعامة العالم بقدر ما تريد المشاركة في نظام عالمي جديد، لا توجد فيه هيمنة من الولايات المتحدة ولا حتى الصين. بلدان عديدة استفاقت على هذه الحقيقة وبدأت تعتاد على نظام عالمي متعدد الأقطاب تصبح فيه أقوى وأكثر استقلالية تساهم في مسرحه دون الهيمنة الصينية أو الأمريكية. نتيجة هذه الصحوة كانت المصالحة السعودية الإيرانية وغيرها. لكن كيف نجحت الصين وأخفقت الولايات المتحدة؟

ما يحدث هو أن قدرة الولايات المتحدة على ممارسة الهيمنة أحادية القطب تتضاءل. تلك الهيمنة استمرت حوالي 50 عام سبقها 500 عام من التفوق الأوروبي عندما كانت بريطانيا هي الإمبراطورية المهيمنة. ومنذ أن دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية في عام 1941، تولت زعامة العالم الى جانب الاتحاد السوفيتي الذي انهار عام 1991. وعند انتهاء الحرب الباردة أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة وتفوقت سياسيا واقتصاديا وعسكريا على العالم. التدخلات الامريكية الدولية كانت في كثير من الأحيان عدوانية سببت عدم استقرار داخلي وخارجي، وهذا بناء على تقرير نشرته الواشنطن بوست في عددها الصادر يوم 23 ديسمبر من عام 2016. بينما في المقابل، تعلمت الصين من التجربة الأمريكية متفادية خطأ الأخيرة الاستراتيجي القائم على اعتماد الديمقراطية في الداخل والديكتاتورية في الخارج، وقدمت سياسة عكسية. الانفتاح الصيني على العالم يلاقي يدا ممدودة حتى من الدول الديمقراطية والحليفة للولايات المتحدة على الرغم من تاريخ الصين في السياسات غير الليبرالية وانتهاكات حقوق الانسان.

الوساطة السياسية أنهت الأولوية الاقتصادية للصين

النقلة النوعية التي فرضت الصين شريكة للولايات المتحدة في زعامة العالم، هي عندما قامت بكين بخلع عباءة حكر مكانتها الكبيرة في المجال الاقتصادي، ودخلت الدول من باب التأثير السياسي.

بالنسبة للقوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، يوفر النظام العالمي متعدد الأقطاب فرصة لفك القيود المفروضة من الولايات المتحدة، وإمكانية صمود في وجه سياستها المتعالية في المنطقة. تلك السياسة كانت سببا من أسباب انعدام الأمن بعد أن سعت لفرض هيمنتها العسكرية عبر حروب في العراق وأفغانستان وتدخلاتها بحكومات دول أخرى. وعندما اختارت الرياض تطبيع العلاقات مع طهران، العدو اللدود لواشنطن، كان من الصعب أن نفهم كيف اختارت المملكة العربية السعودية السير في الاتجاه المعاكس ووقف ربط أمنها بالولايات المتحدة. بيد أن الدلائل بدأت عند قيام المملكة بانتهاج سياسة نفطية تتعارض مع رغبة واشنطن ولم تقم حتى بإبلاغ الاخيرة بالوساطة مع بكين حتى الانتهاء من صفقة المصالحة. ما جرى كان طعنة للولايات المتحدة وهي تراقب التغيير في النظام العالمي وظهور الصين كوسيط دولي يفضله حتى حلفائها.

علاقة الصين الجيدة مع كل دول منطقة الشرق الأوسط منحتها ميزة على الولايات المتحدة التي اختارت عدم التحدث مع بعض الأنظمة، كإيران وسوريا، وإبقاء أخرى تحت سيطرتها، كالسعودية ومصر. يضاف اليها ان جميع قادة الأنظمة في المنطقة يفضلون التعامل مع قوة عظمى ليس لديها إملاءات في سير الانتخابات أو تدخلات في مجال حقوق الإنسان.

والى جانب نجاحها في ذوبان الجليد بين القوتين المتنافستين على شكل الإسلام السياسي، الرياض وطهران، تسعى الصين لتعزيز دورها كوسيط عالمي بين القوى المتحاربة أيضا. ومؤخرا، تبذل الصين جهدا لتخفيف التوتر بين روسيا وأوكرانيا، متصدرة دورا دبلوماسيا غير مسبوق أنهى رسميا حصر أولوياتها السابقة في الملفات الاقتصادية.

دوليا، لم تكن السعودية أول حليف يتحدى واشنطن، بل سبقتها الهند عندما اختارت تجاهل استراتيجية الولايات المتحدة تجاه العقوبات على روسيا واستمرت في تعاونها التجاري والاقتصادي مع موسكو.

أما في أوروبا، فكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من تجرأ على تحدي الولايات المتحدة عندما زار الصين مصرحا بأن ما يشهده العالم هو نظام جديد من “التعددية القطبية” وأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتصرف وفقًا لهذا الواقع. بالنسبة للأوروبيين، تغير السياسة الامريكية مع تغير ادارتها يؤثر سلبا على أمن القارة الاوروبية. ولا شك أن إمكانية تولي رئيس جديد كالرئيس ترامب في ظل حرب روسيا على أوكرانيا سيؤدي الى كارثة تريد أوروبا تجنبها ببناء استراتيجية لا تعتمد على الولايات المتحدة.

العولمة تقضي على تفوق الولايات المتحدة عسكريا مالياً واقتصادياً

العديد من بلدان العالم تستفيد من العولمة والتكنولوجيا لتزاحم الولايات المتحدة عسكريا. لا تزال الولايات المتحدة تملك أقوى جيش في العالم. لكن الدول أصبحت تستثمر أكثر في القدرة الدفاعية وتنتج أسلحة تنافس فيها المعدات الامريكية بعد الطفرة في صناعة الاسلحة. وفي المجال المالي، لا يزال الدولار هو الرئد لكنه يفقد قوته مع تزايد الحديث في دول الجنوب العالمي حول إنشاء أنظمة تجارية جديدة بعيدة عن الدولار. ومع نجاح مشروع الصين “الحزام والطريق”، استفردت بكين في منافسة الولايات المتحدة اقتصاديا، ما جعل تأثيرها هائلا في مواجهة عالم أحادي القطب.

تعدد الأقطاب تطور لا رجعة فيه

من حيث المبدأ، يُنظر الى توزيع القوة في النظام العالمي كتطور لا رجعة فيه. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الأقوى في العالم، إلا أن غالبية دول العالم ترحب بالنظام الجديد الأكثر استقرارا والذي لا يتيح للولايات المتحدة العودة الى انتهاك الهيكل المتعدد الأقطاب. وللحفاظ على النظام الجديد لا بد من بعض التنازلات للصين بشكل خاص، وهو ما نراه في بعض الأمثلة:

– إعلان ماكرون أن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يدعم استقلال تايوان، الأمر الذي اعتُبر خروج عن وحدة موقف الكتلة المتفق عليه بشأن الصين، والذي يقضي بمواصلة تطوير التعاون والتبادل مع تايوان في إطار مبدأ الصين الواحدة.

– قبول روسيا عرضا صينيا بشراء النفط والغاز بأسعار مخفضة ما يعزز نفوذ بكين الجيوسياسي على حساب موقف بوتين الضعيف بعد توقف تجارته مع الاتحاد الأوروبي، والتي كانت أهم عنصر في النمو الاقتصادي الروسي.

– خروج السعودية عن “المظلة الأمنية” الامريكية وتوجهها الى الصين بعد أن اتضح للمملكة أن السلام الأمريكي ليس مستقرا. كانت الصدمة الأكبر عندما تقاعس الرئيس ترامب عن القيام بأي رد فعل على استهداف الطائرات الإيرانية لصناعة النفط في السعودية عام 2019. ولم يرغب ترامب ولا بايدن في إعطاء السعوديين ضمانات حماية في حال نشوب صراع مع إيران، ما دفع بالرياض الى التخلي عن المواجهة وبدء حوار برعاية صينية.

وبالنظر الى تاريخ الصين في انتهاكات حقوق الانسان وممارساتها غير الديمقراطية، يجعل من الصعوبة تجاهل المخاطر التي يتعرض لها عالم خاضع للسيطرة الصينية. هذا التاريخ يمنعها من تحقيق مكانة القوة العظمى في العالم دون منازع، لكن في الوقت نفسه، يجعل من السذاجة الاعتقاد أن أحدا يمكنه منعها من كتابة قواعد نظام عالمي تشارك فيه الولايات المتحدة الزعامة.

ديما الحلوة

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.