1918 العام الذي أصبحت فيه السويد.. السويد

: 6/3/23, 10:56 AM
Updated: 6/5/23, 8:59 PM
1918 العام الذي أصبحت فيه السويد.. السويد

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

تقديم ومراجعة: سامح خلف

يكاد الاتجاه الذي تسلكه الحكومة الحالية، بدفع من حزب ديمقراطيي السويد اليمين المتطرف، أن يقوّض الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي المديد، ويخلخل الأسس التي قام عليها مجتمع الرفاه، أو النموذج السويدي. هذا النموذج الفريد الذي بناه السويديون عبر النضال السلمي الديمقراطي المتدرّج خلال المئة عام المنصرمة، ابتداء من العام 1918.

عند الحديث عن السويد والديمقراطية السويدية، يسارع كثيرون إلى القول إن سبب ازدهار السويد ورخائها يعود بالتحديد إلى حيادها في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وهذا صحيح نسبياً؛ لكن ما هي الخيارات السياسية، الداخلية والخارجية، التي مكنتها من اتخاذ ذلك الموقف؟ وكيف تجنبت الوقوع في فخ الحماس الثوري الذي أبداه اليسار السويدي المتطرف الذي أراد سحب السويد إلى النهج البلشفي اللينيني غداة ثورة أكتوبر 1917 في روسيا؟ وكيف تجنّبت السويد أيضاً بعد الحرب العالمية الثانية جاذبية الانخراط في الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية (الاشتراكية) والغربية (الرأسمالية)؟

تزعم هذه المراجعة أن الأجوبة عن هذه الأسئلة وغيرها موجودة في كتاب «1918، العام الذي أصبحت فيه السويد… السويد» للمؤلف والكاتب الصحفي بير ت. أولسون (ستوكهولم: ألبرت بونييرش، ط1، 2017)

يشرح المؤلف بير ت. أولسون، في التعريف بالكتاب وفي المقدمة، السبب الذي دعاه لاختيار العام 1918 كنقطة تحول حاسمة في التاريخ السياسي السويدي. ويشير المؤلف أيضاً إلى اتباعه النهج الذي بدأه المؤلف الألماني فلوريان إلييس في التركيز على عامٍ بعينه كمنطلق لدراسة مرحلة تاريخية محددة، وذلك حين أصدر عام 2012 كتابه المهم «صيف العام 1913»، وهو عام السلم الأخير قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم سار على نهج إلييس كثير من الكتّاب، خاصة الروائيين منهم.

رسم أولسون صورة موجزة للوضع في أوروبا والعالم أولاً، ثم في السويد ثانياً. ففي العام 1918 كانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مستعرة- قبل أن تتوقف في شهر نوفمبر من ذلك العام- وهي إحدى أكبر الحروب في التاريخ وأشدها هولاً لما خلفته من دمار واسع وضحايا قُدّر عددهم بنحو عشرين مليون قتيل.

لم تشترك السويد في الحرب العالمية الأولى، لكنها تأثرت بها بشدة حيث عانى السكان من نقص شديد في المواد الغذائية وحدثت اضطرابات اجتماعية في مناطق عدة، خصوصاً في المدن الكبرى. وكان الصراع السياسي محتدماً حول الحق المتساوي في الاقتراع. فوق ذلك كله كان الجو العام عابقاً بالأحقاد، ومنجل وباء الإنفلونزا الإسبانية لا يتوقف عن حصد الأرواح.

الثورة السويدية

بعد التعريف بالكتاب والمقدمة، وضع المؤلف فصلاً بعنوان «الثورة السويدية» أشار فيه إلى أن السويد لم تشهد، باستثناء الانقلاب ضد الملك غوستاف الرابع أدولف عام 1809 والذي أنهى فترة استبداد آل غوستافسون، أي ثورة بالمعنى المتعارف عليه: أي ممارسة العنف للإطاحة بالسلطة القائمة. ويضيف أولسون قائلاً إن السويد استطاعت، بالرغم من تناقضاتها الداخلية الحادة، تجنّب الحرب الأهلية والكوارث الوطنية التي ما تزال تداعياتها تسمّم الأجواء السياسية في بلدان مثل فنلندا وإسبانيا والولايات المتحدة. وبحسب أولسون فإن السويد اقتربت كثيراً من نيران الحرب الأهلية بين العامين 1917 و1918 حين وصلت التجاذبات السياسية الداخلية حدوداً خطرة كادت أن تمزّق البلاد.

في تلك الأجواء المتوترة، وتحت الضغط الشديد الناجم عن تلك الأوضاع، حدثت في السويد ثورة بمعنى تغيير النظام السياسي في البلاد تغييراً جذرياً من خلال قرار اتخذه البرلمان في شهر ديسمبر 1918. أنهى ذلك القرار النظام القديم الذي كانت السلطة فيه حكراً على الإقطاعيين والأثرياء والمحظيين، وقام على أنقاضه نظام ديمقراطي يضمن حق الاقتراع والتأثير السياسي لكل رجل وامرأة. وانطلاقاً من تلك الثورة، إذا صحّت تسميتها ثورة، يقول أولسون، تطوّر مجتمع الرفاه السويدي المنفتح والحديث ونما، والذي يعتبره السويديون اليوم أمراً مسلماً به، وهو مجتمع ديمقراطي أساسه مبدأ المساواة.

وبحسب المؤلف فإن الفضل في سلمية الثورة السويدية وعدم جنوحها نحو العنف، يعود إلى عدد من اللاعبين الأساسيين الذين تحلّوا بالحكمة والبصيرة، مثل «الحركة العمالية التي لم تتخط الحدّ الفاصل بين النضال السلمي وأعمال العنف، وقادة الرأي الليبراليين الذين ناضلوا من أجل أهداف محددة، والنساء المناضلات اللواتي طالبن بإصرار بحقوقهن بالمواطنة الكاملة، والقطاع التجاري والصناعي الذي أدرك ضرر الفوضى على التجارة والأعمال، بالإضافة إلى السلطة اليمينية الحاكمة التي قبلت أخيراً بالتنازلات التي لا مفرّ منها ولا يمكن تفاديها».

أحداث العام 1917 الداخلية والخارجية

لا تفوت المؤلف الإشارة في هذا السياق إلى أهمية العام 1917 الذي شهد ثورتين في روسيا، أطاحت الأولى، ثورة فبراير، بالقيصر وفتحت الباب أمام الديمقراطية، وأدّت الثانية، ثورة أكتوبر، إلى استيلاء البلاشفة على السلطة التي تحولت إلى نظام حكم استبدادي. وكان للثورتين الروسيتين تأثير بالغ على السويد، خاصة على حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، حيث زار زعيمهم هيالمار برانتينغ مدينة بتروغراد في أعقاب ثورة فبراير، و«حين عاد إلى ستوكهولم، اتّجه فور نزوله من القطار إلى البرلمان وألقى خطاباً نارياً أثار غضب نواب اليمين حين سمّى زملاءه في الغرفة الثانية بالمواطنين، وهي تسمية ارتبطت بالثورة الفرنسية»، بحسب أولسون.

ويتابع أولسون بالقول إن ثورة أكتوبر الروسية أججت الصراع في السويد ضمن الحركة العمالية «بين الأغلبية الديمقراطية الإصلاحية وبين أقلية عالية الصوت تؤيد فكرة ديكتاتورية البروليتاريا».

ومن أحداث العام 1917 الأخرى التي أثّرت على السويد، استئناف ألمانيا حرب الغواصات والتي أعاقت حركة الشحن الأميركية، ثم إعلان الولايات المتحدة لاحقاً الحرب ضد ألمانيا، بالإضافة إلى إعلان فنلندا استقلالها في نهاية ذلك العام. «حتى في السويد، التي أعلنت الحياد عند اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، تحرّك المزاج الثوري تحت السطح لتندلع أحياناً تظاهرات وأعمال شغب واجهتها الشرطة والجيش بالقمع»، يقول أولسون.

ففي يونيو من ذلك العام، وعلى خلفية مناقشة البرلمان السويدي لحقوق الاقتراع، صُدمت ستوكهولم بأعمال الشغب والصدام بين الشرطة والمتظاهرين، و«أصبحت صورة هيالمار برانتينغ وهو في وسط ساحة غوستاف أدولف محاطاً بشرطة الخيالة، رمزاً للاضطرابات في ذلك الوقت». وبحسب المؤلف فإن مفوض الشرطة أندرش غوستاف كيمبي حال دون وقوع مجزة دموية أمام مبنى البرلمان في ستوكهولم حين سحب رئيسه، قائد الشرطة، إلى داخل مبنى البرلمان في اللحظة التي سبقت إصدار الأخير الأمر بمهاجمة حشود المتظاهرين.

وفي شهر فبراير من العام 1917، انفجر الصراع الحاد داخل حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، فطرد الإصلاحيون بقيادة رئيس الحزب هيالمار برانتينغ، المجموعة المتشددة التي عُرفت باسم الكتائب الثورية بقيادة الخطيب المفوّه زيث هوغلوند. وفي شهر سبتمبر من العام نفسه جرت انتخابات عامة، وهي الأخيرة التي كان حق الاقتراع فيها حكراً على الرجال. أسفرت الانتخابات عن فوز كتلة اليسار المؤلفة من الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين، واحتلّ الاشتراكيون الديمقراطيون المركز الأول كأكبر حزب في البرلمان. ثمّ شكّل الليبرالي نيلس إيدن حكومة جديدة، ودخل الاشتراكيون الديمقراطيون، بالرغم من إرادة الملك غوستاف الخامس، الحكومة للمرة الأولى. بعد ذلك، بدأ تحالف الليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين الدفع بقوة نحو إجراء إصلاحات دستورية واسعة النطاق.

بالرغم من خطورة أحداث العام 1917، يقول المؤلف، لم يكن لتلك الأحداث تأثير طويل الأمد بالمقارنة مع ما حدث في العام التالي، 1918.

أحداث العام 1918:

قسّم المؤلف متن الكتاب تقسيماً منطقياً فوزّعه على أشهُر العام 1918 الإثني عشر، وسرد في كل فصل، أو شهر، أهم الأحداث العالمية والمحلية وأخطرها وأكثرها تأثيراً على مستقبل السويد، بالإضافة إلى القرارات التي اتُّخذت بشأنها، أو استجابة لها. وفي المحصلة أدى كل ذلك إلى أن تكون السويد على ما هي عليه اليوم، مملكة دستورية بنظام حكم برلماني ديمقراطي تتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي والرخاء الاقتصادي، يتساوى فيها المواطنون أمام القانون ويتمتعون بالحقوق نفسها وتترتب عليهم الواجبات نفسها.

فيما يلي بعض ما أورده المؤلف من أحداث ووقائع مفصلية جرت خلال العام 1918، وذلك على سبيل الذكر لا الحصر:

يناير/كانون الثاني

– يوم السبت 5 يناير ، قدم هيالمار برانتينغ، رئيس حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، استقالته إلى الملك غوستاف الخامس من منصبه كوزير للمالية في حكومة نيلس إيدن. واعترفت السويد باستقلال فنلندا التي سبق وأن أعلنت استقلالها عن روسيا. وفي السادس عشر من الشهر نفسه افتتحت أعمال البرلمان السويدي وألقى الملك غوستاف الخامس خطاباً أشار فيه بحذر إلى موضوع الساعة وهو حق المرأة في الاقتراع. ثم وعد رئيس الحكومة نيلس إيدن بتقديم مشروع قانون في هذا الشأن، بعد أن اشتدّ نضال الحركة النسائية.

في روسيا، رفض البلاشفة بقيادة لينين نتائج الانتخابات وحلّوا الجمعية التأسيسية، وفي 19 يناير، بعد يوم من المداولات في بتروغراد، حاصر الجيش الأحمر قصر توريسكا واعتقل أعضاء المعارضة، ثم قتل المئات من أنصارها خلال الاحتجاجات التي تلت ذلك.

ازدادت المخاوف في السويد من ثورة على البرجوازية السويدية، تأثراً بالثورة البلشفية، ذلك أن مجموعة زيث هوغلوند التي طُردت من صفوف حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، والتي شكّلت حزب اليسار الاشتراكي الديمقراطي (SSV)، رحبت بسيطرة البلاشفة في روسيا، وأطلقت على بتروغراد اسم «عاصمة الديمقراطية». فازدادت حدة الصراع العقائدي بين الاشتراكيين الديمقراطيين والاشتراكيين اليساريين. في 28 يناير استولى الانقلابيون الفنلنديون الحمر المدعومين من روسيا على السلطة في هلسنكي، وفرّ أعضاء الحكومة إلى فاسا في الشمال، وكانت تلك بداية الحرب الأهلية في فنلندا

فبراير/شباط

– اندلعت الحرب الأهلية الفنلندية، وتوجه فيلق من المتطوعين السويديين لدعم حكومة البيض. وحدث احتكاك داخل حكومة نيلس إيدن الائتلافية بسبب الحرب الأهلية الفنلندية، لكن طرفي الائتلاف الحكومي تجنبا نشوب أزمة حكومية مخافة ضياع جهودهما المتعلقة بالإصلاح السياسي والدستوري، فامتنعت الحكومة عن التدخل لصالح حكومة البيض في فاسا من جهة، ومن جهة أخرى انتقد الاشتراكيون نظرائهم في الحزب الاشتراكي الفنلندي لحملهم السلاح «ضد جمعية وطنية منتخبة من الشعب». ويعود الفضل في موقف الاشتراكيين الديمقراطيين في هذا السياق إلى الموقف الصلب الذي اتخذه رئيس الحزب هيالمار برانتينغ ضد أي شكل من أشكال البلشفية، حيث أعلن أن «الديمقراطية أولاً، والاشتراكية ثانياً». يوم الثلاثاء، 19 فبراير، دعمت الحكومة مشروع القانون رقم 104 الذي قدمه الملك، والذي تضمن منح المرأة الحق في الاقتراع. بلغ اضطراب سوق العمل في شهر فبراير مداه واتسعت النزاعات بين نقابات العمال وأصحاب العمل.

مارس/آذار

– يوم الأحد 3 مارس وُقعت معاهدة بريست ليتوفسك للسلام بين روسيا ودول المحور، مما أدى إلى تغييرات في المنطقة.

أرسل الاشتراكيون الديمقراطيون السويديون وفداً إلى هلسنكي برئاسة سكرتير الحزب غوستاف مولر لمحاولة إقناع رفاقهم الاشتراكيين الديمقراطيين الفنلنديين بالامتناع عن استخدام العنف في الحرب الأهلية. لكن المحادثات بين الوفد ومفوضية الشعب لم تؤد إلى نتائج ملموسة. وقد أظهرت الحرب الأهلية الفنلندية انقساماً حاداً بين الإصلاحيين والثوريين داخل الحركة الاشتراكية في السويد.

في 14 مارس انعقد اجتماع مجلس نقابة المحامين في ستوكهولم وقرر قبول عضوية عدد من الأعضاء الجدد، من بينهم الآنسة إيفا أندين لتكون بذلك أول امرأة تنضم إلى نقابة المحامين في السويد، ولينفتح بذلك مجال مهني كان مغلقاً أمام النساء.

أبريل/نيسان

– من بين عشرات آلاف أخبار الوفيات التي نشرت في ظل وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي خيّم على البلاد، برز خبر مصرع أولوف بالمه الذي سقط مقاتلاً ضمن صفوف الفيلق السويدي الذي شارك في الحرب الأهلية الفنلندية، وهو جدّ رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه الذي اغتيل عام 1986.

نوقشت في هذا الشهر الحقوق السياسية للنساء وحقهن في الاقتراع. صوّت نواب الغرفة الأولى التي يسيطر عليها اليمين ضد مشروع القانون بحجة أن المرأة تفتقر إلى الصفات المطلوبة وأن ذلك سيزيد من عدد الناخبين عديمي الخبرة. في الغرفة الثانية التي يسيطر عليها اليسار، صوّت النواب مع القانون. سقط مشروع القانون، فعادت النساء إلى ساحات الاحتجاج.

مايو/أيار

– في احتفال الأول من مايو، ألقى رئيس حزب الاشتراكيين الديمقراطيين هيالمار برانتينغ خطاباً في فيستروس تطرق فيه إلى الحرب الدائرة وإلى أهمية الديمقراطية، ودعا إلى مقاومة الأفكار الرجعية وأكد أن الديمقراطية هي الحل الوحيد.

وقعت أعمال عنف في ستوكهولم حيث اشتبك حشد مخمور مع الشرطة وخربوا بعض المنازل والبنوك والمتاجر. وخرجت مظاهرات في جميع أنحاء البلاد احتجاجاً على قرار البرلمان السويدي السلبي بشأن الحق في الاقتراع، مع مشاركة جماهيرية لافتة في مالمو.

انطلق الجيش الحكومي الفنلندي المنتصر إلى هلسنكي، إيذانا بنهاية الحرب الأهلية الفنلندية.

يونيو/حزيران

– في 2 يونيو عقد حزب اليسار الاشتراكي الديمقراطي مؤتمراً برزت خلاله تصدعات داخل اليسار المتطرف. دعا زيث هوغلوند إلى اتباع خط أكثر ثورية مستوحى من نهج لينين، بينما فضل كارل ليندهاغن اتباع خط إنساني وبراغماتي. فاز خط ليندهاغن في التصويت. وفي البرلمان عُقد اجتماع مطول نوقشت خلاله مقترحات قانون الاقتراع في الانتخابات البلدية من بين أمور أخرى مثل الجفاف وتأثيره على أزمة الغذاء

في 8 يونيو صوت البرلمان السويدي لصالح مشروع قانون ملكي يمنح المرأة الحق في شغل مناصب حكومية عليا في مجال التعليم. وأصدرت الحكومة أيضاً قانوناً جديداً بشأن الرعاية الاجتماعية للفقراء. غيّر ذلك القانون النظرة إلى مسؤولية المجتمع تجاه الفقراء، وأنهى الممارسات القديمة، مثل مساعدة تجذير الأشد فقراً في المناطق الزراعية ومزاد رعاية الأطفال الفقراء.

يوليو/تموز

قبل انتشار مرض الإنفلونزا الإسبانية، كان مرض السل هو الطاغي في السويد. في ذلك الوقت بدأ انتشار الإنفلونزا الإسبانية في سكونه، وكان شخص يدعى بير هاوكنسون قد طوّر منتجًا يسمى سالوبرين يعتمد على الخل، والذي أثبت فعاليته في تسكين الآلام وتطهير الجروح وحروق الشمس. تأثر إنتاج سالوبرين بنقص المواد الخام والتقنين، فسافر هاوكنسون إلى ستوكهولم التي لم تكن الإنفلونزا الإسبانية قد وصلتها، وذلك ليطلب المساعدة في إنتاج سالوبرين، لكنه مرض وتوفي في 11 يوليو بسبب الالتهاب الرئوي، وهو أحد أوائل ضحايا الإنفلونزا الإسبانية في السويد، وقد يكون هو الذي نقل المرض إلى ستوكهولم.

في يوتيبوري، ساهم زوار «المعرض السويدي» الذي افتتحه الملك غوستاف الخامس في 8 يوليو في انتشار الإنفلونزا الإسبانية في المدينة وجوارها. نشأت أيضاً مخاوف من انتشار الكوليرا عقب وصول باخرة إلى ستوكهولم من بتروغراد التي كانت تعاني من انتشار الكوليرا. وفي 21 يوليو، أكدت الأخبار إعدام القيصر المخلوع نيكولاس الثاني وعائلته على يد البلاشفة.

أغسطس/آب

في 1 أغسطس أصبح لدى السويد جاران جديدان على الجانب الآخر من بحر البلطيق، وذلك بعد أن اعترفت حكومة موسكو باستقلال إستونيا وليفونيا التي تقاسمتها لاحقاً كل من إستونيا ولاتفيا.

واصلت الإنفلونزا الإسبانية انتشارها وأُبلغ عن الكثير من الوفيات، وأضيفت البطاطا إلى التقنين وازدادت التوترات بين المستهلكين والمنتجين. نجحت نقابات العمال في خفض ساعات العمل إلى 51 ساعة في الأسبوع، وفتحت بذلك الطريق إلى 8 ساعات عمل في اليوم، وحُلّ النزاع في قطاع البناء من خلال المفاوضات والاتفاق على ساعات العمل والأجور. في الحرب الدائرة، شنت قوات الحلفاء هجوماً ناجحاً في أميان، مما أدى إلى تقدم الحلفاء لتصبح هزيمة ألمانيا أمراً لا مفر منه.

سبتمبر/أيلول

في الأول من سبتمبر فاز السويديون بمعظم مسابقات ألعاب القوى ضد الدنمارك والنرويج في كوبنهاغن. ووردت تقارير عن تسمم كحولي في مالمو، ونقص في خيوط الحياكة، وارتفاع أسعار البيض وتأخير في توزيع التبغ المقنن بسبب مشاكل توزيع البطاقات التموينية.

لكن الحدث الأبرز الذي سيكون له تأثير مستقبلي بالغ الأهمية هو تقديم تقرير للحكومة: اقتراح لجنة التشريع بشأن قانون الزواج المعدّل. وقد مثل الاقتراح خطوة كبيرة نحو المساواة القانونية بين الزوجين. والأهم من ذلك، تم إلغاء وصاية الزوج على زوجته. بالإضافة إلى ذلك، اقترحت مجموعة الصياغة تشديد القواعد المتعلقة بما يسمى حقوق الزوجية، أي حقوق الزوجين عند تقسيم الممتلكات، إذ سيكون المبدأ القانوني هو تقسيم الممتلكات بالتساوي في حالة الطلاق. من جانب آخر، واصلت الإنفلونزا الإسبانية حصد أرواح الناس، ومنهم الأمير إيريك الابن الأصغر للملك غوستاف الخامس.

أكتوبر/تشرين الأول

– في 1 أكتوبر، غادر القطار 422 مالمو متوجهاً إلى ستوكهولم. سقط القطار في وقت لاحق في انهيار أرضي في بلدة غيتاو بالقرب من كولمأوردن في مقاطعة نورشوبينغ، مما أدى إلى احتراق معظم العربات ومقتل 41 شخصاً.

بانتظار افتتاح الدورة التشريعية القادمة للبرلمان، تلقى رئيس الوزراء نيلس إيدن أخباراً مخيبة للآمال بالنسبة له وللحكومة بشأن مسألة حقوق الاقتراع، وذلك بسبب استمرار رفض اليمين لحقّ الاقتراع المتساوي في الانتخابات البلدية. من جانب آخر ازدهر نشر الكتب، وبرزت أسماء مؤلفين مثل دان أندرسون، وسيغفريد سيويرتز، وهيالمار بيرغمان، وهيالمار سودربيرغ، وسلمى لاغرلوف. وبرزت بشكل خاص إيلين فاغنر وروايتها «أوسا-هانّا».

نوفمبر/تشرين الثاني

– استمر الغلاء والنقص في المواد في التأثير على الحياة اليومية للسويديين. وفي ألمانيا تخلى الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني عن العرش، واجتاحت موجة ثورية ألمانيا، مع إعلان الجمهورية في بافاريا وبرلين. أصدر حزب اليسار الاشتراكي الديمقراطي بياناً يطالب بحكومة اشتراكية وإلغاء الغرفة الأولى في البرلمان. وفي صباح 11 نوفمبر سكتت المدافع على الجبهة الغربية ووقعت الهدنة.

أبلغ نيلس إيدن الملك غوستاف الخامس أن التعديلات الدستورية ستثار في الدورة التشريعية التالية وطالب بحق الاقتراع البلدي والسياسي للمرأة.

ألقى زيث هوغلوند خطاباً لم يستبعد فيه العنف كأسلوب سياسي ودافع عن النظام البلشفي، في حين تموضع الملك إلى يسار قادة اليمين وضغط عليهم لدعم جهود الحكومة في التحوّل الديمقراطي. أبدت الحكومة عزمها الدفع نحو دمقرطة الاقتراع البلدي، وربط ذلك بمشروع قانون دستوري بشأن حق المرأة في التصويت في الدورة التشريعية القادمة. عاشت السويد ثلاثة أيام خطرة في تاريخها السياسي مع تلقي الحكومة تقارير عن خطط حزب اليسار الاشتراكي الديمقراطي لإعلان الثورة واستخدام العنف

ديسمبر/كانون الأول

– ألقى رئيس الوزراء السويدي نيلز إيدن خطاباً حذر فيه من المقاربة اليمينية للمراجعة الدستورية، وهاجم زعيميّ اليمين إرنست تريغّر وأرفيد ليندمان. وشنّت الحكومة هجوماً نهائياً قبل قرار البرلمان بشأن حقوق الاقتراع. وقد واجهت اللجنة الدستورية البرلمانية صعوبات بسبب التناقضات، فاقترح رئيس حزب الاشتراكيين الديمقراطيين هيالمار برانتنغ وفداً من عشرة أعضاء لتقريب وجهات النظر، وكلف وفداً صغيراً ضمن الوفد المؤلف من عشرة أعضاء بالتفاوض للوصول إلى اتفاق.

استمر الخوف من البلاشفة، وعلّقت السويد علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا.

عرضت اللجنة البرلمانية المكلفة بحث مشروع قانون حقوق الاقتراع السمات الرئيسية لعملية تنقيح دستوري مقبلة تنطوي على حقوق اقتراع عامة ومتساوية للرجال والنساء. وأكد تقرير اللجنة على أهمية إرساء الديمقراطية ورفض حكم ذوي الامتيازات الخاصة من جهة، ودكتاتورية البروليتاريا من جهة أخرى. وقد أيد اليمين بعض المبادئ في التقرير، لكنه طالب بضمانات في اتجاه محافظ. وفي النهاية، ومن خلال التعديلات والحلول الوسط، قبل اليمين الاقتراح، فلاحت بداية انتهاء الصراع السياسي في البلاد.

خلاصة

كتاب أولسون مهم لمن يريد فهم المسار الذي سلكته السويد ابتداء من العام 1918 حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم؛ مجتمع ديمقراطي مزدهر يتساوى فيه المواطنون أمام القانون وفي الحقوق والواجبات.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon