المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – خاص: لم تستطع السويد الخروج من أزمة تشكيل الحكومة، التي أعقبت الإعلان عن نتائج انتخابات 9 سبتمبر 2018 حتى دخلت في أزمة جديدة، يوم 12 من ديسمبر، يوم إقرار ميزانية المحافظين والمسيحي الديمقراطي:
العديد من المراقبين
يعتقدون أن إقرار هذه الميزانية سيصعب أكثر من تحقيق مهمة تشكيل الحكومة، وأن
السويد أصبحت الآن تواجه مشكلة مركبة من أزمتين.
موضوع الميزانية في دولة مثل السويد، له أهمية ليس فقط اقتصادية وإدارية، وإنما
سياسية أيضا، لأن مسألة توزيع النفقات الحكومية على القطاعات والمؤسسات، يختلف حسب
رؤية كل حزب وتوجهاته، وحسب طبعا ما قدمه هذا الحزب أو ذاك من وعود انتخابية. هذا
من جهة ومن جهة أخرى، تحدد الميزانية عادة كميات ونسب الضرائب التي ستجنيها الدولة
من المواطنين ومن الشركات.
ومن الطبيعي أن تتناقض ميزانية أحزاب اليمين مع ميزانية الاشتراكي الديمقراطي أو
مع أي ميزانية مقدمة من أحزاب اليسار أو حتى الوسط، ومما قد يزيد صعوبة الموقف هو
أن تأتي حكومة يسارية لتجبر على إدارة البلد بميزانية أحزاب اليمين.
السويد إلى الآن بدون حكومة، كان من المفروض أن تتشكل على ضوء نتائج الانتخابات
النيابية، ومن يحكم الآن هي الحكومة القديمة التي تسمى، حكومة تصريف الأعمال، هذه
الحكومة قدمت اقتراحها للبرلمان لكي يوافق على ميزانية اعتبرتها أيضا مناسبة
للمرحلة الحالية، مرحلة تصريف الأعمال، لكن الاقتراح رفض، ونجح حزبي الموديرات
والديمقراطي المسيحي بتمرير ميزانية تتناقض مع توجهات الحكومة الحالية، وذلك بدعم
من حزب سفيرياديمكرتنا اليميني المتطرف، مما سيكون هناك صعوبات خاصة لدى اللجان
والجهات الإدارية التي ستحاول وضع تفاصيل لترجمة إطار الميزانية المعتمدة،
وبالتالي إبلاغ المؤسسات والسلطات الحكومية عما يجب القيام به على ضوء النفقات
المقررة.
وهذا ما قد يتعارض مع ما يجب القيام به على ضوء السياسات الحكومية التي وضعتها
حكومة الاشتراكيين مع حزب البيئة. هذا التعارض سيستمر على الأقل إلى حين تشكيل
حكومة قوية وثابتة، وهذا ما لا يلوح في الأفق حاليا.
السويد المشهود لها بالدقة والتنظيم، في إدارة الدولة والمؤسسات، يمكن وبسبب هذه
الأزمة المزدوجة، أزمة تشكيل الحكومة وأزمة الميزانية، أن تواجه تحديات كبيرة.
أهم تداعيات الميزانية الجديدة
حاولت الميزانية المقررة، توفير المال من عدة قطاعات، مثل قطاع سوق العمل والبيئة،
على حساب قطاعات أخرى وعلى حساب موارد الضرائب، ومع ذلك زادت من الانفاق الحكومي
بقيمة 40 مليار
زيادة عن الميزانية السابقة، في المقابل قللت الميزانية من موارد الدولة عبر
الضرائب بقيمة 20 مليار
كرون، وهو مبلغ كما يبدو سيعود على الأخص لأرباب العمل ولأصحاب الدخل المرتفع،
فيما سيستفيد أصحاب الدخل المتوسط والمحدود بمبالغ شهرية بسيطة.
المدير العام لمكتب العمل ميكائيل خيوبيرغ حذر من أن الميزانية الجديدة تعني بالفعل
زيادة في بطالة العاطلين لمدد طويلة. كما ومن بين أمور أخرى، ستؤدي إلى تناقص عدد
الأشخاص المشاركين في برامج سوق العمل المختلفة بمقدار 5004 شخص.
كما سيضطر مكتب العمل إلى
الاستغناء عن 1700 موظف، وفقا لمدير المكتب العام.
ماذا يعني هذا بالنسبة للباحثين عن عمل؟
من الصعب الإجابة ولكن من المؤكد أن الأمور لن
تكون أفضل عما هي عليه الآن. قد تكون شعبية مكتب العمل بين عدد من القادمين الجدد
واللاجئين ليست على ما يرام، بسبب تجارب خاصة، ولكن الحل بطبيعة الحال هو ليس
معاقبته بتقليص دوره، لأن هذا المكتب وحسب إحصاءات عديدة يقدم خدمات مهمة للمجتمع.
فهل يمكن معاقبة قطار لا يستطيع حمل كل ركابه، بتقليل أماكن الركاب وبإلغاء جزء من
مقطوراته وتسريح عدد من موظفيه؟ النتيجة ستكون حتما ليس من مصلحة الركاب، خاصة أنه
لا يوجد بدائل جاهزة لنقلهم، سوى الحديث عن تنشيط القطاع الخاص مثل شركات التوظيف
والشركات الأخرى التي ستعرض خدمات مشابهة لخدمات مكتب العمل الحالي، ومن يتذكر
تجربة “اللوتس” يمكن أن لا يتفاءل كثيرا بنجاح هذا الحل.
من التداعيات أيضا التي ستخلقها الميزانية الجديدة، تتعلق بتقليص الدعم المقدم لبناء
شقق الايجار. وتغطي حاليا 400 مشروع بناء مع حوالي 14000 شقة.
منظمات ومؤسسات عديدة تهتم
بالبيئة وحقوق الإنسان يمكن أن تقلص من نشاطاتها وبالتالي من موظفيها على ضوء
إقرار الميزانية الجديدة.
هذه التداعيات التي يمكن أن تتحول إلى مخاوف جدية من إمكانية تدهور الخدمة العامة
للناس، قد تؤدي إلى مشاكل أخرى منها على سبيل المثال، تضرر النسيج الاجتماعي
والأمني.
أوساط الاشتراكيين الديمقراطيين تلوم الموديرات والمسيحيين الديمقراطيين على عدم
انتظارهم ريثما تتألف الحكومة الجديدة قبل تمرير ميزانيتهما.
زيادة مخصصات الانفاق الحكومي مع تقليل موارد الضرائب، وضع حدود للتفاوض بين
الأحزاب التي تفكر بالتعاون سواء في دعم الحكومة أو بالاشتراك مع الحكومة، لعدم
وجود الأموال التي ستمول اقتراحات تتعلق بالإصلاحات المقترحة.
يذهب
العام 2018 والسويد تحمل معها إلى العام الجديد آثار أزمة مزدوجة، بانتظار
العام الجديد، والذي نتمنى أن يأتي ومعه بوادر حل لهذه الأزمة، لكي تستطيع هيئات
الدولة ومؤسساتها القيام بواجبها بالشكل الصحيح.