في المستقبل، ولنقل بعد ثمانين عاماً – وهي نفس المسافة الزمنية التي تفصلنا الآن عن نهاية الحرب العالمية الثانية – لن يرغب أحد في أن يحمل اسماً مشابهاً لأولف كريسترشون، رئيس وزراء السويد الحالي. هكذا يقول الكاتب السويدي الشهير يان غيو، في مقال لافت نشرته مسائية أفتونبلادت السويدية قبل يومين. المقال يتوقع أن التاريخ سيدين رئيس الوزراء الحالي بسبب تواطئه، بل ومساهمته، في جريمة إبادة جماعية تجري الآن على أساس عنصري. لنتعرف لماذا سيدين التاريخ كريسترشون، حسب الكاتب يان غيو؟ أهلاً بكم.
“يان غيو” ليس كاتبًا عاديًا. هو من أبرز الصحفيين والروائيين في السويد، صاحب تاريخ طويل في الدفاع عن الحريات وحقوق الشعوب، وهو سويدي من أصول نرويجية وفرنسية، ويُعد من أعلى الكُتّاب أجرًا في البلاد.
يتهم يان غيو كريسترشون بالتواطؤ في جريمة إبادة جماعية تجري الآن بحق الفلسطينيين، على أساس عنصري عقائدي، وينتقد استخدام الحكومة السويدية لعبارات مثل “الرد المتناسب” لتبرير قتل الآلاف من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال.
حين قتلت إسرائيل عشرة آلاف إنسان في غزة، 70٪ منهم نساء وأطفال، كنوع من الانتقام على هجوم السابع من أكتوبر الدموي، اعتبر كريسترشون وأمثاله أن ذلك يقع ضمن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. وما زال الرد يُعتبر “متناسباً”، حتى حين أصبح عدد الضحايا 20 ألفاً، ثم 30 ألفاً، و40 ألفاً، والآن يتجاوز عددهم الـ50 ألفاً – 70٪ منهم نساء وأطفال – وفق “التناسب الكريسترشوني” – نسبةً إلى كريسترشون. يضيف الكاتب يان غيو أن أسلاف كريسترشون في زمن الحرب العالمية الثانية تمكنوا لاحقاً من التذرع بعبارة: “لم نكن نعلم، لم ندرك حجم الإبادة النازية”.
أما أولف كريسترشون ورفاقه، فلا يمكنهم استخدام هذه الحجة، فالإبادة التي ترتكبها إسرائيل تُعرض يومياً، بصور عالية الجودة وملونة، على شاشات التلفاز حول العالم. لا يمكنهم الاختباء خلف عبارة “لم نكن نعرف”.
وهنا، يؤكد الكاتب يان غيو، وبشكل قاطع وواضح، على أنه لا يقارن الإبادة النازية بتلك الإسرائيلية – فهذا سيكون غير منطقي، حسب قوله – بل المقارنة هي بين المتواطئين في ذاك الوقت والمتواطئين الآن.
وهذه ملاحظة مهمة جداً، لمن يقعون في فخ إنكار المحرقة النازية ضد اليهود، أو من يعقدون مقارنات عبثية بينها وبين ما يجري في غزة، لأن التركيز يجب أن يكون على المتواطئين؛ أولئك الذين لا يريدون تحمّل مسؤولية وقف القتل والدمار، ولو بكلمة أو تصريح، وتذكيرهم بالمتواطئين الذين صمتوا على جرائم النازيين.
نقطة ثانية يثيرها يان غيو في مقاله، من خلال قوله: الخطورة تتمثل في أن هؤلاء المتواطئين اليوم ليسوا نازيين يجاهرون بما يحملونه من أفكار وأيديولوجيات، كما كان المتواطئون أثناء الحرب العالمية الثانية، بل هم سياسيون يرفعون شعارات حقوق الإنسان والمساواة، بل ويشعرون بالإهانة حين يُشكّك أحد في نزاهتهم… لكنهم، في الواقع، يغضّون الطرف عن قصف المستشفيات وتجويع شعبٍ كامل، ويواصلون، بتعنّت دعمهم لجرائم إسرائيل المستمرة. لا يحمرّ وجه أحدهم خجلاً، وهو يصرّ على أن المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل هي، بنظرهم، رد “متناسب”… وهذا هو لغز المشكلة الحقيقي.
ويختم الكاتب مقاله قائلاً: ربما أكون مخطئاً بشأن الكيفية التي سيُذكر بها أولف كريسترشون في كتب التاريخ.
ربما ينتصر الترامبيون واليمين المتطرف، وتنهار الديمقراطية. حينها، قد يُنظر إلى كريسترشون على أنه كان سياسياً حكيماً، استشرافياً، سابقاً لعصره وزمانه. ولكن… ليس من المفترض على الإطلاق أن نصل إلى هذا الحد.
وأخيرا نحن نرى أن الاطلاع على كتابات صحفيين مشهورين خاصة بمواضيع تهم المتابعين قد يعطينا معرفة أكثر بما يجري بالمجتمع السويدي ونعرف أكثر كيف تسير هنا عمليات النقد المجتمعي، وكيف تمارس الحريات خاصة حرية الرأي والتعبير دون الوقوع في محاذير التسرع العاطفي والانفعالات، ودون أن يكون الصمت والشعور بخيبات الأمل والإحباط، هو الخيار البديل المتاح لنا.
التواطئ على القتل مشاركة بالجريمة
Published: 4/25/25, 11:07 AM
Updated: 4/25/25, 11:07 AM