المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها السويد في السنوات الأخيرة، يُثار سؤال جوهري: هل هناك حاجة فعلية لتأسيس حزب جديد؟ من المهم بداية التأكيد على أن إنشاء حزب سياسي على أساس ديني أو عرقي ليس حلاً مناسباً أو مرغوباً في السياق السويدي، (الحزب المسيحي السويدي هو استثناء وليس قاعدة) بل إنه يتعارض مع مبادئ الدولة المدنية والديمقراطية التي تقوم على المساواة وحقوق الإنسان. غير أن السؤال الأوسع والأكثر أهمية هو: هل السويد، كمجتمع متعدد الثقافات والشرائح، بحاجة إلى حزب جديد؟ الجواب، من وجهة نظر واقعية، هو نعم.

لقد شهد المجتمع السويدي تراجعاً واضحاً في القيم الإنسانية والاجتماعية، وتزايداً مقلقاً في الخطاب الشعبوي، وهو ما انعكس على المناخ العام للسياسة والإعلام والخطاب المجتمعي. لم يعد بإمكان الأفراد من أصول مهاجرة أو حتى بعض المواطنين السويديين أنفسهم التعبير بحرية كما كانوا يفعلون قبل عقدين من الزمن. تبرز في هذا السياق تقارير متعددة توثق سياسات وممارسات تضيق على المهاجرين في مختلف جوانب حياتهم، بما في ذلك العمل، والإقامة، والتعليم، ما يؤدي إلى شعور عام بالإقصاء والتمييز.

من جهة أخرى، تفاقمت معاناة الفئات الضعيفة في المجتمع – سواء من أصول سويدية أو مهاجرة – بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت في عهد الحكومات الاشتراكية واستمرت بل وتعمقت في ظل الحكومات اليمينية. لقد بات واضحاً أن الأزمة لم تعد تخص فئة بعينها، بل أصبحت تمس شرائح واسعة من المجتمع السويدي. من هنا، تبرز الحاجة إلى حراك سياسي جديد يجمع المتضررين من هذه السياسات، ويوفر لهم منصة ديمقراطية وإنسانية للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم.

ورغم وجود مجموعات ضغط ولوبيات سياسية تسعى للتأثير في القرار السياسي، فإن فعاليتها تحتاج إلى سنوات طويلة لتؤتي ثمارها، فضلاً عن التباين الكبير في الخلفيات الدينية والمذهبية داخل الجاليات العربية والمسلمة، ما يصعّب توحيد الصفوف خلف قضية واحدة. ويمكن الاستشهاد بعدم استجابة الحكومة السويدية لمئات التظاهرات المؤيدة لرفع العدوان عن غزة كدليل على محدودية تأثير هذه الأنشطة في السياسات الرسمية.

تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 2.4 مليون شخص في السويد وُلدوا خارجها، وفي حال احتُسبت الأجيال الثانية والثالثة، فإن أكثر من 40 بالمئة من سكان البلاد هم من أصول أجنبية. وهذه الشريحة، رغم ضخامتها، لا تزال تعاني من التهميش والتمييز، بدرجات متفاوتة، ما يدفع بعض الأفراد إلى تغيير أسمائهم أو حتى ديانتهم في محاولة للاندماج أو الحصول على فرص متكافئة. وهذا الواقع المرير لا يمكن إنكاره، رغم الاعتراف بجوانب كثيرة إيجابية في المجتمع السويدي، الذي استقبل ملايين اللاجئين والمهاجرين ووفّر لهم الأمن والفرص.

إلا أن المشكلة تكمن في أن الخطاب الشعبوي قد نجح في توجيه الرأي العام ضد المهاجرين، عبر حملات منظمة تنشر أفكاراً مغلوطة وتعمم الصور النمطية، ما جعل من التحيز جزءاً لا يتجزأ من الثقافة اليومية لدى شرائح من المجتمع. وقد ساهم هذا في صعود التيارات اليمينية المتطرفة، وأبرزها حزب “الديمقراطيون السويديون”، الذي تأسس العام 1988 على خلفية عنصرية واضحة، بشعارات من قبيل “السويد للسويديين”.

ومن الجدير بالتأمل أن آخر حزب وصل إلى البرلمان السويدي تأسس منذ 37 عاماً، أي أن المشهد السياسي بقي جامداً نسبياً منذ ذلك الحين. ومع أن الأحزاب القائمة تمثل طيفاً واسعاً من المصالح (العمال، الفلاحين، الليبراليين، المسيحيين، البيئيين)، فإنه لم يتم تأسيس حزب يعبّر عن الفئات المتضررة من السياسات العنصرية، أو يعكس هموم المجتمعات متعددة الأصول من منظور إنساني شامل.

من هذا المنطلق، تبرز الحاجة إلى تأسيس حزب جديد مبني على قيم ديمقراطية وإنسانية، لا على أسس دينية أو عرقية، يكون هدفه الأساسي استعادة القيم الاجتماعية والإنسانية التي تراجعت في العقدين الأخيرين. ولا بد أن يتوفر لهذا المشروع قبول شعبي واسع، ويقوده أشخاص يمتلكون الكفاءة، والمصداقية، والخبرة السياسية، سواء كانوا من أصول مهاجرة أو سويدية.

التنوع ليس مجرد واقع ديموغرافي

كما ينبغي الابتعاد عن اتهام الأحزاب الناشئة، كحزب “نيانس”، بتقسيم الأصوات أو خدمة اليمين، ما دامت تعمل ضمن الأطر الديمقراطية. من غير المنصف أن تُمنح الأحزاب ذات التأسيس “السويدي” حق المحاولة والفشل، بينما تُحرم الأحزاب ذات التأسيس المهاجر من هذا الحق بذريعة التأثير على “الوحدة”. إن هذه النظرة تنم عن عقدة “الخواجا”، التي بات من الضروري التحرر منها، خصوصاً في ظل مساهمة أبناء المهاجرين في جميع قطاعات المجتمع، من الطب والتعليم إلى السياسة والصحافة.

لقد حان الوقت للاعتراف بأن التنوع السكاني في السويد ليس مجرد واقع ديموغرافي، بل هو طاقة اجتماعية وسياسية واقتصادية يجب أن تجد تمثيلًا عادلاً في الحياة السياسية. وإن أي مشروع حزبي جديد ينطلق من هذا الفهم العميق للتعددية والعدالة، ويعمل وفق القواعد الديمقراطية، سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء مجتمع أكثر إنصافاً وتماسكاً.

جمال الحاج

نائب مستقل في البرلمان السويدي