لماذا ستغير الحرب الأوكرانية العالم؟

: 10/14/22, 11:36 AM
Updated: 10/14/22, 11:56 AM

لماذا نرى تعاطفاً عربياً واضحاً مع روسيا حتى من العرب الموجودين في السويد؟ ولماذا تنحاز السويد إلى جانب أوكرانيا بهذا الشكل المبالغ به، حسب ما يرى البعض، شيطنة بوتين على الطريقة الأمريكية لشيطنة صدام حسين، خروج في بعض الأحيان عن قواعد حياد ومهنية العمل الإعلامي الذي تفتخر به الصحافة السويدية، إضافة إلى انحياز سياسي كامل ومساعدات مالية وعسكرية سخية.

حتى لو لم تندلع الحرب العالمية الثالثة الآن بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، كما يخشى البعض، فإن نتائج هذه الحرب ستشبه حتماً أو تكون أكثر كارثية من الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية، تغييرات كبيرة سيشهدها العالم بسب حرب روسيا مع جارتها الشقيقة، في حال ربحت روسيا الحرب أم خسرتها.
لماذا نرى تعاطفاً عربياً واضحاً مع روسيا حتى من العرب الموجودين في السويد، ولماذا تنحاز السويد إلى جانب أوكرانيا بهذا الشكل المبالغ به، حسب ما يرى البعض، انحياز سياسي كامل ومساعدات مالية وعسكرية سخية وخروج في بعض الأخيان عن قواعد حياد ومهنية العمل الإعلامي الذي تفتخر به الصحافة السويدية؟
أهلا بكم
بشكل مفاجئ، وبدون أي مبررات، تعرضت العاصمة السويدية ستوكهولم لقصف جوي من قبل طائرات سوفيتية، كان ذلك في يوم 22 فبراير من العام 1944. أي قبل عام تقريباً من هزيمة ألمانيا النازية ونهاية الحرب العالمية الثانية، إلى الآن هناك اختلاف بين السياسيين حول أسباب هذا القصف المفاجئ الذي لم يتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا. السوفييت رفضوا الاعتذار بل والاعتراف أصلا أن طائراتهم هي التي قصفت، لكن هذا الهجوم عزز العقيدة الدفاعية السويدية التي تضع روسيا العدو الاستراتيجي الأخطر على السويد.

السويد كما نعلم حافظت على حياد استمر 130 عاماً، ومع أن دولاً بعيدة عن ألمانيا وأوروبا وقفت مع هتلر مثل اليابان، ومثل الولايات المتحدة التي وقفت ضده، فإن السويد الواقعة على مرمى حجر من ألمانيا وعلى شمرة عصا من روسيا بقيت محافظة على حيادها في حرب كلفت البشرية أكثر من 60 مليون قتيل عدا الجرحى والدمار وتشريد الملايين.
سياسة الحياد السويدية استمرت حتى أثناء الحرب الباردة، وكما جنبت هذه السياسة السويد ويلات الحرب الساخنة جنبتها الوقوع في تجاذبات وصراعات الحرب البادرة، بل استطاعت السويد تحقيق مكانة دولية مرموقة بفضل مساندة أولف بالمه لحركات التحرر العالمية التي كان الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية تقف إلى جانبها.
ولكن ما الذي تغير الآن؟
لماذا تخلت السويد وفنلندا عن سياسة النأي بالنفس واختارتا الوقوف في وجه روسيا؟ بعد مرور جيل واحد فقط على إخماد لهيب الحرب الباردة؟
يقول السويديون إن أطماع بوتين وفي حال نجح في قضم أوكرانيا، والوصول إلى شواطئ أوسع على البحر الأسود، ستجعله يتمادى ويتمدد شمالاً إلى التخوم السويدية، لتوسيع شواطئه على بحر البلطيق.
حجة سويدية تبدو مشروعة، خاصة أن بوتين يعتقد بأن تفكك الاتحاد السوفيتي هو أكبر هزة جيوسياسية في العصر الحديث، أراضٍ ومنافذ بحرية عدة خسرتها موسكو، بل تحول بعضها خاصة دول البلطيق الثلاثة إلى قواعد متقدمة لحلف الناتو.
روسيا من جهتها ترى أنها وفي حال غضت النظر عن توسع الناتو وسكوتها عن وصول الحلف إلى أوكرانيا يعني كمن يغض النظر عن اليوم الذي سيشهد موعد إعدامه.
من هنا ومن خلال مراقبة تصريحات وتصرفات القيادة الروسية نرى أن هذه الحرب بالنسبة لهم هي قضية حياة أو موت، وأن أي تراجع يعني خسارة تؤدي إلى انهيار وتفكك جديد للاتحاد الروسي، وبالتالي تحول روسيا إلى مجموعة أجزاء مفككة بدون حول ولا قوة.
ولكن ماذا لو نجحت روسيا في الحرب وحققت أهدافها بإخضاع كييف بمعاهدة تجردها من الأراضي التي تضمن تواصلاً روسياً مع شواطئ أوسع كما قلنا على البحر الأسود، وتضمن عدم وجود جيش أوكراني يهددها في المستقبل؟
عندها ستخسر أمريكا، لأن الأمريكان سيجدون من ينافسهم ويقول لهم لا عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على العالم من خلال سياسة القطب الواحد، من هنا نرى أن شعوبا عدة ومنهم أعداد كبيرة من العرب، يرون في الانتصار الروسي هزيمة لما يرونه طغياناً أمريكياً.
نعم الأمور معقدة ومسائل الربح والخسارة حاسمة لأطراف دولية وإقليمية عدة، وما يزيد الأمور تعقيداً وجود خطر استخدام السلاح النووي، وبالتالي التهديد بانهيار البشرية.
السويد كدولة صغيرة نسبياً تجد نفسها مضطرة للانضمام إلى تكتلات وتحالفات تحميها من الخطر الروسي، حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بسياسة الحياد التاريخية التي ميزتها لسنوات طويلة.
في العام 1944عجزت الرادارات والمضادات السويدية عن تحديد ومواجهة الطائرات التي ألقت بقنابلها على العاصمة السويدية ضمن سابقة هي الأولى في تاريخ السويد.
قصف الطائرات طال أيضا عدداً من المرافق بالعاصمة، ووقعت قنبلة بلغ وزنها 100 كلغ على مسرح الهواء الطلق في ستوكهولم، كما استهدفت الطائرات مدينة سترينغنس (Strängnäs) الواقعة غرب ستوكهولم بعدد من القنابل.
بعد القصف أفرجت السويد عن جاسوس روسي محتجز لديها، كانت موسكو تطالب به، كردة فعل الخائف من قصف جديد، أو كردة فعل القائل ابعد عن الشر وغني له، الآن السويد كما يبدو لا تريد أن تغني لوحدها وقررت الانضمام إلى جوقة الناتو.
وهذا ما قد يفسر انحياز الإعلام السويدي وابتعاده أحيانا عن الحيادية الصحفية في نقل أخبار الحرب وتداعياتها، التركيز مثلا على بوتين في كل عنوان تقريبا من عناوين متابعة الحرب وتطوراتها، يذكرنا بالإعلام الأمريكي الذي ركز على شيطنة صدام حسين، ونجح في خلق الشخصية الشيطان لدى أذهان المواطنين خاصة سكان الدول الغربية.
شيطنة بوتين على الطريقة الأمريكية في شيطنة صدام، يراد منها حسب ما قال لي عدد من الصحفيين السويديين ممن تحدثت معهم، يريد أن يقدم انطباعاً بأن مشكلة السويد والغرب ليست مع روسيا الشعب أو مع روسيا المؤسسات، بل مع شخص ديكتاتوري، لكن السؤال هل فعلا فقط بوتين هو من يفكر بأن إبعاد الناتو عن أراضيه هي قضية موت أو حياة؟ أم أن موته في حادث الآن أو بسبب مرض ما يمكن أن يأتي بشخص أكثر شيطانية وعداء للغرب؟
وللحديث بقية.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.