المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
تماماً كما كنا نحذر في مقالات ومواد إعلامية سابقة، أثبت الواقع الآن أن السويد تتعرض فعلاً لهجمات، تستهدف إحداث انقسامات اجتماعية، هذا ما أعلنه وزير الداخلية السويدي قبل أيام، مؤكداً أن المعلومات المضللة والشائعات تشكل تهديداً أساسياً للديمقراطية السويدية.
هذه التصريحات جاءت مترافقة مع توصيات ناتجة عن تحقيق رسمي بإنشاء هيئة حكومية جديدة باسم “هيئة الدفاع النفسي” لتقود مهمة مواجهة المعلومات المضللة التي تستهدف السويد ومصالحها. وفق ما نقلت TT الثلاثاء 26 مايو 2020.
الحكومة السويدية لاحظت ورصدت خطر الشائعات والمعلومات المضللة على نظامها الديمقراطي، ومن المؤكد أنها تتابع ما تنشر وسائل إعلام مدارة من حكومات وجهات، يهمها أن تصنع الأكاذيب عن السويد، وسياساتها خاصة الآن في موجهة خطر أزمة كورونا. هذه الوسائل تغير الحقائق وتعتمد على أنصاف الحقائق، على منوال: “لا تقربوا الصلاة…” لخلق أسس خاطئة تبني عليها معلومات مفبركة.
للأسف تابعنا نحن الناطقين بالعربية عدة تقارير تلفزيونية على بعض الفضائيات تسير ضمن هذا السياق المضلل، البعيد كل البعد عن مهنية الصحافة وأخلاقها. والهدف هو إيهام المتابع في دول معينة بأن حكومات بلاده، مهما أخطأت فهي تقوم بعمل أفضل من دول أخرى والسويد مثالاً.
الخطر الأكبر للشائعة هو انتشارها الداخلي بين سكان البلد، عندما يتحول جزء من هؤلاء السكان إلى متابعين لوسائل الإعلام الخارجية، لتلقي أخبار ومعلومات عن بلدهم
المشكلة أن هذه المحطات ووسائل الإعلام، لا تعطي صورة مشوهة وسيئة للمتابعين خارج السويد فقط، بل للمقيمين في السويد أيضاً، وهنا يكمن الخطر الكبير.
إذاً الخطر الأكبر للشائعة هو انتشارها الداخلي بين سكان البلد، عندما يتحول جزء من هؤلاء السكان إلى متابعين لوسائل الإعلام الخارجية، لتلقي أخبار ومعلومات عن بلدهم، وعندما يصدقون ما يسمعونه من الفضائيات ولا يثقون بما تنشره وسائل الإعلام المحلية.
وهذا ما نراه على أرض الواقع وبشكل يومي، من تأثير مباشر وغير مباشر للشائعة على تفكير ومصداقية جزء من الناطقين بالعربية في السويد، وتزداد المأساة عندما تلتقي توجهات هؤلاء مع توجهات اليمين المتطرف والذي يريد إحداث شرخ بالمجتمع، وإظهار أن المولودين خارج السويد لا يمكنهم الاندماج إطلاقاً في المجتمع.
الآن قررت السويد أن تنشئ هذه الهيئة التي سيكون لها مهمة مواجهة الحرب النفسية ودعم المجتمع في الدفاع النفسي، عن طريق تحديد وتحليل أثر المعلومات المضللة والشائعات. كما ستدعم مؤسسات الإعلام في تحليل آثار المعلومات غير الصحيحة. وكانت الحكومة عينت المحقق أندش دانيلسون للخروج بتوصيات عن الهيئة المزمع إنشاؤها.
تتعرض السويد لهجمات من أنواع مختلفة، مثل الهجمات الإلكترونية ضد عمليات السلطات السويدية، والممثلين المنتخبين، والمنظمات، والشركات، والمحررين، والصحفيين، والباحثين، والمسؤولين
وقال دانيلسون، في مؤتمر صحفي مع وزير الداخلية ميكائيل دامبيري يوم 26 مايو، إن “الغرض من الدفاع النفسي حماية المجتمع المنفتح والديمقراطي، والتكوين الحر للرأي، وحرية السويد واستقلالها”.
ورأى أن هذه القيم تخضع لتأثير لا مبرر له من قبل قوة أجنبية بهدف خلق انقسامات، ما يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الثقة في الديمقراطية وتراجع نسبة إقبال الناخبين.
وتتعرض السويد لهجمات من أنواع مختلفة، مثل الهجمات الإلكترونية ضد عمليات السلطات السويدية، والممثلين المنتخبين، والمنظمات، والشركات، والمحررين، والصحفيين، والباحثين، والمسؤولين. وفقاً للمحقق.
وأكد دانيلسون أن السلطات والجهات الفاعلة الأخرى يجب أن تستمر في تحمل مسؤولياتها، مشيراً إلى أن الهيئة الجديدة المقترحة ليس لديها أي سلطة على الهيئات الأخرى بل سيكون دورها متناغماً معها.
وأوضح أن الهيئة ستتولى تعزيز استعداد المجتمع الشامل للدفاع النفسي في حالات السلم والحرب.
المعلومة أصبحت اليوم من أهم ما نحتاجه، نحن البشر، في حياتنا العادية، فبعد الطعام والماء والهواء، نحن بحاجة إلى المعلومة الموثوقةf
ورداً على سؤال عن طريقة معالجة الحملات الإعلامية المضللة، قال دانيلسون “أحياناً يتعلق الأمر بسلطات الأمن والشرطة. لكن في كثير من الأحيان لا يكون الأمر إجرامياً ويجب التعامل معه بالوسائل الديمقراطية التي نمتلكها. وقد نحتاج أحياناً إلى الاتصالات الدبلوماسية أو تقديم الروايات المضادة. يتعلق الأمر في نهاية المطاف بالحصول على صورة مختلفة عن تلك التي يريد المنافس خلقها”.
يمكن القول إن المعلومة أصبحت اليوم من أهم ما نحتاجه، نحن البشر، في حياتنا العادية، فبعد الطعام والماء والهواء، نحن بحاجة إلى المعلومة الموثوقة لكي ننجز أعمالنا وأن نتفاعل مع محيطنا، فنحن نستهلك عملياً كماً كبيراً من المعلومات التي ترشدنا إلى مواعيد وخطوط سير المواصلات، وحالة الطقس وأماكن وأوقات تتعلق بالخدمات الطبية والتعليمية والثقافية والترفيهية وشراء الاحتياجات والتواصل مع المؤسسات وغير ذلك.
وكلما تزايدت وتشابكات علاقات حياتنا العملية والعادية، ارتفعت وتيرة حاجتنا إلى “المعلومة النوعية” وهذا أدى بدوره لتحول المعلومة إلى سلعة، تتنافس الشركات على تقديمها لنا، إما مجاناً لرفع رصيدها من المتابعين أو بمقابل مادي، وكلما كانت هذه السلعة دقيقة وسهلة التناول والاتاحة، في المكان والزمان المناسبين، كانت قادرة أكثر على التنافس وجذب المستهلك.
ما يهمنا من كل ذلك، هو أن نضع دائماً أي خبر مع المعلومات التي وردت به، ضمن سياقه الطبيعي، أو أن نكون حذرين ممن يريد استخدام أي خبر لكي يعمم ويطلق الأحكام التي تدعم أجنداته وأفكاره الخاصة. ويبقى دورنا كمتلقين، هو الأهم في تقييم المعلومة أو الخبر ومعرفة مصدره والأهم من كل ذلك تحكيم المنطق لوضعه في سياقه الصحيح، وعدم اجتزائه. فليس كل ما يعجبنا هو خبر صحيح، وكل ما لا يعجبنا هو خبر سيئ.
د. محمود آغا
رئيس تحرير مؤسسة الكومبس الإعلامية