المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات رأي: قصص المهاجرين الى أوروبا لم تنته فصول مآسيها. وأحاول نشر بعض القصص من حين إلى آخر لإيصال رسالة مفادها أن هؤلاء المهاجرين ليسوا أعدادًا نتداولها في النشرات والصحف، بل إن وراءهم قصصًا وأسبابًا مختلفة دفعتهم إلى ترك بلادهم واللجوء إلى خيار الغربة.
من بين الرسائل التي تصلني، كانت تلك الرسالة الممزوجة بحسرة من زوج على أمل ضاع في الوصول الى اليونان وضاعت معه زوجته. ربما كانت قصته مشابهة للعديد من القصص المأساوية التي يرويها المهاجرون إلى أوروبا، والتي تثير فينا مشاعر الأسف قبل التفكير في كون مجيء هؤلاء المهاجرين إلى أوروبا صحيحا أم لا، لكن صور المحادثات بينه وبين زوجته دفعتني إلى نشرها ونشر قصته لأنها تستدعي الكثير من التساؤلات حول حقيقة ما يجري لهؤلاء المهاجرين وخاصة الذين انتهى بهم الحلم إلى قاع البحر.
وللإضاءة على ذاك اليوم الذي قررت فيه زوجته التوجه بمفردها من تركيا الى اليونان لتعمل بعد وصولها على لمّ شملهما لاحقا، فقد صعدت مع مجموعة من المهاجرين على متن قارب مكتظ من إحدى السواحل التركية. وبقيت تراسل زوجها وتوثق رحلتها عبر رسائل الواتساب إلى حين اقتربوا من المياه الاقليمية اليونانية. بعدها بقليل، أرسلت رسالة مفعمة بالأمل تخبره بتوجه قارب كبير إليهم يحمل العلم اليوناني باللون الأبيض والأزرق، في إيحاء بأن مستقلي القارب هم من خفر السواحل اليونانية والذين سيتولون إنقاذهم وجرهم إلى شواطئ إحدى الجزر اليونانية. لكن التواصل معها انقطع واختفت تماما عن الواتساب. أما هو، فقد بقي طوال الليل ينتظر أي خبر أو رسالة تطمئنه فيها عن وصولها بأمان الى أماكن الإقامة في البر الرئيسي لليونان. واستمر قلقه لأيام عديدة إلى أن رأى صورتها وسط صور لمهاجرين غارقين على غلاف احدى المواقع الإخبارية تحت عنوان “مهاجرون قضوا قبالة سواحل تركيا”.
لا يمكن التوصل في هكذا حالات إلى تفاصيل الحادث الذي أودى بحياتهم، لكن تقارير كثيرة تتداولها وسائل الاعلام عن تعامل خفر السواحل اليوناني بقسوة مع قوارب اللاجئين. ناهيك عن اتهام اليونان بما يسمـى “عمليات الصد”، وهي إجراءات يتم بموجبها إعادة المهاجرين قسرًا الى تركيا. وتعد هذه العملية غير قانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان. لكن التجاوزات لا تزال تحدث حتى بعد أن أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا في يونيو من السنة الفائتة تكشف فيه عن أدلة تدين اليونان بتعذيب اللاجئين والمهاجرين وردهم على أعقابهم الى تركيا بشكل غير قانوني.
نستشف تلك التجاوزات في رسالة من شاب سوري يدعى أحمد، أرسلها من مكان إقامته في احدى مخيمات اللجوء اليونانية، حيث وصف في بادئ الأمر، السفر بالقارب من تركيا الى اليونان برحلة الموت، وكتب: “لمدة ساعة ونصف، وهي المدة بين تركيا واليونان، تكون الرحلة هادئة. لكن عند الوصول الى الحدود اليونانية، يقوم خفر السواحل بايقاف المركب ونقل المهاجرين الى قوارب نفخ ليعملوا على سحبهم الى السواحل التركية من جديد”. ولأنه يجيد السباحة، لم يصعد أحمد الى قوارب النفخ وأكمل رحلته الى شواطئ اليونان.
هناك، على طول رصيف الميناء، تصطف قوارب المهاجرين، والتي بحسب الأقاويل، يقوم خفر السواحل ببيعها في المزاد لتوزع الأموال عليهم فيما بعد. إلا أن الأكيد هو أن المهاجر الذي يتمكن من الوصول إلى اليونان، يواجه معاملة سيئة من السلطات.
“أول ما وصلت الساحل، أخذت السلطات مني الهاتف لمدة 8 ساعات. قامت بمحو كل الصور والفيديوهات وجميع الملفات. ثم أرسلوني الى مخيمات اللاجئين. هناك تحاوطك الاوساخ من كل جانب ووجبات الطعام غير نظيفة وغير كافية. داخل بعض أماكن المخيمات، تصل المياه الى الركبة ويضعون كل أربعة أشخاص في غرفة صغيرة”. شرح أحمد الوضع مضيفًا بأن المهاجر يحصل على مبلغ 75 يورو شهريا ليتولى تدبير أموره.
عادة، المهاجرون الذين يصلون إلى اليونان، إما يطلبون اللجوء إليها وإما تبقى أعينهم على دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وفرنسا والسويد. ويبقى المهاجرون لشهور طويلة في مخيمات اللجوء، قد تمتد لسنوات، قبل أن يأتهم أي رد من الجهات المعنية حول البت بقضية لجوئهم.
وكتب أحمد أن المهاجرين في اليونان يشعرون بأن اليونانيين يتقصدون المماطلة في البت بقضاياهم إما بسبب حصول السلطات على أموال من جهات أوروبية مقابل الإبقاء عليهم في المخيمات وإما لاستغلال وجودهم ليكونوا عبرة لمن يفكر باللجوء الى أوروبا.
وصول أحمد إلى اليونان مرورًا بتركيا لم يكن سهلا، فهو اضطر إلى مغادرة بلده سوريا ليتجنب الالتحاق بالخدمة العسكرية، والتي حاليًا لا تشبه أي خدمة علم في أي بلد آخر بسبب ظروف الحرب وإجباره على أن يحارب أبناء بلده. لذلك ما أن لاحت له الفرصة لكي يغادر الى تركيا، حتى استغلها وبقي لفترة أشهر في مخيمات اللجوء على الحدود بين البلدين إلى أن استقل المركب الى اليونان على أمل العبور الى بلد أوروبي آخر ليؤمن حياة كريمة لم تستطع بلاده أن تؤمنها له.
لا يفكر المهاجرون بالعودة، ولا يبدو أن اللاجئين يرتدعون عن المخاطرة بحياتهم. هم يعيشون بين جحيم على أرض بلادهم أو رحلة بحر خلفها حلم العيش في أوروبا. وفي أسوأ الأحوال، هم ينقلون حتفهم من اليابسة الى قاع البحر.
ديما الحلوة