هل السويد مصابة فعلاً بعمى الألوان؟

: 5/29/21, 11:20 AM
Updated: 5/29/21, 11:20 AM
هل السويد مصابة فعلاً بعمى الألوان؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

من الصفات العامة لشخصية أي سويدي هي حرصه على اختيار الكلمات المناسبة عند الحديث عن أمور حساسة قد تؤذي مشاعر الآخرين، ويزداد الحرص عندما يكون هذا الشخص مسؤولا أو يمثل جهة رسمية، ومن الأمور التي تعتبر حساسة إلى حد ما، المسائل التي تتعلق بلون بشرة الناس وخلفياتهم العرقية والثقافية.

قبل أيام أرسل لي مؤسس ومدير مؤسسة القرية الدولية The Global Village أحمد عبد الرحمن مقابلة أجراها مع صحيفة SvDبمناسبة إصدار المؤسسة تقريراً عن أوضاع الصوماليين في السويد، يقول أحمد وهو صديق عزيز ولد في الصومال ويعيش في السويد منذ عمر الـ 12 سنة “إن السويد وبحجة عدم الوقوع بأخطاء عنصرية تمارس نوعا من التمييز بحق المجموعات العرقية، فالخوف مثلاً من الحديث عن لون البشرة يحول دون تدريب المتخصصين في الرعاية الصحية بنفس القدر للكشف عن سرطان الجلد على الأجسام السوداء”.

وكأن أحمد يريد أن يقول للسويديين اعفونا من خجلكم الزائد وسموا من فضلكم المسميات بأسمائها

ويضيف أحمد عبد الرحمن: “أنا فخور بأن أكون سويدياً من ذوي البشرة السوداء، أصلي ولون بشرتي ملكاً لي”.
هنا وكأن أحمد يريد أن يقول للسويديين اعفونا من خجلكم الزائد وسموا من فضلكم المسميات بأسمائها، ولكن ساهموا أيضا بمكافحة أسباب ممارسة العنصرية غير الظاهرة، والأحكام المسبقة ضد غير الأوروبيين، وإزالة الحواجز التي يضعها مجتمع الأغلبية أمام بعض الأقليات، خاصة تلك الحواجز التي تمنع البعض من الوصول إلى سوق العمل ربما بسبب لون بشرتهم أو أسمائهم المختلفة.

لا تزال هناك نزعات عنصرية مخفية في المجتمع، خاصة في سوق العمل نزعات تؤدي إلى العزلة وبالتالي زيادة الفقر

التقرير الذي أصدرته مؤسسة القرية الدولية أظهر أن معدل البطالة بين الصوماليين في السويد مرتفع للغاية. في العام 2018 كان لدى أقل من نصف (48%) من تتراوح أعمارهم ما بين 20 و64 عاما وظيفة يذهبون إليها، في حين كانت نسبة من لديهم وظائف في نفس الفئة العمرية من بين جميع السويديين حوالي 80% .
التقرير يبين في المجمل نتائج قاتمة عن حالة العزلة والبطالة والاعتماد على المساعدات بين أفراد الصوماليين في السويد حتى أولئك الذين يعملون ولديهم أجور منخفضة، ويتمكن 4 من كل 10 أشخاص فقط إعالة أنفسهم، حيث يبلغ عدد أفراد الجالية الصومالية حوالي 110 آلاف شخص، وهم يشكلون نسبة تزيد عن 1% من سكان السويد أو ما يقارب عدد سكان مدينة متوسطة الحجم في السويد مثل هالمستاد، إسكيلستونا أو بوراس.

عدم الجرأة على الحديث عن الخلافات والمشاكل لمختلف مجموعات المهاجرين، لا يساعد على الإطلاق في إيجاد الحلول

المفارقة إذا أن بعض مؤسسات الدولة تمارس حذراً مبالغاً به بما يتعلق بخصوصية الانتماء العرقي والديني في التعامل مع المجموعات السكانية، ولكن وبنفس الوقت لا تزال هناك نزعات عنصرية مخفية في المجتمع، خاصة في سوق العمل نزعات تؤدي إلى العزلة، وبالتالي زيادة الفقر واحتمال جنوح المزيد من المراهقين نحو الجريمة، خاصة في المناطق التي يُطلق عليها الضواحي المعرضة للخطر مثل: Araby في Växjö و Hammarkullen في يتوبوري و Norrby في بوروس و Rinkeby في ستوكهولم وغيرها.

عدم الجرأة على الحديث عن الخلافات والمشاكل لمختلف مجموعات المهاجرين، لا يساعد على الإطلاق في إيجاد الحلول، لهذا السبب وغيره تقوم مؤسسة القرية الدولية بوضع دراسة بحثية تضمن مسحاً لظروف 6 مجموعات عرقية في السويد، 3 مجموعات من أفريقيا (الصومال وإريتريا وإثيوبيا) و3 من الشرق الأوسط (سوريا والعراق وإيران).
التقرير الأول صدر بعنوان “حقائق للتغيير: كيف تبدو الظروف المعيشية للصوماليين السويديين” وهو يتناول أوضاع الصوماليين السويديين. أما التقرير التالي، الذي سيصدر في غضون شهر، سيكون عن السوريين السويديين.

التقرير التالي، الذي سيصدر في غضون شهر، سيكون عن السوريين السويديين

يتخوف أحمد عبد الرحمن من الطريقة التي سيتم فيها تقبل ما ورد في الدراسة، متمنيا أن لا يعتبره البعض تقريراً مسيئا للصوماليين وموضع استفزاز لهم، لأن الحقائق يجب أن توضع أمام السياسيين، وخاصة أن التقرير أشار إلى أمور إيجابية عديدة وليس فقط ما يُعتبر سلبياً. حيث تناولت الدراسة: التعليم، ونتائج الدراسة، والاكتظاظ السكاني، والبطالة، وريادة الأعمال، والمعايير المالية ودرجة الاكتفاء الذاتي خلال الأعوام من 2013 و2018/2019 استناداً إلى معلومات من مكتب الإحصاء السويدي.
يعيش في السويد حالياً قرابة 2 مليون شخص من المولودين خارج السويد، يشمل هذا الرقم الجميع من الأوروبيين والأمريكان إلى الشرق أوسطيين والصوماليين وبقية الأفارقة، لذلك من الصعب أن تعامل السويد جميع هؤلاء ككتلة واحدة بدون النظر إلى خصوصية كل فئة من هذه المجموعة والبحث في الاختلافات وفي الظروف المعيشية، وهذا ما يعيق النظر إلى خصوصية المشاكل وكأنها مشاكل غير مرئية، حسب ما ورد في التقرير.

لذلك على السويد ولكي لا تخجل بطرح المشاكل كما هي، أن ترى كل أطياف اللون

السويد حالياً، ووفقاً لمعطيات التقرير تبدو كأنها تعاني من “عمى الألوان” لأنها ترى المشاكل كلها بلون واحد، ولا تستطيع تميز كل الأطياف والأسباب الحقيقية وراء تزايد العزلة والفقر والبطالة والفروقات بالدخل، وغيرها من الصعوبات التي تعاني منها هذه المجموعات، ودون أن تضع حلول جذرية لها، مثل تسهيل حصول الناس على وظائف بسيطة حتى تتمكن من تعلم اللغة السويدية في العمل ومساعدة سكان الضواحي على كسر عزلتهم الاجتماعية والاقتصادية

يقول أحد سكان هذه الضواحي: يريد البعض منا العيش في مكان آخر، لكننا نشعر أننا عالقون هنا، كأننا في سجن مفتوح، سجن بدون أسوار أو أقفال، ولكن ومع ذلك لا يمكننا مغادرته، فنحن لا نملك المال ولا شبكة تعارف ولا نستطيع حتى أن نحلم.
لذلك على السويد ولكي لا تخجل بطرح المشاكل كما هي، أن ترى كل أطياف اللون وتعرف الحقائق ولأننا كلنا السويد ونحن جزء منها ومن مجتمعنا، علينا أن نكافح معاً “عمى الألوان” ونؤكد أن السويد جميلة أكثر بتعدد ألوانها.

د. محمود أغا

رئيس تحرير مؤسسة الكومبس الإعلامية

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.