المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
مقالات الرأي: منذ أكثر من 50 عاما والشعوب الأوربية تتمحور افكارها حول كيفية ضم جميع دولها في اتحاد يمثل جميع شعوبها، ولعل في سنة 1989 كانت بداية جديدة وانطلاقة حقيقية لتحقيق هذه الأفكار على أرض الواقع، حينما تم فتح جدار برلين الذي كان يفصل بين الشعب الواحد، ليساهم ذلك في اسراع بناء الاتحاد، وفعلا في عام 1993 تم تأسيس ما يعرف الآن بـ (الاتحاد الأوروبي).
لم تجمع هذه الدول الديانة المذهب أو اللغة أو القومية الواحدة .. بل ما جمعهم كان اكبر من ذلك بكثير الإنسان أولا والمصير الواحد والحدود المشتركة .. وادراكهم من عبر التاريخ والتجارب الماضية التي خاضت فيها شعوبهم حروب واقتتال وأطماع كان من شأنها تدمير بلدانهم وضياع ثرواتهم وازهاق ارواحهم .. ما كان كل ذلك ليحدث لولا تشتتهم لدول ضعيفة وإن كانت قوية.
تمخض عن هذا الاتحاد، عملة واحدة، حدود مفتوحة، تبادل تجاري من اوسع ابوابه، تبادل أمني، والدفاع المشترك، لتتحول هذه الدول إلى دول آمنة مستقرة متطورة مزدهرة .. اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا ويكفي أن يتمنى جميع الشعوب الأخرى العيش فيه
في حين ومن الجانب الآخر المظلم حقيقة .. تشهد الدول العربية التي تجمعها حدودا مشتركة .. ويجمعها دين ولغة وقومية ونسب واحد .. الفقر والتخلف والضياع .. رغم ما تمتلكه هذه الدول من اراض شاسعة غنية بالثروات البشرية والطبيعية .. ناهيك عن امتلاكها للنفط “الذهب الأسود” الذي لا غنى عنه في الصناعات الحديثة .. للأسف مازالت هذه الشعوب تعيش تحت وطأة حكام وأنظمة رجعية جاهلة متخلفة .. لا تؤمن بتاتا بمستقبل دولها وشعوبها .. عملت طيلة حكمها على تثبيت ملكها غير مكترثة بما تتطلع إليه شعوبها في احترام حقوق الإنسان وتداول السلطة وفق معايير ديمقراطية حقيقية حالها حال تلك الدول الأخرى .. نعم .. لم تكن المواطنة الا ان تلفظ انفاسها الأخيرة .. وهذا ما جعل اغلب هذه الشعوب تنتفض من اول شرارة اسقط فيها نظام عربي ديكتاتوري .. محاولة منها في استرجاع كرامتها التي هدرت ودولها التي اختطفت.
لكن ما حدث بعد ذلك ..؟
الذي حدث كان مخيب لكل الآمال ..! حيث وقعت في دوامة اعتى واقسى عندما سلمت امرها بيد رجال الدين .. لتكون بداية لطريق طويل في نفق مظلم حيث الرجوع الى الخلف لآلاف السنين ..!! لتتحول هذه الشعوب الى كتل من الطوائف والديانات والقوميات المتناحرة فيما بينها .. حتى ان اصبح الاقتتال الطائفي المقيت امر واقع لا مفر منه ..؟!
مما استدعى ذلك الى قتل الأخ اخاه !! والشروع في تدمير كل ما له صلة في الروابط الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية .. وتفكيك المجتمع الواحد .. وبالتالي غياب الأمن والاستقرار حتى ان امست هذه الشعوب تتمنى الرجوع الى تلك الأنظمة الديكتاتورية بحثا عن مسميات للدولة بعدما انهار كل شيء على الاطلاق ..؟!!
لم تعتبر هذه الشعوب من ماضيها ولا حتى من ماضي الشعوب الأخرى وما مر عليها .. فكان ان تعيش في واقع جديد مر .. يفرض عليك ان تختبئ او تهاجر .. وما ذلك الا بسبب اسمك او لقبك على الهوية ..!! الذي يفضح انتماءك لدين او طائفة ما .. مما يعجل ذلك في حتفك ..؟!! او ان تذكر حزب او شخصية ما بسوء ليكون مصيرك في غياهب السجون او تحت المقصلة ..!!
هذا ليس بمشهد فكاهي .. او فيلم سينمائي من اخراج بوليوود الهندية .. بل هي وقائع وحقائق قد عشتها انا شخصيا في بلدي (الجديد) وغيري الالآف من مواطني الشعوب العربية الأخرى التي لازالت تئن وترزح تحت وطأة انظمة دينية او ديكتاتورية.
متى تدرك شعوبنا العربية ان لا بديل سوى ان يصبح لنا اتحاد قوي موحد يمثل الإنسان العربي بكل دياناته وطوائفة وقومياته ومعتقداته .. متى ندرك جميعا ان لا غنى عن الوطن ولا مساومة وان لا خيار لنا سوى التكاتف والتعاضد بوجه كل نظام يعمل على التخلف والتفرقة ونشر الفتن الطائفية .. متى نتعلم ان اللغة الواحدة لا تكفي دون لغة المحبة والتآخي والسلام ..الا يكفي ما لحق باوطاننا بسبب خضوعنا لرغبات غيرنا الشيطانية التي جعلت منا شعوب للسخرية والا كيف نفسر ما حدث مع عالم الاجتماع والباحث الكبير “علي الوردي” في امريكا عندما نشب نزاع عنيف بين المسلمين عن (علي) و(عمر) وكانت الاعصاب متوترة والضغائن منبوشة .. فسأله الامريكي عن علي وعمر هل يتنافسان عن الرئاسة عندهم كما تنافس ترومين و ديوي عندنا .. فأجابه انهم كانوا في الحجاز قبل 1300 سنة والنزاع الحالي عن ايهم احق بالخلافة .. فضحك الامريكي من هذا الجواب حتى كاد ان يستلقي على قفاه ويقول علي الوردي ضحكت معه ضحكا فيه معنى البكاء وشر البلية ما يضحك.
هذا واقعنا بين الشعوب الاخرى وهكذا هي نظرتهم الينا
متى نعمل على تصحيح تلك النظرة ؟ ليس لغيرنا فحسب .. بل مع انفسنا اذا ما كان كل عربي يعرف اننا جميعا اخوة ..؟
ويبقى السؤال متى جميعنا يدرك ذلك …..؟!!!!
عامر الخفاجة
مقالات الرأي تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الكومبس