المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: في 27 سبتمبر 2022 نشرت على صفحة الكومبس مقالاً بعنوان: “كيف يخدم نيانس اليمين المتطرف” وأشرت في المقال بالتفصيل إلى المخاطر الواضحة التي يحملها الحزب على المجتمع وعلى الفئة التي يدعي تمثيلها، وكيف يساهم بصورة أو بأخرى في إيصال اليمين المتطرف إلى السلطة، سواء من خلال خطابه السياسي، أو من خلال تلك القضايا التي روج لها واستغلها في حملته الانتخابية.
في مطلع العام الجاري نشرت بالاشتراك مع الدكتورة رولا الحسيني الأستاذة في جامعة لوند بحثاً يتضمن تحليل خطاب حزب نيانس الإعلامي خلال تلك الحملة، وتوصل البحث إلى أن حزب نيانس هو الصوت المقابل لليمين المتطرف، من خلال استغلال القضايا السوسيوثقافية نفسها، وأن خطابه الإعلامي جرى بشكل متناغم مع خطاب حزب ديمقراطيي السويد (SD) من زوايا مختلفة.
اعتمدت الدراسة التي نشرت تحت عنوان Exploiting Sociocultural Issues in Election Campaign Discourse: The Case of Nyans in Sweden على تحليل منشورات الحزب في صفحاته على فيسبوك باللغة العربية واللغة السويدية للشهر الذي سبق الانتخابات، وشملت النصوص، والصور، والفيديوهات. واعتمدت التحليل النقدي للخطاب، وتوصلت إلى أن حزب نيانس اعتمد على قضايا سوسيوثقافية محددة، لاسيما تلك التي كانت تشكل محور القضايا المثيرة للجدل مثل قضايا حرق نسخ من المصحف، وما سمي بـ”خطف أطفال المسلمين”، إضافة إلى موضوعات الحجاب، والختان وغيرها. وتم تجاهل قضايا تهم عموم المهاجرين مثل العمل، والاندماج. وفي حين يدعي الحزب تمثيله للأقليات فإن الخطاب أظهر تحيزاً واضحاً لفئة معينة من مجتمع المهاجرين. كما أظهر التحليل أن خطاب نيانس هو جزء من خطاب اليمين المتطرف لكنه يرتكز على عقيدة مختلفة عن عقيدة اليمين السويدي المتطرف.
من الجوانب المثيرة للاهتمام في الدراسة أن الحزب يدعي تمثيل المهاجرين، ومع ذلك فإن الخطاب توجه بشكل مركز إلى انتقاد أحزاب تحالف اليسار، وتم تجاهل اليمين المتطرف بصورة عامة، مع أن أحزاب اليمين، هي التي تعمل على محاصرة المهاجرين وتخويفهم وتهديد مستقبلهم. لقد كثّف الخطاب هجومه على تحالف اليسار في اتساق متناغم مع خطاب اليمين المتطرف. الأمر الآخر هو أنه في حين كان حزب SD يبالغ في تخويف المجتمع من مخاطر المهاجرين المسلمين الذين يريدون غزو المجتمع بثقافتهم الأصولية، روج نيانس وانساق مع تلك الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أسهم بشكل مباشر في تشجيع الكثير من المنساقين وراء العاطفة إلى ترويج تلك الحملات عبر صفحاتهم، وهو ما قدم لـSD هدية مجانية يستشهد بها على صحة خطابه وبالتالي صحة توجهاته.
واحد من الأمثلة الواضحة التي تظهر خطورة الانقسام في البلد هو أن المناطق المعزولة التي صوتت فيها نسب كبيرة لنيانس، كانت محاطة بمناطق مختلفة صوتت بنسب كبيرة لـSD. وهذا يظهر بوضوح كيف يمكن لخطاب الحزبين أن يخدما بعضهما البعض من خلال هذه المعادلة.
الآن برزت إلى العلن فضيحة الذباب الالكتروني التي مارسها حزب ديمقراطيي السويد (SD) حيث تبين أن قسم الاتصال في الحزب أدار عشرات الحسابات المزورة على مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدم بعضها مضامين لحملات موجهة بأسماء عرب ومسلمين، وباستعمال تلك الحجج والشعارات نفسها التي استعملها نيانس ومن كان يدور في فلكه في حملة التضليل. بعد كل هذه الحقائق يبدو من الواضح وبما لا يدع مجالاً للشك بأن خطاب نيانس وبكل ما حمله من مضامين متسقة مع الحملات المضللة على الإنترنت خدم بشكل أو بآخر خطابات تم إنتاجها في معامل SD وبإخراج ذبابه الإلكتروني، ولكن يبقى السؤال مطروحاً: هل كان ذلك التماهي بوعي وإدراك أم مجرد تقاطع مصالح لتحقيق غايات سياسية؟
د. محمد المحفلي
باحث غير مقيم في جمعية دراسات الشرق الأوسط MESA