عدالة الحكومة عار على السويد

: 12/12/23, 3:50 PM
Updated: 12/12/23, 3:51 PM

عدالة الحكومة عار على السويد

هل التصريح الذي يعتبر وقف إطلاق النار في غزة إجراء غير عادل هو فعلا تصريح صادر عن وزير سويدي؟

هل هذه هي عدالة السويد التي نعرفها ويعرفها العالم؟ العدالة المقترنة بقيم الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ما حقيقة ما يجري في السويد حاليا؟

أهلا بكم،

ليس من العدل إيقاف الحرب في غزة الآن، يبرر وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، رفض الحكومة السويدية دعم طلب أوروبي لوقف إطلاق النار في غزة طرحته إسبانيا ومالطا وبلجيكا وإيرلندا، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أمس، الوزير السويدي يقول حرفياً: إن الدعوة إلى وقف إطلاق النار يعني أن إسرائيل لا تستطيع محاربة حماس، وهذا لن يكون عادلاً.

يتحدث توبياس بيلستروم عن العدالة إذاً، والعدالة التي يراها هذا الوزير وحكومته اليمينية، تتحقق باستمرار الحرب، يعني باستمرار القتل بعد أن تجاوز عدد الضحايا رقم الثمانية عشر ألف إنسان نحو سبعين بالمئة منهم أطفال ونساء، وبتدمير المساكن والمستشفيات والمدارس والبنى التحتية، ولا يزال هذا الوزير يعتقد بأن العدالة لم تتحقق إلى أن تتزايد أكثر فظاعة الكارثة، ومن لا يموت بقصف أحدث الصواريخ والقنابل عليه انتظار الموت جوعاً أو عطشاً أو من تفشي الأمراض.

وقبل أن نحكم على أن السويد كل السويد تعتقد وتفكر بأن هذه هي العدالة، دعونا نذكر ونراجع الحقائق التالية:

أغلب بل جميع أحزاب المعارضة التي تفوق شعبيتها شعبية أحزاب الحكومة حالياً، تنتقد هذا الخط المؤيد لاستمرار القتال في غزة، حزب الاشتراكيين الديمقراطيين وهو أكبر الأحزاب السويدية وعلى لسان الناطق باسم السياسة الخارجية مورغان يوهانسون قال إنه من المحزن والمؤسف أن تقف السويد ضد قرارات أممية وأوروبية لوقف النار في غزة، بينما كتبت رئيسة حزب اليسار نوشي دادغوستار على منصة إكس متسائلة: كم عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا قبل أن تتفاعل هذه الحكومة؟ مضيفة إنه من “العار” ألا ترغب الحكومة في دعم اقتراح الاتحاد الأوروبي للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار. انتقادات مماثلة رأيناها من حزب الوسط والبيئة.

الحقيقة الثانية التي يجب ألا تجعلنا نحكم على أن السويد كل السويد مع مفهوم عدالة بيلستروم، هو أن هذه الحكومة تحكم بشعبية متدنية جداً، ورغم مرور أكثر من عام بقليل على استلام هذه الحكومة مقاليد الحكم عبر اتفاق تيدو ورغم أننا لا نزال نشاهد هذا التوغل في انجاز مشاريع تغيير وجه السويد، وصورتها في الداخل والخارج، فإن ما يدعو فعلاً إلى الاستغراب والسخرية أن شعبية أحزاب الحكومة بالحضيض، حيث وصلت شعبية حزب الموديرات إلى حوالي سبعة عشر بالمئة فقط، وشعبية رئيس الوزراء إلى أقل من تسعة وعشرين بالمئة.

ولا يمكن إغفال الأصوات الشجاعة التي بدأت تظهر بالصحافة ووسائل الإعلام لشخصيات ومنظمات مدينة تطالب بقوة بأن تدين السويد أعمال القتل والدمار التي تمارسها إسرائيل في غزة، من بين هذه الأصوات، رئيس منظمة يهود من أجل السلام الإسرائيلي الفلسطيني ستيفان غرانير ورئيس مجموعات نصرة الشعب الفلسطيني في السويد هنريك كارلبوري اللذان اعتبرا أن العمل العسكري الذي تقوم به إسرائيل ضد السكان المدنيين في غزة عمل غير أخلاقي على الإطلاق ويؤدي إلى نتائج عكسية وينتهك القانون الدولي.

إضافة إلى شخصيات مثل رئيس الوزراء الأسبق عن حزب المحافظين كارل بيلد، وهو نفس حزب وزير الخارجية الحالي (تبع العدالة) كارل بيلد طالب السويد والدول الاسكندنافية بدعم اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش تفعيل المادة التاسعة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة بشأن الوضع في غزة من أجل فرض وقف فوري لإطلاق النار.

لا بد أيضا أن نرى بعض التحولات في الصحافة السويدية التي استشعرت خطر الانحياز بدعوى التوازن واستشعرت خطر إخفاء الحقائق عن الناس في السويد، ومع أن ثمن هذه الصحوة المتأخرة أو التي لا تزال خجولة عالي جداً بعد استفحال الكارثة في غزة.

هنا لا بد من الإشارة إلى افتتاحية لصحيفة داغينزنيهيتر تحت عنوان يذكّر أولف كريسترشون بأنه رئيس وزراء للمسلمين أيضاً، لأن ما يجري في غزة يلقي بظلاله على السويد أيضاً، حيث تزداد موجات الكراهية والإسلاموفوبيا ومعادة السامية. وفي حين تركز الحكومة على معاداة السامية وعلى ما تصفه بأنه تعاطف مع الإرهاب.

إذاً هناك عدة حقائق واضحة، تبين أن ما يجري في السويد هو صراع بين المحافظة على قيم هذا البلد الذي نشأت عليه قيم ومبادئ عرفها العالم عن السويد، كطابع وهوية اقترنت باسم السويد، وبين من يحاول الانقلاب على هذه المبادئ.

هناك قوى سياسية عدة وقوى مجتمع مدني ومنظمات حقوقية وإنسانية تسعى إلى وقف هذا الانقلاب، ولكن السؤال هو: ما دور هؤلاء المتضررين من تغير وجه السويد وصورتها الإنسانية؟ ما دور هؤلاء اليائسين والمحبطين من سياسة السويد الجديدة؟ هل يكفي فقط الجلوس أمام شاشات التلفزيون ومشاهدة الفضائيات العربية؟ أم أن للجميع دوراً ومكاناً في النقاش الدائر، بداية بالذهاب إلى صناديق الانتخابات والتصويت للأحزاب التي فعلاً يمكن أن تغير وقادرة على أن تحمي السويد التي نعرفها، ولا تنتهي بالمشاركة بمسيرات ومظاهرات حضارية تعكس قوة تأثير الجميع من خلال ما هو متاح قانونياً وديمقراطياً ومروراً بالاستفادة من حرية الرأي والتعبير في أي مكان مع الانتباه إلى خطر بث الشائعات المعلومات المضللة التي تحاول فصل الناس وعزلها وإبعادها عن الفعل والتفاعل في المجتمع.

عندها نستطيع أن نصحح مفهوم العدالة لدى سيادة وزير الخارجية، العدالة التي تميزت بها السويد وبحثت عنها داخلياً وخارجياً.

وللحديث بقية ولكن إلى اللقاء.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.