المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: رُوي أن أحدهم جيء إليه بمضبطة ليوقّعها، فلما قرأ ما فيها وجدها مليئة بما لا يليق، فوضعها تحت حذائه وقال: “هيك مضبطة بدها هيك ختم!” مشهد بسيط في ظاهره، لكنه يحمل معنى عميقاً عن واقعنا نحن المسلمين في السويد اليوم.
لقد أصبحت العنصرية والخطابات اليمينية المتطرفة حديث الشارع والسياسة في هذا البلد، فالأحزاب اليمينية تزداد قوة، وتصدر قرارات تستهدف أحياناً الإسلام وأحياناً المسلمين. ومع كل ذلك، نجد أنفسنا نقف موقف المتفرج أكثر من الفاعل، نكتفي بالتذمر، ونُحمّل الآخرين مسؤولية أوضاعنا دون أن نسأل أنفسنا: ما الذي قدّمناه نحن؟
يقول الله تعالى: “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”. وهذه الآية تُلخّص كل شيء. فلا يمكن أن يتغير واقعنا ما لم نتغير نحن من الداخل: في وعينا، في سلوكنا، في مشاركتنا، وفي إحساسنا بالمسؤولية تجاه مستقبل أبنائنا ومجتمعنا.
لا يمكن أن نتجاهل أن أغلب من جاء إلى السويد قدم من بلدان عاشت طويلاً تحت حكم العسكر أو أنظمة دكتاتورية، حيث كان المواطن يُربّى على الخوف لا على المشاركة، وعلى الطاعة لا على المبادرة. كما يُقال “من تحت بسطار العسكر ؛ يعني حذاؤه”، أي أن الكلمة والقرار لم تكن بيده.
وكما قيل؛ “من ذاق عرف” — من ذاق طعم القهر والاستبداد يعرف كم يصعب التخلص من أثره في النفوس، حتى بعد الوصول إلى بلد ديمقراطي يتيح حرية الرأي والمشاركة.
لكن البقاء أسرى للماضي لا يصنع مستقبلًا. نحن اليوم في بلد يتيح لنا أن نقول كلمتنا، أن نصوّت، أن نشارك في الأحزاب، أن نؤثر في القوانين والسياسات، فلماذا نصرّ على الغياب؟
الرسول ﷺ قال “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.
وفي السويد، التغيير “باليد” يكون بوضع البطاقة في صندوق الانتخاب، وليس بالعنف أو التخريب. والتغيير “باللسان” يكون بالحوار والمشاركة في النقاشات العامة والإعلامية، لا بالانزواء أو الصمت.
مشاركة ضعيفة من أبناء الجالية
المؤسف أن الجمعيات والمراكز الإسلامية، رغم جهود بعضها، ما زالت تعاني من ضعف المشاركة والتفاعل من أبناء الجالية. والنتيجة أننا نترك الساحة فارغة، فيملؤها من لا يمثلنا ولا يعبّر عن صوتنا.
إذا بقينا سلبيين، فسوف نُحكم دوماً بمن يقصينا ولا يعيرنا اعتباراً. أما إذا حملنا همّ المشاركة والتأثير، فسيُسمع صوتنا وسنفرض احترامنا.
إن “المضبطة” التي نحملها اليوم — واقعنا، صورتنا، تمثيلنا، ومستقبل أولادنا — تحتاج إلى “ختم” من نوع آخر: ختم الوعي والمسؤولية، لا ختم الغضب واليأس.
هيك مضبطة بدها هيك ختم!
ختمنا اليوم هو أن نكون فاعلين، حاضرين، مؤثرين… لا غائبين عن مشهد صنع المستقبل.
سعيد عزّام
رئيس المجلس السويدي للإفتاء