المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي: يتابع اللاجئ مسيرته الصعبة، و القاسية، من لحظة خروجه من وطنه، إلى طريق اللجوء باحتمالين وحدين إما الموت أو البقاء حياً مع مخزون من الذكريات المؤلمة. بعد حصوله على الإقامة ينتقل بكل حمولته الثقيلة ، إلى مستوى أخر من العيش حاصلاً على الآمان الاقتصادي ،و الآمان الأمني ،متفرغاً لتدبر الحياة بتفاصيلها المعقدة ، معتمداً على معلومات شفهية و من غير مصادرها . ليراكم المزيد من المشاكل و الأخطاء ، لدرجة أن الحياة تستحيل عند البعض .
من طبيعة الشخصية العربية أنها تتغذى على الشائعات التي تتحول سريعاً إلى عقل جمعي ، يتحكم بسلوك و تفكير المجموعات اللاجئة . رغم وصول ألاجئون على شكل أفراد أو أسر صغيرة و متوسطة ، و رغم صرامة القوانين في السويد و مشكلة السكن استطاع عدد من اللاجئين الجدد التجمع على أساس مناطقي – ديني ( حمص ، درعا ، ريف دمشق ،حلب ) أما السوريين الغير عرب ( أشوريين ، سريان ، أكراد ) انضموا إلى تجمعات جاهزة مسبقاً بحكم الهجرة الأقدم . و أساس التجمع قديماً كان أم حديثاً هو الخوف من الأخر بفرض أنه متعال لا يرغب بمعرفتنا و التعامل معنا ، و بالضرورة هو لا يحب الأجانب – هيمنت شائعات لا تخلوا من الطرافة تقوم على أسطورة حاجة المجتمعات الأوربية لليد العاملة التي لا تعرف شيء عن الصناعة الحديثة ! أو أنهم يردون أوربة أولادنا – و إما على أساس خوفنا على عاداتنا و تقاليدنا و حمايتنا لها بالإنغلاق و التكتل و رفض الأخر بكل ما يحمله من قيم نحن أحوج ما نكون لها للخروج من تّيه التخلف الذي نعيد إنعاشة و تجديده كل جيل .
رغم أن أهم عناصر تخلفنا ( الطاعة ، الجهل ، التعصب ) هي من ألقت بنا في مجاهل اللجوء ، لكن الغريب إصرار العقل الجمعي لكل المجموعات غلى الحفاظ على هذه العناصر و تكريسها من جديد على أطراف المجتمعات الأوربية ، و صرف الكثير من الوقت و الجهد لإثبات خبث و سوء نّية الأخر لإستقباله اللاجئين . دون الشعور بأزمة ضمير تجاه المجتمعات المضيفة . و كون اللاجئ العربي قادم من وطن قائم على الإستبداد و حكم الأجهزة الأمنية ، يظن أن قرار الحكومة السويدية هبط من الحكومة بقرار صارم ، لا يدري أن هكذا قرارات تناقش أولاً في إطار المجتمع المدني ، الذي لا يعرف ما هو أصلاً و أن البرلمان يستطيع إسقاط أي قرار حكومي ، و منظما ت و جمعيات المجتمع المدني سواءً الممثلة في البرلمان أم لا لديها القدرة، و الأليات للضغط على البرلمان ، و الحكومة معاً .
بغض النظر عن القوانين التنفيذية التي تفرضها الحكومة ، لكن كل الأجانب الموجدين على الأراضي السويدية هم في ضيافة المجتمع السويدي و الذي لا يفصل نفسه كثيراً عن حكومته لأنها تمثلة ديمقراطياً ، و هو من يدفع الضرائب التي تخصص الحكومة جزء منها لإستقبال اللاجئين و إقامتهم مستفيدين من التعليم و الطبابة كأي سويدي .
فكرة المؤامرة المسيطرة على ثقافتنا تغلق منافذ الخلاص لعقولنا و أرواحنا ، و تقطع ، و تهشم ، و تقص خيوط الصلة مع الأخر ، الذي و إن قدم كل سبل الحياة لأساسية لكنه لا يستطيع أن يقدم سبل الفهم و الانفتاح من داخل ثقافته هو ، فهذه مسؤولية اللاجئ أن يقدم الجهد المطلوب لفهم الأخر . رغم أن السويد فرضت على من حصل على إقامة أن يتابع دروس عن المجتمع السويدي، لكنها لم توفق لركاكتها مضموناً و عرضاً ، و كأن من صمم هذه الدروس موظف مختص في الرحلات الكشفية للطلاب ، لا مختص بعلم الاجتماع السياسي و النفسي مثلاً ، لتعبر هذه المعلومات بلا طعم أو رائحة . دون إثارة أية أسئلة أو حوار ، بل يخرج البعض من هذه الدروس ليطهر نفسه من مسؤولية الاندماج .
و حتى لا نصاب بالتشاؤم لن يستطيع أحد طمأنة اللاجئ عن مستقبله و مستقبل أولاده سوى نفسه ، حين يطرح الأسئلة على نفسه و على الأخر الذي يحتاج أيضاً تطمينات حقيقية حول مدى فهم و احترام اللاجئ لثقافة المجتمع السويدي التي تقوم على قيم لا يمكن أن يضحي بها كرمى لعيون ثقافة أخرى أو شريعة تقوم على الموروث المقدس أكثر من الفهم المعاصر للحياة هذا الفهم الذي يخضع لرقابة مجتمعية صارمة لدرجة جلد الذات فحرية الرأي ، و احترام حقوق المرأة ، و الطفل، و القانون، و العمل . فهنا يبدوا القول أن الحديث عن التخلف و الجهل المكونان الأساسيان للثقافة العربية هو جلد للذات ، قول غير صحيح فلا دلائل حتى الآن أن شيء أيقظها من رقادها .
أسامة شاكر
نورشوبينغ – السويد
مقالات الرأي تعبر عن كتابها وليس بالضرورة عن الكومبس