السويد إلى أين؟

: 9/12/22, 5:12 PM
Updated: 9/12/22, 5:13 PM

السويد إلى أين؟ كتب بعض المتابعين تعليقات متشائمة أثناء التغطية المباشرة للانتخابات مساء أمس، والتي استمرت لأكثر من 5 ساعات مثل “خلص ضبوا الشناتي” ولازم نفكر نحجز تذاكر مغادرة للسويد” وغيرها من تعليقات ساخرة بمرارة والمعبرة عن خوف من المستقبل. أكثر الناس قلقا هم أصحاب الإقامات المؤقتة ومن ينتظرون لم شمل عوائلهم إضافة طبعا لطالبي اللجوء، ماذا لو دخل الـ SD الحكومة؟ ما هو مصيرنا؟ بعض التعليقات لامت حزب نيانس على تشتيت أصوات اليسار وبالتالي التسبب بصعود اليمين، طبعا حسب رأيهم، والبعض الآخر استهجن وتعجب من أن نسبة تصل إلى 12 بالمئة ممن لديهم أصول مهاجرة أو من المولودين خارج السويد، انتخبوا الحزب الذي يبني سياساته أصلا على كراهية المهاجرين، الحزب الذي يعتبر كل مشاكل السويد وحتى ثقب الأوزون فوق السويد تحديدا سببه اللاجئين.
فيما يقول أحد المعلقين كل من لديهم قضايا مع الهجرة واللجوء ولم الشمل يتمنون بقاء اليسار في السلطة، ولكن عندما يحصلون على مرادهم إما أنهم لا يشاركون في الانتخابات أو ينتخبون الأحزاب المعادية للهجرة. أيضا حسب أحد المتابعين.
أهلا بكم
من الممكن أن تصبح السويد أكثر الدول الأوروبية تطرفا باتجاه اليمين، بعد أن أصبح حزب الـ SD صور لجيمي بعد اعلان الانتخابات ثاني أكبر الأحزاب السويدية وبعد أن تراجعت كتلة اليسار، حسب نتائج الانتخابات الأولية.
يجب أن لا نقلل من خطورة فوز حزب مثل الـ SD  صور لجيمي بعد اعلان الانتخابات  بهذا العدد من الأصوات وحلوله في المركز الثاني بين أحزاب السويد، ولكن يجب أن نقول أنه لا داعي للخوف ولا داعي لتضخيم هذه الخطورة، بالمقابل هناك دواعٍ عدة لكي نأخذ العبر والدروس من هذه الانتخابات ونتائجها.
صحيح أنه وفي حال بقيت هذه النتائج هي نفسها بعد الانتهاء من فرز الأصوات في يوم الأربعاء المقبل، فنحن أمام نتائج انتخابات الفائز الوحيد بها هو هذا الحزب الذي دخل البرلمان فقط قبل 12 سنة، وكان منبوذا من كل الأحزاب الأخرى. ولكن الصحيح أيضا أن السويد لاتزال قوية بمؤسساتها وبأحزابها اليمينية واليسارية التقليدية التاريخية، والتي لا تزال تريد وتصر وتكافح من أجل السويد التي نعرفها والتي ضحينا من أجل أن نعيش فيها ها ونبني مستقبلا لنا ولأبنائنا فيها.
وهذه الأحزاب إن كانت يسارية أو يمينية أو على الوسط تحتاج إلى دعم من تدافع هي عنهم، لذلك نقول إن أول درس، أو دعونا نقول أول حقيقة من الحقائق التي أوضحتها هذه الانتخابات هي ضرورة أن ننخرط أكثر بالحياة السياسية ونشجع أبناءنا على الاهتمام وعلى الانضمام إلى منظمات وجمعيات مدنية وعلى دخول الأحزاب لنكون جزءاً من بيئة السويد الديمقراطية.
الدرس الثاني أو الحقيقة الثانية التي يجب أن نأخذ بها، هي تقوية جمعياتنا القائمة والتشجيع على إنشاء وتأسيس جمعيات جديدة لتقوية صوتنا في فضاء الديمقراطية السويدية، مفهوم الجمعيات يجب أن يتطور ليصبح قوة فاعلة ومؤثرة، بعدد أعضائها ونوعية قياداتها وبرمجها ونشاطاتها.
الدرس الثالث، يتعلق مراجعة تجربة حزب نيانس، وبغض النظر إذا حصل هذا الحزب أو لم يحصل على مقاعد نيابية، وهو بالمناسبة لم يحصل على شيء إلى الآن، إلا أنه استطاع الحصول على مساحات إعلامية وسياسية لافتة إن كان بسياق سلبي أو إيجابي. حصول الحزب على أصوات كبيرة في دوائر انتخابية معينة، مثل روسنغورد في مالمو 30% ورينكبي في ستوكهولم حوالي 20% فاجأ الصحافة السويدية، اليوم تحدثت معنا صحفية من تلفزيون SVT تطلب منا الحديث عن هذا الصعود غير المتوقع بالنسبة لهم، من ناحيتنا نحن في الكومبس على العكس كنا نتوقع حتى أن يحصلوا على مقاعد نيابية.
حصد نيانس لأصوات في مناطق محددة، سببه أن الحزب استهدف فقط جماعات تشكو من العزلة، ومن قلة المعرفة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، جماعات تريد منقذاً لها من شبح وبعبع اسمه المجتمع السويدي الذي يخطف أطفالهم ويهددهم بقوانين الشرف ويمكن أن ينزع الحجاب عن رؤوس الفتيات والنساء ويوقف بناء المساجد والمدارس الدينية، فقط هذه هي الصورة التي ساعدت الحزب في بناء شعبيته. الآن وللأسف مع صعود اليمين المتطرف يمكن أن يزداد أكثر خوف الناس، لذلك هناك تعليقات عدة تحمّل نياس مسؤولية صعود حزب يهدد الأجانب عموما ويدعي أن ثقافة المسلمين غريبة ومتدنية لا تناسب ثقافة السويدي الرفيعة والراقية.
الدرس الذي يجب استخلاصه من تجربة نيانس هو أنه وفي حال أراد هذا الحزب الاستمرار والاستثمار بما حققه من صرخة قوية بوجه السياسيين والأحزاب اليسارية تحديدا، عليه تغيير خطاب المغالاة والترهيب والتكفير، الذي اتبعته قيادات ومرشحين باسمه، ونحن وغيرنا لدينا متابعات واثباتات واضحة على لغة هذا الخطاب.
 على هذا الحزب الانفتاح على كل النخب في الجاليات المهاجرة، وعليه أن يفهم دور الإعلام في المجتمعات الديمقراطية وبدل أن يتهم ويخون كل من ينتقده بشكل موضوعي. عليه أن يفرق بين النقد الذي يمارسه الإعلام وبين التشهير وإطلاق التهم الخطيرة بحق وسائل الإعلام، خاصة التي يستطيع الاستقواء عليها. عندما نشرت سيدسفينسكا تحقيقا عن تجاوزات لاحد أعضائه في شتم اليهود والشيعة، سارع رئيس الحزب للاعتراف والاعتذار وفصل المتهم، بينما عندما كشفت الكومبس عن طرق التخويف والمغالاة وحتى التكفير التي تضر بهم أولاً وتضر بكل المسلمين، شنوا حربا ضد الكومبس واتهموها بالعمالة والخيانة والارتباط، تماما مثل لغة الديكتاتوريات في إسقاط معارضيها.

هناك، كما قلنا، شيء إيجابي من تجربة نيانس وهي هذه الإشارة أو الصرخة القوية التي أطلقها الحزب عندما لفت إلى فراغ كبير تركته الأحزاب السويدية التقليدية في مناطق مهمشة وتكاد تكون غير مشمولة في بيئة الديمقراطية السويدية، ومن الممكن وفي حال غير الحزب الأسلوب والخطاب يمكن أن يضمن مستقبل ما له ومن الممكن أن يحقق نجاحا أفضل في الانتخابات المقبلة.
دعونا لا نقول إن نيانس شتت الأصوات، كما يرى عدداً من المراقبين، دعونا نركز على الإيجابيات ونقول إن أصوات نيانس حتى وإن كانت لم تجلب له مقعدا واحدا إلى الآن على الأقل، فإنها من المفروض أن تكون قد أضافت درسا للديمقراطية السويدية ولقنت الأحزاب دروسا بضرورة الاقتراب أكثر من الناس، خاصة التي تشعر بالتهميش وتخاف من تنامي العنصرية الإسلاموفوبيا وتفتقر إلى المعلومات المجتمعية التي تضمن لها الأمان في تفسير قوانين السويد وتضمن لها الثقة بالمؤسسات السويدية، خاصة المؤسسات التي من واجبها خدمة الجميع، ومنها الصحافة.
بالنسبة لأصحاب الإقامات المؤقتة ومن ينتظر لم الشمل وغيرهم ممن لهم قضايا عند مصلحة الهجرة، نقول ونؤكد لهم أن لا داعي من الخوف المبكر على قضاياكم، لأن السويد لا تزال بلد المؤسسات وبلد القوانين، واي قانون لا يمكن تغييره بين ليلة وضحاها، ويجب موافقة البرلمان عليه، صحيح أن الـ SD سيحاول التأثير ولكن هو لا يستطيع لوحده تغيير شيء وان استطاع فهذا سيأخذ وقتا طويلا وسيكون ضمن اتفاقات حزبية سيراعي كل حزب ما وعد جمهوره به.

وقبل أن نجيب على سؤال السويد إلى أين؟ دعونا نؤمن بالتغيير وأن السويد لم تبق مكانها ولكن هل سألنا أنفسنا فيما إذا كان لنا مكان في قمرة قيادة السويد أم أننا مجرد ركاب خلف العربة

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.