هل ستفرِّط الحكومة العراقية بقرار اليونسكو ؟

: 2/2/17, 9:01 AM
Updated: 2/2/17, 9:01 AM
هل ستفرِّط الحكومة العراقية بقرار اليونسكو ؟

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

مقالات الرأي: حقق مؤتمر منظمة الأمم المتحدة والعلوم والثقافة [UNESCO) الأخير في أسطنبول في تموز 2016 ، مكسباً أممياً للعراق بإدراج الأهوار والمواقع الاثارية العراقية على لائحة التراث العالمي، بيد ان الفرحة بهذا الحدث التاريخي لن تكتمل، كما يبدو، لأن القرار مهدد بالإلغاء ويمكن ان تذهب سدى الجهود العراقية التي بُذِلت لصدوره، وتتبخر معها الاَمال العريضة المبنية عليه، خاصة من قبل السكان الأصليين في المنطقة، والكرة الآن في ملعب المتنفذين في السلطة إن كانوا لا يريدون التفريط بقرار اليونسكو.

تحذيرات تمَّ تجاهلها

قبل الخوض في العوامل المهددة للقرار الأممي بالإلغاء، نتساءل:

– هل كانت الجهات الحكومية المعنية مدركة لأهمية هذا المكسب، كإعتراف دولي مهم، سيعود على العراق بالنفع الكبير من خلال وضع حماية الاهوار والمناطق الأثرية العراقية تحت الرعاية الدولية، ويضع الحكومة العراقية، في ذات الوقت، أمام التزامات كبيرة لتنفيذ ما تعهدت به دولياً أثناء المفاوضات، وان الالتزامات ليست سهلة التحقيق، وهي تشمل مجالات حيوية:إقتصادية- إجتماعية، بيئية، صحية ، تربوية / توعوية، تنموية / بنيوية..الخ..وان تحقيقها يتطلب حكومة جادة وحريصة وتعمل في ظروف طبيعية وليست استثنائية في ظل إنعدام الأمن والاستقرار وتصاعد الأعمال الإرهابية واستشراء الفساد الإداري والمالي في جميع مفاصل الدولة ؟

– وهل كانت الحكومة مستعدة حقاً وقادرة على تنفيذ كافة الالتزامات..أم أنها إرادته للدعاية؟!!

– وهل كانت عارفة جيداً بان مثل هذا القرار لمنظمة اليونسكو لا يُتركُ بدون رقابة أو متابعة، وإنما تتم بكل جدية مراجعة وتقييم ما يترتب عليه من التزامات من قبل الدولة المعنية، بعد مرور عام كامل على صدوره. وفي حالة حصول تلكؤ أو تقصير فإن المنظمة الدولية تعيد النظر بقرارها، وقد تلغيه ولن تمنح الدولة المعنية فرصة أخرى؟

وسواء أكانت مدركة وعارفة أم لا، فقد حذر رئيس ملف ادراج الاهوار والمواقع الأثرية في العراق د. حسن الجنابي، عقب صدور قرار اليونسكو بيومين، من إمكانية إزالة تلك المواقع من لائحة التراث العالمي وخسارة المكسب في حال عدم تطبيق برنامج إداري لإدارة المواقع المذكورة وفق المعايير الدولية. وأوضح ً بان عملية ادراج الاهوار والمناطق الأثرية، يفرض على الدولة التزامات كبيرة، اكثر من اي طرف اخر، للسير في تنفيذ الخطة التي قدمتها اللجنة المفاوضة الى منظمة اليونسكو بشأن وجود برنامج لإدارة تلك المناطق وفق المعايير الدولية. مشدداً على ان مسؤولية العراق اليوم تقع في الحفاظ على تلك الاهوار والمواقع، ضمن التصنيف العالمي الذي حصلت عليه.

ولم يكن هذا التحذير صادراً من فراغ، أو أنه بعيد عن الواقع العراقي السائد وسلوكيات الساسة المتنفذين في عراق اليوم. فها قد انقضت ستة أشهر تقريباً على صدور القرار، ولم نلمس تنفيذاً جدياً للالتزامات العراقية..

أين الخطط والبرامج والمشاريع ذات العلاقة ؟

مع ان رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بارك صدور القرار وثمنه، إلا ان حكومته لم تضع الالتزامات التي عليها ضمن أولويات مهامها، وربما تبرر ذلك بالأوضاع التي يعيشها العراق حالياً..

ولم نسمع أو نقرأ عن تشكيل لجنة وطنية عليا، ولا عن خطة وبرامج حكومية وشروع بتنفيذ مشاريع-كما يفترض. والمفارقة عدم اهتمام مؤسسات الدولة المعنية بما عليها ضمن تنفيذ التزامات العراق..

ولم نسمع أو نقرأ عن مشاريع مكرسة لمعالجة المشاكل التي تعانيها مناطق الأهوار، وهي: إنسانية واقتصادية وتربوية وبيئية وصحية، أبرزها الفقر وانعدام فرص العمل والأمية والجهل وانعدام خدمات التعليم والصحة والطاقة، وتعاني بيئياً من تذبذب مناسيب المياه ومن سموم التلوث البيئي بشتى صنوف الملوثات، بما فيها المخلفات الحربية، فضلاً عن ضعف الاهتمام بالثروة الحيوانية في تلك المناطق التي تشتهر بتربية الجاموس وصيد الأسماك والطيور، وغالباً ما يتعرض الجاموس والأغنام والبقر والطيور والبط والدجاج، إلى الأوبئة والأمراض في ظل إنعدام الخدمات البيطرية، ما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من هذه الثروة الحيوانية وإلى خسائر كبيرة لمربيها.

في هذا المضمار وجدنا خبر واحد يفيد بأن وزارة الموارد المائية باشرت مؤخراً “بتنفيذ خطتها في مجال إنعاش الأهوار من خلال إقامة 42 جزرة استيطانية لتوطين مربي الجاموس في الجبايش، وتنفيذ حملة واسعة لتطهير المنطقة من نبتة ” زهرة النيل”، فضلا عن رفدها بالكميات المتاحة من المياه “.. لكننا لم نجد لا تفاصيل ولا تأكيدات للتنفيذ. .

مواقف حكومية سلبية أخرى

إقتراناً بواقع الحال، وجهت المحافظات المعنية الإنتقادات لمواقف وزارات عراقية تهدد بإخراج الأهوار من لائحة التراث العالمي. وكررت مديرية مشاريع اهوار محافظة ذي قار التحذير من حصول ذلك “نتيجة عدم تنفيذ الوزارات المعنية التزاماتها المطلوبة تجاهها برغم مضي خمسة أشهر من مدة العام المحددة لذلك، لم تباشر حتى الآن بتنفيذ مفردات الخطط والالتزامات المطلوبة لاستكمال إجراءات مرحلة ما بعد ضم الأهوار للائحة التراث العالمي”، مشيرة إلى أن ” 5 أشهر انقضت من دون أن تبادر تلك الوزارات بالعمل في مشاريع تأهيل البنى التحتية وإقامة المجمعات السياحية أو تعبيد الطرق وتأمين الخدمات الصحية والبلدية والتربوية بالمنطقة ولم تستجب لمفاتحتها بهذا الصدد من قبل الحكومة المحلية “. وعبر المواطنون من سكان الأهوار( التي تشكل خمس مساحة محافظة ذي قار) عن الخيبة والإحباط نتيجة تلكؤ الوزارات والحكومات المحلية بتنفيذ وعودها التي قطعتها لتحسين واقع المنطقة وتأهيل بناها التحتية ودعم سكان الأهوار وتحسين أوضاعهم..

ولعل الإهمال الأبرز هو ان مجلس النواب العراقي لم يهتم بالقرار ومتطلبات تنفيذه، ولم يُشَرِع لليوم القانون المطلوب لحماية الأهوار والمواقع الأثرية ولتحسين وتطوير حياة سكانها.والنواب يعرفون بالتأكيد أهمية ذلك أمام اليونسكو..

ما المطلوب ؟

في ضوء تجارب تنفيذ القرارات المماثلة، فان المتوقع من قرار ادراج الاهوار على لائحة التراث العالمي، ان تنفذ الأمم المتحدة تعهدها، بمشاركة الدول الأعضاء، بحماية الأهوار والحفاظ عليها للأجيال المقبلة. وستحدد كمية المياه المطلوبة ليكون منسوب مياه الأهوار ثابتاً وتحت رقابة.لكن ذلك يتطلب اتفاقات دولية، تستلزم مفاوضات بين العراق وتركيا وإيران باعتبارهما دول المنبع للموارد المائية العراقية، ليست للأمم المتحدة سلطة عليها. ولليوم لم نسمع ببدء المفاوضات المكرسة لهذه المشكلة، ولم يحصل أي تغيير إيجابي في منسوب المياه من المنبع.

في ذات السياق،يفترض ان تخصص أموالٌ لمشاريع تنموية للسكان الأصليين ولإعادة السكان المهاجرين. وخلق فرص عمل لهم. وإيصال خدمات التعليم والصحة والطاقة للمنطقة.وضمن عملية تطوير المنطقة يتعين إنشاء مدارس ومراكز صحية وترفيهية وخدمية ومد شوارع ومراس. وتشجيع الاستثمار والاستفادة الاقتصادية منه..

وان تخصص أموال أخرى لتحويل مناطق الأهوار إلى مواقع سياحية يقصدها السياح من أنحاء العالم. والحكومة العراقية ملزمة بإخطار المنظمة الدولية عن أي مشروع صناعي او استخراجي او سياحي ستقوم به في تلك المناطق، وأخذ موافقتها.

قرأنا بان أهوار الناصرية شهدت إرتفاع أعداد السائحين رغم انها ما زالت تفتقر الى المرافق والبنى التحتية السياحية- كما صرح قائممقام قضاء الجبايش.وهذا يعني ان تحويل مناطق الأهوار الى سياحية لابد من تطويرها.وتطويرها يستوجب الدراسة العلمية والتخطيط وتوفير النفقات ،التي يجب ان توفرها الحكومة العراقية من مواردها الذاتية، وان اي عون دولي سوف يكون جزئيا- كما توضح المادة 25 من الاتفاقية، وسيكون مقتصرا على توفير الدراسات والتدريب- بحسب المحامي العراقي زهير جمعة المالكي، الذي إقترح عقب صدور القرار بيوم واحد، تشكيل لجنة مختصة لوضع دراسة شاملة وواقعية لما يمكن ان يتم توقعه من هذا الانجاز، وضرورة توفير البنى التحتية لهذه المناطق من اجل ديمومة بقائها ضمن قائمة المنظمة الدولية، وتخصيص الأموال اللازمة لذلك.فما الذي أنجزته الجهات العراقية من كل ذلك ؟

صحيح ان الحكومة العراقية مشغولة بمهمة مكافحة الإرهاب وتحرير الأنبار والفلوجة والآن تركز على تحرير الموصل من براثن الأوباش الدواعش.من جهة أخرى فان الفساد المالي والإداري ينهش في مؤسسات الدولة،ويتواصل نهب خزينة الدولة،حتى أصبحت مهددة بالإفلاس..الخ،وأصبحت التحديات التي تواجهها الحكومة كثيرة وشائكة وبالغة التعقيد..وكل هذا واقع يومي قائم..وقد لعب دوره في إعاقة تنفيذ إلتزامات العراق تجاه قرار اليونسكو، والمنظمة ملزمة، بموجب نظامها الداخلي، بمراجعة وتقييم ما تم إنجازه خلال العام المقرر..

مقترح عاجل

لقد مرت ستة شهور على إتخاذ القرار، ولم تنجز الجهات العراقية غالبية إلتزاماتها تجاه اليونسكو.وليس واضحاً كم ستنجز منها خلال الفترة المتبقية، ونشك بأنها ستنجز الكثير في ظل إستمرار الإرهاب وانعدام الأمن وهيمنة الفاسدين في السلطة وعجز خزينة الدولة.. من هنا نقترح على الحكومة العراقية، كي لا يخسر العراق مكسب الرعاية الدولية لأهواره ولمواقعه الآثارية، ان تتقدم بمذكرة الى منظمة اليونسكو تشرح فيها ملابسات عدم تنفيذ ما عليها، وترجو منها تمديد فترة المراجعة والتقييم لأكثر من سنة واحدة..فعسى ولعل ان تراعي المنظمة الدولية حجم التحديات التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر،وتمنحه، إستثناءاً، فترة أضافية كافية للإيفاء بإلتزاماته.

د. كاظم المقدادي

أكاديمي عراقي، مقيم في السويد

مقالات الرأي تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن الكومبس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon