السويد 2024 آمال كثيرة وآلام أقل

: 12/29/23, 3:29 PM
Updated: 12/29/23, 3:30 PM

في إحدى المناسبات العامة قال لي شخص جلس بجانبي مصادفة، أريد أن أسألك: هل يوجد مستقبل ما برأيك لأطفالنا في السويد بعدما انقلبت السويد علينا نحن الأجانب والمهاجرين؟ وهل لك أن توضح لي لماذا الكومبس تدافع أحياناً عن السويد وأحيانا تنتقدها؟ لماذا لا تتخذون موقفاً سياسياً واضحاً وثابتاً؟ هل موقفكم مرهون بالمساعدات التي تمنحها الحكومة لكم؟
على مبدأ ليس هناك سؤال غبي، الغباء ربما يكون في الإجابة، يمكن أن تستنتج أننا أمام مسؤولية شرح ولو بشيء من التبسيط ما هي الصحافة في بلد مثل السويد وما هو دورها وما هي أهدافها؟ استنتاج قد يكون مفيداً مع بداية عام جديد، من المتوقع أن يكون مليء بالأحداث والمتغيرات، ولا بد للصحافة أن يكون لها دور إيجابي في مساعدة المجتمع على مواجهة تحديات العام المقبل وما يحمله لنا من مستجدات، أهلاً بكم.

هناك فرق كبير بين المواد التي تنشرها أي وسيلة إعلامية، ولكن كما يعلم العديد منا، يمكن تصنيف كل المواد تحت قسمين رئيسيين، القسم الأول يضم المواد الإخبارية والقسم الثاني مواد لها علاقة بالرأي.
تحرص أي وسيلة إعلامية مهنية على أن تكون على درجة عالية من الحياد في كتابة أي خبر أو مادة خبرية، إضافة إلى الابتعاد عن وضع أي رأي خاص أو أية مشاعر أو عواطف.
من الممكن وضع تحليلات معينة، ولكن لا يمكن أن نسمي هذه المادة خبراً، يمكن أن يكون لها تسمية أخرى مثل تقرير أو تحليل أو غير ذلك. تحت قسم مواد الرأي هناك أيضا عدة أنواع من المواد، مثل الافتتاحية والزاوية اليومية، أو الأسبوعية، أو مقالات الرأي، أو المقالات الحوارية، وغير ذلك. في هذه المواد يحق للوسيلة الإعلامية إظهار رأي المؤسسة أو رأي الصحفيين العاملين بها، أو المتعاونين معها، أو حتى رأي كتاب ضيوف أو من القراء والمتابعين.
لذلك تلتزم الكومبس بالحياد عند كتابة الأخبار أو نقلها، ولكن هناك مساحات أكبر للنقد أو للرد أو للتحليل عندما يتعلق الأمر بمواد الرأي. هنا نرى أن هناك من يفسر هذا الاختلاف بين المادة الإخبارية ومواد الرأي على أنه تناقض تقع فيه المؤسسات الإعلامية.
النقطة الثانية والمهمة هو أن أغلب الصحف ووسائل الإعلام في السويد هي صحافة نقد مجتمعي أي أن مهمتها المراقبة والتحقيق وكشف الحقائق للناس، وبالتالي مكافحة الشائعات والمعلومات المضللة. فعندما قامت الكومبس بكشف حقيقة مجموعات كانت تروج لما تقول عنه إن السويد تخطف أطفال المسلمين، لم تتخل عن دورها في انتقاد وكشف أخطاء مؤسسات الدولة المعنية ومنها مؤسسات الخدمات الاجتماعية السوسيال، لأن محاربة الشائعات شيء وكشف الحقائق عما يمكن أن يجري من تجاوزات من قبل الموظفين شيء آخر، لكن كلا العملين يخدم المجتمع، ويخدم العائلات المتضررة من قانون الرعاية القسرية، وهذا ما قد يكون سبباً في تشويش البعض، لأن هذا البعض يتوقع من الوسيلة الإعلامية أن تنحاز إما إلى الدولة ومؤسساتها بشكل لا يدع مجالاً للنقد، أو أن تنحاز إلى روايات التضليل ونصب العداء للسويد. ويجب التنويه هنا أن الانحياز إلى روايات التضليل في كثير من الأحيان يجلب تعاطفاً من قبل المتابعين ويمكن أن يزيد من شعبية المواقع والصفحات التي تكتب فقط ما يريد أن يسمعه هؤلاء الناس المتعاطفين مع الضحايا دون أن يقدموا لهم الوجه الآخر للحقائق، أو أن يعطوا لهم الحلول والنصائح المفيدة، عبر المختصين وأصحاب التجارب .
ولعل الكومبس كانت ولا تزال ذات دور إضافي وهو نشر الوعي بطرق التعامل مع القضايا الاجتماعية وخصوصاً موضوع الأطفال وعلاقة الأهل مع المدارس ومع مؤسسات الدولة، عن طريق عمل مواد صحفية وتقارير واستضافة مختصين اجتماعيين وحقوقيين.
النقطة الثالثة التي يجب إثارتها من خلال الأسئلة التي وجهها لي مشكورا هذا الشخص، هو موضوع أن يكون لنا كوسيلة إعلامية موقف سياسي واضح وثابت. هنا نود أن نكرر بأن وسائل الإعلام المهنية يجب ألا يكون لها مواقف سياسية أو حزبية، طالما أن لها طابع إخباري، لكن أغلب وسائل الإعلام لها توجهات ضمن أطياف اليسار واليمين أو ضمن تيارات فكرية عامة. بالنسبة للكومبس ولأنها اختارت أن تقف مع الجهات الأضعف في المجتمع وتقدم لهم الخبر الصحيح والمعلومة الموثوقة، يمكن تصنيفها على أنها يسارية وهناك من يصنفنا على اليسار الليبرالي، مع العلم أن العديد من وسائل الإعلام السويدية تصنف على أنها ليبرالية يسارية، هذا لا يعني على الإطلاق أننا ننتمي أو حتى نتعاطف مع أحزاب يسارية أو ليبرالية، التوجه العام للصحيفة لا يعني الانحياز الحزبي، وهذا الإشكال نحن وقعنا به لأن هناك من اتهمنا بالارتباط بحزب الاشتراكيين الديمقراطيين، بسبب مواقفنا من العنصرية ووقوفنا مع الجهات الضعيفة في المجتمع. وهذا طبعا اتهام مسيء جدا لنا ولا يشرفنا على الإطلاق الانحياز إلى أي حزب أو جهة.
يبقى أن نشير إلى أن الكومبس لا تعتمد إطلاقا على المساعدات الحكومية، نحن حصلنا على مساعدات قليلة رمزية، لمرتين فقط من المساعدات التي تمنحها الحكومة السويدية من أجل تقوية استقلال الصحافة وحيادها. ولا ننسى أن السويد تمنح مساعدات أيضا للمساجد والجمعيات الدينية وغيرها، وهي مساعدات ليست مشروطة بتقديم أي ولاء
ونحن نفتخر كوننا أول وسيلة إعلامية غير ناطقة بالسويدية يتم معاملتنا مثل الصحف السويدية تماما.
نحن منذ البداية ومن وحي اسمنا الذي يعني الصديق، أردنا بناء علاقة صداقة مع المتابع، لذلك كان لا بد من إعادة توضيح لهويتنا ولدورنا ولما نقوم به من أجل أن تكون هذه العلاقة مع جميع المتابعين واضحة وقوية. لهذا السبب رأيت بمجموعة الأسئلة التي وجهها لي هذا الشخص الذي تحدثت عنه في بداية كلامي، مناسبة لكتابة هذا المقال، مع نهاية عام وبداية عام جديد.
لا شك أننا نودع عاماً صعباً، كنا ولا نزال نرى كيف تحصد آلات القتل مئات، بل آلاف من الأطفال والضحايا المدنيين في غزة دون أن يحرك ذلك المشاعر الإنسانية، حتى بدأ البعض يفقد ثقته بالمبادئ والقيم التي ينادي بها الغرب تماما كما فقد الثقة بأنظمة ودول الشرق.. مع كل ذلك لا نزال نتأمل أن تصحو البشرية وتنتصر لإنسانيتها، لتقول لا، لا للظلم ولا للقتل…كان العام الماضي ثقيلاً علينا جميعاً ونحن نرى المزيد من الفقر والمزيد من الغلاء والمزيد من القوانين الجائرة بحق اللاجئين والمهاجرين…عام مر ونتمنى ألا يحمل معه تزايد الكراهية وحالات الاستقطاب السياسي والتضليل والعنصرية، التي باتت واضحة من خلال ليس فقط التعليقات على السوشيال ميديا والعالم الافتراضي بل حتى في الحياة الواقعية.
دعونا نأمل بعام قادم جديد يحمل معه آمالاً كثيرة وآلاماً أقل، عام نتحمل به المسؤولية من خلال أولاً وقبل كل شيء أن نعرف واجباتنا وحقوقنا ونعرف كيف ندافع عنها ونطالب بها بطرق قانونية وديمقراطية، دعونا نؤمن بأننا مواطنون في السويد لنا حقوق وعلينا واجبات تماماً كما أي مواطن سويدي آخر، لأن تقوية شعورنا بالمواطنة لا يلغي ولا يتناقض مع افتخارنا بهوياتها الدينية والثقافية في مجتمع لا يزال يؤمن بالتعددية. دعونا نسمي هذا العام المقبل بعام المسؤوليات، لكي نزيد من مسؤولياتنا تجاه أنفسنا وتجاه المجتمع وتجاه مكافحة العنصرية والتطرف والكراهية. دعونا أن لا نبقى على الهامش ونكون مساهمين مع الكثير غيرنا بهذا البلد يعتقدون ويؤمنون بأن السويد لا تزال بخير طالما يوجد أمل مدعوم بالعمل من أجل التغيير في هذا العام نجدد معك عهد الصحافة والصداقة مع الكومبس صديقكم الناطق بالعربية والقريب منكم دائماً.
وللحديث بقية ولكن إلى اللقاء

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.