هموم تسكن رؤوس بعض الآباء في السويد على بناتهم المراهقات

: 10/31/12, 5:56 PM
Updated: 10/31/12, 5:56 PM
هموم تسكن رؤوس بعض الآباء في السويد على بناتهم المراهقات

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – قضايا اجتماعية: عندما تتعرفُ على شخص شرقيّ مثلك في السويد يتكلمُ لغتك، قد تسأله ويسالك عن العائلة والأطفال، في مناسبات يكون فيها تبادل أطراف الحديث متاحا حول مواضيع تفرض نفسها أحيانا، وهذا ما حدث معي مؤخراً، عندما شكى لي “محدثي” عن متاعب وضريبة الغربة، التي يمكن أن ندفعها بعد أن تكون في البداية مجرد هروب من واقع وملهاة عنه.

علمانية أو ليبرالية محدثي المُفرطة والمخلوطة بتعدد الثقافات التي يحملها، كونه ولد في بلد وتعلم في بلد آخر و يعيش حاليا في منفى ثالث، جعلته يكسر في كلامه حاجز الكلفة بيننا ليقول لي مباشرة: “عندي ابنتين علاقي معهما علاقة صداقة، لأنني أدركت منذ البداية استحالة منعهما من ممارسة الجنس قبل الزواج، مثل السويديات الأخريات في سن معين. أنا استسلمت للواقع فقط، واخترت ألا أكون صداميا بل صديقا لهما، ولأتصالح مع نفسي من تناقضات قد تأثر على سلوك بناتي في ممارسة الكذب وازدواجية الشخصية….”

تعبير “ممارسة الجنس”: قالها (محدثي) بالعامية الفجة وتبعها بابتسامة لإعطاء هذا التصريح طابعا متهكما أو ساخرا

متحدثٌ آخر وفي مناسبة أخرى، أعرب أثناء مناسبة جمعتنا سويا، عن شعوره بالقلق، عندما أعلمني أن لديه ابنة تبلغ من العمر 14 عاماً، الشعور بالقلق ناجم عن تأثير المدرسة والمجتمع على سلوكها، خاصة عندما قالت له في سياق حديث معين إنها ستشتري أثاثا جميل لمنزلها عندما ترحل عن المنزل (flytta hemifrån) وتعيش وحدها. وأكثر ما فاجأ الأب أن ابنته قالت ذلك بعفوية وكأن رحيلها عن المنزل تحصيل حاصل

الأب بدأ يشعر بقلق شديد من تأثير المدرسة والمجتمع على سلوك ابنته، خاصة عندما قالت له في سياق حديث معين إنها ستشتري أثاثا جميل لمنزلها عندما ترحل عن المنزل وتعيش وحدها

أمثلة عديدة يمكن تذكرها وملاحظتها عن “هموم” و”هواجس” تدور في بال الأهل والآباء، على وجه التحديد، ممن ينتمون إلى عائلات عربية وهم يراقبون بقلق مرحلة دخول بناتهم سن المراهقة.

من هذه الهموم والهواجس، ما يتطور إلى إجبار الفتاة على الزواج من شاب أو رجل، وهذا ما يسمى “الإكراه على الزواج” وهو ما يحاسب عليه القانون في السويد ويمكن أن يكون أيضا عندما يجبر شاب على الزواج من فتاة ضمن صفقة عائلية، وعادة ما يكون الشريك المجهول والمفروض على الطرف الآخر، من نفس العائلة أو البلدة في الوطن الأصلي، ويمكن لهذه الهواجس أن تتحول إلى ممارسات عنف ضد الفتاة قد تنتهي نهاية مأساوية. كما يمكن أيضا أن تنتهي بتمرد معلن وواضح للفتاة ولجوئها إلى طلب “الحماية” من جهات مختصة.

ومع أن تربية الأطفال إجمالا مسؤولية كبيرة يتحملها الأهل بغض النظر إن كان الطفل ولد أو بنت، وإن كانت العائلة شرقية أم غربية، إلا أن الفشل والنجاح في هذه المهمة يتوقف على معايير نترك البحث فيها للخبراء، فنحن هنا نرى واجبنا كصحفيين يتطلب طرح المشكلة بصراحة ووضوح.

هناك تناقضات عجيبة وغريبة تحدث مع عائلات شرقية وعربية في التعامل مع ما هو “مسموح” و”ممنوع” عن أطفالها وخاصة الفتيات. بعض العائلات المصابة بما يمكن وصفه بعقد الحضارة الغربية، تعتقد أن التربية الغربية تعني السماح والتسامح مع كل رغبات الطفل والمراهق ولا يجوز الحد من حريته، وذلك خوفا من نعتهم بالـ “تخلف” وكأنهم متهمون بشكل دائم بهذه التهمة، فهم يحاولون إثبات اندماجهم في المجتمع وقربهم ومجاراتهم لنمط الحياة الأوروبية، وهنا تأتي النتائج كارثية طبعا على الأهل والأطفال.

ويمكن ملاحظة أيضا سلوك مشابه لعائلات استطاع اطفالها على صغر سنهم تخويفهم بقوانين يجهلها الأهل، وتحت تأثير الخوف من خسارة الأبناء لصالح “السوسيال” تصبح عملية الابتزاز واضحة بين الطفل أو المراهق وأهله غير المطلعين الحوار مع الطفل في معظم العائلات الناجحة في تربية الأطفال إن كانوا سويديين أو غير ذلك، يبدأ مبكرا، حول عدة مواضيع لها علاقة بالسلوك، من بينها المسألة الجنسية، إضافة إلى أن احترام الطفل واحترام شعوره واحترام عقله، من أهم ما تعتمد هذه العائلات في عملية تربية أبناءها.على حقائق المجتمع السويدي.

في المقابل هناك عائلات تفرط بالتشدد والحذر فتمنع كل شيء بدون مبررات مقنعة للطفل، وباستخدام العنف أحيانا لردعه و”تربيته” وهذا ما يجعل الطفل إما أن يتمرد عندما يكبر، أو أن يعيش في ازدواجية متناقضة بين البيت والمجتمع.

العديد من العائلات العربية والشرقية لا تقيم عادة علاقات صداقة أو تعارف قوية مع عائلات سويدية، لذلك لا يعرف بعضنا أن أغلب هذه العائلات السويدية لديها قوانين وتعليمات صارمة في تربية أطفالها. فليس صحيحا كما يعتقد البعض أن الأهل لا يملكون سلطة على أطفالهم. نلاحظ مثلا أن الأم أو الأب السويدي عندما يقول كلمة “لا” يعني NEJ بالسويدية لطفل من أطفاله يقولوها بحزم وهي تعني فعلا “لا” وهي كلمة رادعة وكافية. مع اظهار علامات حسم قوية على تعابير وجهه.

صحيح أن هناك فروقات كبيرة بين جوهر الثقافة الشرقية والغربية المتعلقة بسلوك الشباب والفتيات خاصة فيما يتعلق بحرية العلاقات الجنسية، مع أن هذه الحرية في المجتمعات الغربية لها أيضا محدداتها ومعايرها. فلا يوجد مجتمع بدون مقاييس “الخطأ” أو “العيب” أو “الخجل”

كما أن الحوار مع الطفل في معظم العائلات الناجحة في تربية الأطفال إن كانوا سويديين أو غير ذلك، يبدأ مبكرا، حول عدة مواضيع لها علاقة بالسلوك، من بينها المسألة الجنسية، إضافة إلى أن احترام الطفل واحترام شعوره واحترام عقله، من أهم ما تعتمد هذه العائلات في عملية تربية أبناءها.

صحيح أن هناك فروقات كبيرة بين جوهر الثقافة الشرقية والغربية المتعلقة بسلوك الشباب والفتيات خاصة فيما يتعلق بحرية العلاقات الجنسية، مع أن هذه الحرية في المجتمعات الغربية لها أيضا محدداتها ومعايرها. فلا يوجد مجتمع بدون مقاييس “الخطأ” أو “العيب” أو “الخجل”

في إحدى الندوات التي نظمها مهرجان مالمو الأفلام العربية في مكتبة جامعة مالمو، طلبت الممثلة المشهورة ليلى علوي من الجالية العربية التي حضرت الندوة، إعطاءها فكرة عن المشاكل التي تحدث بين الآباء والأبناء في المغترب من أجل دراسة احتمال معالجتها في السينما وطرحها ضمن أعمال فنية. إحدى الأمهات الحاضرات قالت: “المشكلة أن أولادنا وبناتنا لا يسمعون منا شيء ولا يحترموننا ولا يريدون أن يتحدثوا حتى معنا.”

من المؤكد أنه يمكن طمأنت السيدة العربية المقيمة في السويد، أن هذه المشكلة لا تخصها وحدها وليست حكرا فقط على المغتربين العرب والشرقيين في السويد أو غيرها من الدول، هذه المشكلة لا تقتصر أيضا على الأجانب في دولة مثل السويد، بل هناك أيضا عائلات سويدية تعاني من تمرد وانحراف أبنائها المراهقين

هناك تناقضات عجيبة وغريبة تحدث مع عائلات شرقية وعربية في التعامل مع ما هو “مسموح” و”ممنوع” عن أطفالها وخاصة الفتيات.

الوجه الظاهر والصارخ لمشكلة تعامل العائلات العربية والشرقية في السويد ودول المهجر الأخرى مع بناتها تحديدا، هو الفشل في إيجاد توافق بين عاداتنا الأصلية والأصيلة مع واقع إيجابيات المجتمع الذي نعيش فيه وهي إيجابيات كبيرة ورائعة إذا ما أحسنا استغلالها، بمعنى آخر وكما هو ملاحظ عندما يغيب دور المنزل قي تكميل دور المدرسة والمجتمع، ليصبح دور المجتمع المنزلي والعائلي الصغير، متناقضا ومتعارضا، ودون تبرير مقنع، مع ما يشاهده ويمارسه الطفل أو المراهق في المجتمع الأكبر في المدرسة أو بين الأصدقاء.

وهناك عائلات لا تتحدث مع أبنائها في المنزل بلغتهم الاصلية بل يعمدون إلى التحدث معهم بلغة سويدية مكسرة، وعندما يكبر الأطفال، لا يجد الآباء حتى لغة مريحة يمكن أن تعتمد كوسيلة تفاهم مع أبنائهم

الثقة والاحترام المتبادل والحوار البناء والمنطقي، بين الأبناء والآباء يمكن أن يمحي من ذهن الآباء الشرقيين التفكير فقط بأن البنت في المنزل هي “هم” من هموم العائلة أو أنها مشروع “فضيحة” محتملة

للتحدث معهم في مواضيع لها عمق معين.

الثقة والاحترام المتبادل والحوار البناء والمنطقي، بين الأبناء والآباء يمكن أن يمحي من ذهن الآباء الشرقيين التفكير فقط بأن البنت في المنزل هي “هم” من هموم العائلة أو أنها مشروع “فضيحة” محتملة، وعليه يجب مراقبتها وردعها والسعي أحيانا إلى تزويجها بسرعة. تغيير هذه النظرة المحدودة والظالمة يجعل الأب ينظر إلى ابنته على أنها أولا وأخيرا هي ابنته ويقع على عاتقه مسؤولية كبيرة اتجاه ذلك وهي ستبادله المحبة والاحترام ويمكن أن يعتمد عليها ويفتخر بها ويتعلم منها أيضا. ولا ننسى أن هناك عائلات عربية وشرقية عديدة قدمت أمثلة رائعة في تربية فتيات ناجحات في المجتمع السويدي، وكان للمنزل الدور الكبير في نجاح شابات وشبان من أصول مهاجرة.

رئيس تحرير شبكة الكومبس
د. محمود صالح آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon