وضع اللوم على المهاجرين تنافس انتخابي رخيص

: 10/31/20, 12:23 PM
Updated: 10/31/20, 12:23 PM
د. محمود آغا تصوير حنا ورد
د. محمود آغا تصوير حنا ورد

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

من الواضح أن مزاج السويديين قد تغير نحو قضايا الهجرة واللجوء وحول العديد من القضايا المرتبطة بالقادمين الجدد والمولودين خارج السويد اجمالا وبمعنى أدق من القضايا المتعلقة بالاندماج.

هناك عوامل عديدة ساهمت في تغيير نظرة السويديين إلى هذه القضايا منها ما قد يكون واقعيا وطبيعيا لأن السويد الحالية في العام 2020 ليست السويد في الستينيات والسبعينيات، ولكن هناك أسباب أخرى مبالغ فيها ومفتعلة تصل إلى حد شيطنة كل ما هو أجنبي أي غير سويدي، لكسب ود الأغلبية وترسيخ الخطاب الشعبوي المتطرف والمعتمد على استدراج عواطف الناخبين وتحريك مشاعرهم القومية وتصوير اللاجئ الجديد وحتى القديم كغريب جاء فقط ليستفيد من نظام الرفاهية السويدية ويعيش عالة على السويدي الأشقر المنتمي إلى ثقافة أعلى من ثقافات الشعوب الأخرى.

هذا الخطاب الذي للأسف أصبح متداولاً بصور عدة في الآونة الأخيرة، يدعو إلى إعادة خلق تراتبية عنصرية في المجتمع، عن طريق تكريس هذه المفاهيم الخطيرة عن كل الأجانب في السويد، خاصة أصحاب الدخل المحدود، ممن لا يشعرون بالأمان الاجتماعي من جهة ويتعرضون للتهميش أكثر بسبب استخدامه هذه الأيام كموضوع انتخابي أو بالأحرى كمشكلة اجتماعية.

مقولة أن الأشخاص المولودون في الخارج يعملون أقل بكثير من المولودين في السويد، هو اعتقاد خاطئ

شهدنا بالأسابيع الماضية تسابقا بين عدة أحزاب على الإدلاء بتصريحات وتقديم مقترحات تحابي معظمها مزاج الناخبين غير الراضين عن سياسات الهجرة واللجوء والاندماج، والذين هجروا الأحزاب التقليدية العريقة ليضعوا ولائهم ويصبوا أصواتهم لصالح حزب ديمقراطيو السويد أو الـ SD الذي استخدم أسلوب الشعبوية في استدراج عواطف الناخبين.

ولكن الخطورة الآن هي في قيام أحزاب أخرى، من يمين وحتى يسار الطيف السياسي السويدي بخطوات مماثلة لاسترجاع شعبيتها المتدهورة، وقد تكون مواقف الاشتراكيين الأخيرة الظاهرة من خلال قانون الأجانب خير دليل على تأثر هذا الحزب المحسوب على اليسار بما حققه الخطاب اليميني المتطرف في الربط بين ظواهر الجريمة في الضواحي وارتفاع البطالة وفشل الاندماج إجمالا وبين سياسات الهجرة واللجوء ولم الشمل وغير ذلك.

هناك أسباب أخرى مبالغ فيها ومفتعلة تصل إلى حد شيطنة كل ما هو غير سويدي، لكسب ود الأغلبية وترسيخ الخطاب الشعبوي المتطرف

إلى جانب المواقف الأكثر تشددا لحزب الموديرات من قضايا تخص اللجوء والمهاجرين في السويد، ذهب حزب المسيحيين الديمقراطيين أبعد من ذلك، ففي كل مرة تتحفنا رئيسة هذا الحزب، إيبا بوش، بتصريحات تنال من المهاجرين واللاجئين وكأنهم هم المشكلة الوحيدة والرئيسة في حياة السويد والسويديين. فمرة تريد إلغاء تدريس اللغة الأم في المدارس، ومرة تتهم من هم من أصول غير سويدية بأنهم سبب استمرار الرفاهية السويدية في التآكل حسب وصفها، حيث قالت: “عندما تزداد نسبة الذين لا يعيلون أنفسهم، تستمر الرفاهية في التآكل”. في إشارة إلى أن المولودين خارج السويد هم أقل انتاجا من الأشخاص سويديي المولد.

مقولة أن الأشخاص المولودون في الخارج يعملون أقل بكثير من المولودين في السويد، هو اعتقاد خاطئ، ربما لأن ذلك يرجع إلى حقيقة أن النقاشات غالباً ما تدور حول البطالة ومعدل التوظيف، أي عن عدد الذين هم في سن العمل لكنهم لا يعملون، ضمن هذا السياق، يكون وضع المولودين في السويد أفضل بكثير من المولودين في الخارج، ومع ذلك نادرا ما تؤخذ نسب البطالة بين الأجانب الذين هم في سن العمل، أي يعامل الأجانب كمجموعة وتعامل الفئات العمرية بين كل السكان كمجموعات منفصلة عند قياس معدلات.

الدعوات إلى إبقاء الهجرة عند مستوى منخفض جدًا، كما يريد اليمين واليمين المتطرف، سوف يزيد الضغط على رفع سن التقاعد الفعلي وسيزداد ذلك في المستقبل

هناك حقيقة أخرى أن هناك نسبة متزايدة من المولودين في السويد هم من فئة المسنين، الذين لا يعملون، فيما يعمل الأشخاص المولودين في الخارج ساعات أكثر من الأشخاص المولودين في السويد، بسبب تكوينهم العمري المناسب وزيادة معدل التوظيف وساعات العمل. باختصار، وحسب إحصاءات عديدة فلقد ساهمت الهجرة من حدة الآثار الاقتصادية التي تسببها زيادة الشيخوخة بين السويديين. فيما تُظهر نتائج التقارير أن اعتماد السويد على المولودين في الخارج سيزداد مع الوقت.

من هنا نجد أن الدعوات إلى إبقاء الهجرة عند مستوى منخفض جدًا، كما يريد اليمين واليمين المتطرف، سوف يزيد الضغط على رفع سن التقاعد الفعلي سيكون كبيراً في المستقبل، إذا أرادت السويد الإبقاء على مستوى الرفاهية ضمن نفس المستوى. الخيار الثاني هو استقدام أيدي عاملة بدون حقوق في الإقامة الدائمة والمواطنة، وهذا ما أشارت إليه عدة تصريحات لأحزاب يمينية، أي محاكات نظام العمالة في الخليج العربي.

وهذا يمكن أن يكون مستبعدا لأنه سيضر بسمعة ومكانة السويد خارجيا ويؤثر على مبادئها في الديمقراطية والمساواة، ويضعف نسيجها الاجتماعي.

الحل إذا هو التصدي الاجتماعي للنزعات العنصرية، وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والاتفاق على نظام هجرة إنساني ومستدام ويلبي حاجة السويد ويحافظ على مكانتها الإنسانية.

د. محمود آغا

رئيس التحرير

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.