تهمة “النفاق” أصبحت تلاحق الحكومة السويدية الحالية بشكل صارخ الآن. الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير من أهم علامات هذا النفاق، خصوصاً بعد قضية ما بات يعرف بـ”فضيحة فورشيل” أو يوهان فورشيل، وزير الهجرة من حزب المحافظين (الموديرات).

بدأت القصة عندما نشرت منظمة إكسبو، المعنية بملاحقة نشاطات اليمين المتطرف، صوراً لمجموعة شباب يتدربون على الاشتباكات العنيفة وهم يرتدون أقنعة باللونين الأزرق والأصفر. هذه المجموعات، المعروفة بـ”الأندية النشطة” هي جزء من بيئة “القوة البيضاء” العنصرية، والتي تقوم بتجنيد المراهقين في المدارس وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

المفاجأة التي كشفتها منظمة إكسبو هي أن أحد هؤلاء الشباب قريب مقرب جداً من وزير في الحكومة الحالية. وكُشف لاحقاً أن هذا الشاب هو ابن وزير الهجرة يوهان فورشيل. والأدهى من ذلك أن ابن الوزير لم يكن مجرد ناشط عادي، بل حاول تجنيد شبان آخرين إلى بيئة هذه المنظمات المتطرفة.

بقيت الصحافة، ومنها الكومبس، تتحفظ على نشر التفاصيل ضمن ما يُعرف بأخلاقيات المهنة، لأن الشاب لا يزال تحت السن القانونية، ومن الممكن أن يؤثر ذلك على مستقبله. لكن، لأن الموضوع يتعلق بابن وزير، لم يعد هناك مجال للصمت وترك الوزير وابنه مجهولي الهوية. وتحت الضغط، خرج الوزير فورشيل عن صمته صباح الخميس الماضي ليعلن في برنامج Nyhetsmorgon على قناة TV4 “كوالد، أشعر بالصدمة والرعب”. وأوضح فورشيل أن ابنه نادم بشدة، وأنه أجرى معه محادثات طويلة وصعبة، لم تكن سهلة أبداً.

حتى الآن يمكن تفهم أو حتى التعاطف مع الوزير كأب مصدوم من سلوك ابنه، الذي كان يعمل في بيئة مليئة بالكراهية لحد العنصرية، وبشكل منظم. لكن، بالعودة إلى تصريحات وسلوك هذا الوزير بالذات، نرى أنه وقع في فخ تناقضات كبيرة، وأن إصراره على البقاء في منصبه كشف عما قد يُسمى تداعيات الفضيحة بفضائح أقبح منها.

إن فضيحة أن يكون ابن وزير الهجرة ضمن منظمات تنشر الكراهية ضد المهاجرين كشفت عما يسمى النفاق السياسي الذي تمارسه الحكومة الحالية. فالانجذاب إلى بيئة التطرف النازي لا يختلف كثيراً عن الانجذاب إلى بيئة العصابات الإجرامية. وكلنا يذكر كيف حاولت الحكومة، ولا تزال، وضع المسؤولية الكاملة عن انحراف الشباب إلى بيئة العصابات الإجرامية على عاتق الآباء والأمهات، وإلى إمكانية أخذ المراهقين المتطرفين من أسرهم، وطرد عائلات بأكملها من مساكنها إذا ارتكب الأطفال جرائم، وأن يُحاكم الأطفال الصغار كما لو كانوا بالغين. وعندما وقع الوزير في نفس ما يقع فيه آباء الشبان الآخرين، خفف لهجته إلى حد تغيير المواقف، حيث قال في مقابلته الأخيرة “مسؤولية الوالدين تتعلق بمحاولة القيام بما يستطيعون”.

هذا يعيدنا إلى مقترح “السلوك السيئ”، الذي من المتوقع أن يصبح قانوناً يسمح بسحب تصاريح الإقامة بناءً على أسباب هناك مخاوف من أن تكون تعسفية وغامضة. وكما نعلم، فإن الوزير فورشيل هو الوجه الإعلامي لهذا الاقتراح. عندما كان هذا الوزير يطل علينا شارحاً وموضحاً ما تنوي حكومة “تيدو” الوصول إليه من خلال هذا القانون، كان يكفي أن يُعتبر الشخص “غير ملتزم بأسلوب حياة حسن” أو أن “المولود في الخارج لا يلتزم بالقيم والسلوكيات السويدية الأساسية” ليواجه خطر الترحيل.

العديد يتساءلون الآن: هل مارس الوزير المراقبة والحزم على ابنه قبل أن يفرض شروطاً قاسية إلى حد التعسف على آباء الآخرين ويجعل كل ذلك ضمن إطار القانون؟

ماذا سيحدث الآن؟

فورشيل أكد أنه يخطط للبقاء في منصبه كوزير. لكن من المتوقع أن يجد أولف كريسترشون صعوبة في الاحتفاظ به، كما سيجد حزب المحافظين صعوبات أخرى في الاستمرار بسياساته المتشددة تجاه العائلات التي تعاني من انحراف أبنائها، والتي تسعى الحكومة للتضييق عليها بشكل يقترب من العقاب الجماعي. أم أن الحكومة ستغير موقفها وتسعى إلى الإقرار بأن الآباء يمكن أن يفشلوا أحياناً، وأن الأطفال يستحقون فرصة ثانية للاندماج في المجتمع؟

السيناريو الآخر هو قيام الناخبين بمعاقبة حزب الموديرات بسبب ازدواجية المعايير الواضحة، في حال بقي الوزير فورشيل في منصبه. أو أن يخسر الحزب مؤيدين له لصالح أحزاب يمينية أخرى.

ليست لحظة للشماتة

في النهاية، نود أن نختم بما قاله الكاتب ماكس يلم في مقال نشره أمس في Dagens Nyheter “هذه ليست لحظة للشماتة. انحراف الشباب دائماً ما يكون مأسوياً. لكن ربما يمكن أن يؤدي هذا إلى حوار سياسي أفضل، يقوم على فهم أن الآباء ليسوا دائماً قادرين على تلبية كل المتطلبات، وأن الأطفال بحاجة إلى فرصة ثانية ودعم، لا إلى العقاب”.

فهل ستخفف هذه الحكومة من نبرة سياستها كما خفف الوزير من نبرة أقواله؟

محمود آغا