الهجرة إلى أوروبا مسرحية تراجيدية من فصلين: هجرة العرب الى أوروبا ما بين سندان الطغاة ومطرقة العنصريين

: 9/7/15, 10:29 AM
Updated: 9/7/15, 10:29 AM
الهجرة إلى أوروبا مسرحية تراجيدية من فصلين: هجرة العرب الى أوروبا ما بين سندان الطغاة ومطرقة العنصريين

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات الرأي: تعد أزمة الهجرة إلى أوروبا من مناطق النزاع في الشرق الأوسط من أكثر الكوارث الإنسانية التي يشهدها العالم في القرن الواحد والعشرين وهذا بشهادة العالم أجمع. لكن الأمور لا تقف فقط عند مساعدة هؤلاء الذين فقدوا كل شيء ولا يريدون إلا إيجاد مأوى يحميهم، من قوى الظلم وجبروت الحكام وصناع السلاح وبائعيه.

السؤال الأهم أيضا: إلى أين يلجئ هؤلاء فعلا؟ وأي مستقبل ينتظرهم في أوروبا التي أصبحت رياح العنصرية تعصف بها بقوة، بعد تنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة بسرعة؟

للعملة وجهان كما يقال، وجه انتقال هؤلاء الى دول أوروبية التي تعد في الغالب أحسن من بلدانهم وتوفر لهم الراحة والأمان النسبيين ووجه ما بعد اللجوء ومحاولة استمرار الحياة انطلاقا من نقطة الصفر.

ينتظر اللاجئ إلى أوروبا من الدول العربية دوره في مسرحية تراجيدية من فصلين طويلين. الفصل الأول من المسرحية التراجيدية هي رحلة وصوله والتي تتمثل في صور المأساة المقشعرة للأبدان والتي نراها يوميا على شاشات التلفزيون ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك صور فرحة وصولهم الى دول الأمان والاستقرار. وهنا نقف لنسأل أنفسنا من هو السبب الحقيقي وراء هذا الفصل التراجيدي؟

فالمستشارة الألمانية ميركل لعبت دور الأم الحنونة نالت وسام القديسة ميركل وهي التي استقبلت ودعمت منذ فترة مصاص الدماء السيسي، ورئيس الوزراء السويدي لوفين ووزيرة خارجيته مارغوت والستروم الباكيين وغيرهم من حكام العالم المنافق، يلعبون الآن دور المنقذ ولكن في الحقيقة هم من جعل الفوضى تستمر في منطقة الشرق الأوسط بأنانية وطمع الغرب في خيرات الشرق، ودعم من جبن الزعماء العرب الذين التزموا الصمت التام على المذابح اليومية في العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا وغيرهم من الدول التي أصبحت سوق سلاح للغرب.

ان المأساة ليست وحشية القلة ولكن في صمت أغلبية العالم التي تتغني بحقوق الانسان. فأثرياء العالم يزيدون ثراء حتى المنظمات الإنسانية يحكمها هؤلاء الأثرياء. فهبة الناس البسطاء للمساعدة في كل أرجاء أوروبا والسويد ترفع من أسهم الأثرياء ولا يصل المساكين الا الفتات.

نحن نعلم ان اللاجئين ما ان قدموا ملفات اللجوء في المانيا او السويد ترعاهم الدول وليست منظمات الإغاثة. فأين تذهب كل تلك المساعدات والأموال المكدسة. فنحن نقف امام معادلة البسطاء يتبرعون بما لديهم وهي طبيعة الانسان البسيط وغريزته مقابل جشع وبخل الأثرياء في العالم، الذين يزيدون ثراءا من خلال جمع تبرعات من البسطاء وبيع الأسلحة للطغاة في مناطق النزاع. فكل هذا الحشد من أجل مساعدة النازحين الا مساعدة وقتية وحماس وقتي من طرف الكثير يستفيدوا أصحاب الأثرياء وأصحاب القرار والطغاة.

لماذا تنظم مسيرات ومظاهرات من أجل استقبال المهاجرين ومد العون لهم في الوصول الى أوروبا ولا تنظم مسيرات ضد الطغيان واجبار حكام أوروبا ان ينتقلوا بطائراتهم ويجبروا من يقف وراء كل هذه المآسي والجرائم بالاستسلام والعدول. لماذا اجتمع حكام العالم بأسره في حادثة شارل ايبدو بباريس فرنسا وخرجت مظاهرات مليونية في كل مدن فرنسا تنديدا بالإرهاب. أليس ما يحدث في الوطن العربي إرهاب ممولا بسلاح غربي؟

يا حكام أوروبا كفى نفاقا ويا شعوب العالم لا تصدقوا رأفة ميركل ولا دموع لوفين ولا والستروم. يجب استئصال الورم من جذوره والا سنشهد مآسي أكبر. فشعارات الترحيب والتهليل بقدوم الوافدين الجدد ملئت كل صفحات الجرائد والتواصل الاجتماعي وفي الملاعب والساحات لكن كيف سيحمي حكام الغرب وشعوبها المهللة هؤلاء العائلات وابناءهم من العنصرية المتنامية ضدهم. فنجد ان استطلاعات الرأي لحزب سفاريا ديموكراتنا وصلت حسب نسبتها 25 بالمئة في بعضها 19 بالمئة مما يجعله اول حزب حسب الاستطلاع الأول وثالثهم حسب الاستطلاع الثاني. والأعضاء والمؤيدون لهذا الحزب العنصري موجودون في كل مكان في المدارس والروضات والدوائر الحكومية والجامعات فهم جزء من المجتمع ونشاطهم لا يتوقف بتأييد الحزب بل يتعداه الى ممارسة العنصرية على ارض الواقع وفي شتى ميادين الحياة.

اما الفصل الثاني من المسرحية تبدأ احداث مأساتها بمجرد استقرار اللاجئين في أوروبا، وبعد تحصلهم على اقامات، حيث تبدأ صراعات ما بعد اللجوء وهي أقصى من مشقة وعناء اللجوء نفسه الذي كان مختصرا في نهايتين حتميتين، نهاية بالموت غرقا في عرض البحر او نجاة بعد مشقة تنتهي باللجوء في بلد ما ومنها تبدأ مشقة ورحلة الاستقرار النفسي التي لا تنتهي، المصحوبة بدوامة انتظار موعد الإقامة والبحث عن العمل والسكن وتعديل الشهادة ومدارس للأطفال وصعوبة اللغة والتواصل وصراعات التأقلم مع نمط العيش في بلد جديد. وتصحبها اضطرابات في الهوية وانقسامات بين الجالية من بين معارض ومؤيد. والأمور لا تتوقف الى هذا الحد، فالعائلة التي كانت متلاحمة وتحملت معاناة الطريق ومشقته تصطدم بواقع وقوانين أسرة جديدة تمنح الحقوق والحريات للطرفين بالتساوي ويأخذ هرم العائلة المعهود به شكل مستقيم، الكل متساوي لا فرق بين المرأة وزوجها وتستيقظ العائلة على ابناءها ليسوا ملكا لها ولا يحق لهم التصرف معهم بالطرق التقليدية المعهودة بها في بلادهم.

ومنها تبدأ الانشقاقات العائلية والانفصالات وتبدأ انانية الانسان وجشعه في التنامي والسيطرة على الكثير. زد على ذلك ضياع الثقافة العربية وتلفها والتي أصبحت مختصرة في إقامة الحفلات الموسيقية وفتح مقاهي وجمعيات الشيشة في العديد من المدن الكبرى في السويد. فبعد جيل او جيلين لن تجد للغة العربية أثر ولا للثقافة العربية الا الملاهي ومراكز الشيشة. وهذا نراه جليا في دول مثل فرنسا وإنجلترا وغيرهم من الدول الأوروبية التي استوطن فيها العرب منذ قرون. فأبناء الجيل الثاني والثالث في فرنسا من الجالية المغاربية لا يحسنون حتى التكلم باللغة العربية الا من رحم ربك. فأوروبا الحنونة ليست حنونة على ثقافتنا العربية التي هي عريقة وغنية وراسخة وكانت لها أهمية كبيرة تاريخيا في التطور الثقافي والحضاري في أوروبا والعالم أجمع. وإلى حد كبير كانت الثقافة العربية حلقة وصل بين الثقافة الإغريقية القديمة وثقافة البلدان المختلفة في الشرق من جهة، وبين التطورات التي حدثت في أوروبا وأدت إلى النهضة وفيما بعد إلى عصر التنوير، من جهة أخرى.

ان لجوء عدد كبير من الدول العربية بمختلف اعراقهم ودياناتهم من بلدان تعتبر مهد ومرجع لتاريخ العالم كسوريا والعراق سيحرم الكثير من هؤلاء اللاجئين من الاستماع بهويتهم الحقيقة ويتم طمسها واختزالها في حفلات الرقص وجلسات الشيشة. فإذا كانت الرحلة بدأت بمشقة الطريق وضياع الوطن ستنتهي بصراع في الهوية وانشقاقات عائلية وضياع للغة والتاريخ وللثقافة.

فاذا أراد الغرب نجدة العرب والنازحين فليبدؤوا بمسيرة نزوح عكسية الى مرابط الطغاة والقتلة والقضاء عليهم وحماية حضارة بابل ووادي الرافدين وبلاد الشام. فكفانا تغرّبا نريد العودة الى أوطاننا.

د. عيد بوعكاز

أستاذ في جامعة مالمو


* مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن الكومبس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.