هل السويد تروج بصورة مبالغ بها للمثلية الجنسية؟

: 8/20/21, 10:54 PM
Updated: 8/24/21, 12:50 PM

حلقة جديدة من برنامج “ولكن” مع د. محمود آغا

أعلام المثلية الجنسية والتذكير بتقبل الآخر

أثناء احتفال مدينة مالمو السويدية والعاصمة الدنماركية كوبنهاغن معا بمهرجان المثليين العالمي، شاهد المارة مظاهر هذه الاحتفالات وتابع العديد أيضا تغطيات إعلامية لهذا الحدث، العديد منا ربما كان قلقا أو غاضبا أو غير مستوعب لهذا الاهتمام ربما الزائد، بفئة يعتبرها البعض منبوذة ومهمشة خاصة في عدة دول ومجتمعات، بل يقام عليها الحد وتقتل في مجتمعات أخرى.
أثناء جولة لي في شوارع مالمو، قبل أيام، مع أحد الأصدقاء وهو من حملة الشهادات العليا، قال لي بحسرة وألم وهو ينظر إلى أعلام المثلية الجنسية بألوان قوس قزح، التي ترفرف في كل مكان من حولنا، كيف يمكن العيش هنا في بلد يشجع على المعصية وعلى الشذوذ؟ ماذا أقول لأطفالي الذين يعيشون هنا، ويشهدون هذه الأعلام، انظر حتى مقاعد الأماكن العامة صبغت بهذه الألوان المستفزة.

من المهم قبل أن نحكم على الأمور، أن نمر أولا مرورا سريعا على تاريخ التعامل مع المثليين في السويد تحديدا، وفي أوروبا والعالم بشكل عام. حتى نفهم لماذا تهتم السويد الآن بتقديم الدعم والتعاطف مع المثلية الجنسية بأنواعها. ولكي نعرف هل فعلا السويد تبالغ في الدعم والترويج للمثلية الجنسية؟
وقبل أن نعطي هذه اللمحة التاريخية من المهم أن نقول لهؤلاء المغالين بالتخوف وللمبالغين بالاشمئزاز والاستغراب، أن موضوع المثلية هو موضوع موجود وقائم وليس محصورا بشعب أو جنسية أو بأتباع ديانات مختلفة، هو موجود وقد يفاجئ أناس كثر عندما يكتشفون أن أقرب الناس لهم يمكن أن يكونوا من المثليين جنسيا بشكل أو بآخر.
النقطة الثانية والتي يمكن استنتاجها من خلال اللمحة التاريخية السريعة التي سنلقيها على تاريخ التعامل مع هذا الواقع، هو أن كل الأديان خاصة السماوية حرمت العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج فما بالك بنظرة هذه الأديان إلى علاقات جنسية بين أشخاص من نفس الجنس؟
ولكن هل نحن نعيش الآن في عصر دين جديد اسمه دين حقوق الإنسان والعلمانية، والذي من أهم مبادئه المساواة وعدم التمييز بين البشر بسبب لون بشرتهم ومعتقداتهم وميولهم، بما في ذلك الميول الجنسية؟
حسب تصنيف العديد من علماء المجتمع الحديث، الجواب هو نعم، المبادئ التي تتبناها حاليا المجتمعات الغربية حاليا يمكن تصنيفها كدين جديد له حتى أنبياء وقديسون ومواثيق وشعائر، حسب عدد من علماء الاجتماع، الذين اعتبروا الإنسان العاقل بشكله الحالي متميزا عن باقي المخلوقات بقدرته على التخيل، أي تأليف أفكار من مخيلته: فهو تخيل الآلهة وصنع الأديان وتخيل القومية وصنع الدول وابتكر المال والبنوك والشركات في مجال الاقتصاد وبعدها اخترع مواثيق حقوق الإنسان تماشيا مع المتغيرات والدروس التي تعلمها. إذا الإنسان نفسه الذي وضع قوانين لحفظ نوعه وحماية تطوره هو نفسه الذي وجد حاجة لتغيير هذه القوانين مع المتغيرات التي حصلت من حوله. وهذا أيضا حسب قول عدد من علماء المجتمع.
في وقت ليس بعيدا كانت أوروبا العصور الوسطى، تُنزل عقوبة الموت وبطرق وحشية بالمثليين الجنسيين، خاصة الرجال منهم، لأن إثبات مثلية النساء كان أصعب على القضاة، وهنا في السويد كان الفصل 18 من القسم العاشر من قانون العقوبات يُعاقب على العلاقات الجنسية المثلية بالحبس مع الشغل لمدة أقصاها سنتان حتى العام 1934
والسبب في إزالة هذا الحكم هو كثرة حالات الابتزاز وصعوبة إثبات التهمة، وليس بسبب التعاطف مع المثليين. ومع ذلك بقيت الممارسات الجنسية من هذا النوع غير قانونية حتى العام 1944. ولكن تم اعتبار المثلية الجنسية مرضاً. استمرت وصمة المرض على المثليين حتى عام 1979، أي قبل حوالي 40 سنة فقط.
أثناء هذه الفترة تكبدت ميزانية الضمان الصحي مبالغ طائلة، لأن العديد ممن كانوا يريدون اخذ إجازات مرضية يتصلون فقط بصندوق التأمينات الاجتماعية، ويقولون على سبيل المثال أنهم لا يستطيعون العمل لأنهم مرضى بمرض المثلية الجنسية، عندها اضطرت السويد لإزالة صفة المرض عن المثليين الجنسيين.
في أواسط الستينيات ظهرت حركات اجتماعية وسياسية خاصة في الولايات المتحدة تنادي بحقوق الجنسية كانت تنادي باستخدام كلمات وعبارات تدعو إلى الاعتزاز أو الفخر بما خلقهم الله فيه، حسب معتقدات البعض أو بما أوجدتهم الطبيعة عليه حسب معتقدات آخرين.

ركزت الحركات الاجتماعية للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية (LGBT)، أو مجتمع الميم، على مساعدة المثليين في تقبل أنفسهم ومساعدة الشخص لنفسه، مثل الحركة الهوموفيالية (homophile) في الخمسينات، وركز بعضها على مسألة الحرية الشخصية، وعلى المطالبة بتساوي الحقوق، مثل الحركة الألفينية من أجل المساواة في الزواج.
حاليا وضمن ما يسمى دين المجتمع الغربي الجديد حسب تصنيف بعض علماء المجتمع، كما قلنا، وهو دين حقوق الإنسان، قررت أوروبا والغرب إعادة الاعتبار لهذه الفئة المضطهدة بتنظيم مهرجانات الفخر سنويا والذي يشارك به شخصيات سياسية ووزراء وشخصيات مشهورة.
ليس بالضرورة كل من يشارك بهذه المهرجانات هو مثلي الجنس، مع أنه لا يوجد مشكلة أمام العديد من كونهم ينتمون إلى هذه الفئة، ولكن فقط لإظهار الدعم والتأييد لحق من حقوق الإنسان، وعلى فكرة السويد حصلت على أول وزير مثلي الجنس بشكل علني العام 2006 وهو (أندرياس كارلغرين) فيما كان وزير الهجرة في حكومة يمين الوسط مزدوج الميل الجنسي وهو (توبياس بيلستروم).
إلى الآن لا يوجد تقبل تام وعلني للمثليين حتى في المجتمعات الغربية، ومنها السويد، وهناك أحزاب ومنظمات يمينية متطرفة تنادي بنبذهم وعزلهم.

قد يتساءل البعض كيف كان جوابي لصديقي الخائف على أطفاله في زحمة الأعلام ذات ألوان قوس وقزح! نعم، كان جوابي بسيطاً جداً، تحدثت معه ضمن إطار أن يكون واضحاً وألا يصبح كلامه نقيضا لما يشاهده طفله ويسمعه في المدرسة وفي المجتمع الذي نعيش به، قلت له: حاول أن تشرح الأمور ببساطة كما هي.
لا أحد يمنعنا من تعليم أطفالنا عاداتنا وتقاليدنا التي تعلمناها من مجتمعاتنا، ولكن سيكون من الصعب على الجميع الوقوع في تناقض نفي ما نراه من حولنا، والسقوط في مستنقع الكراهية للآخرين.
صحيح هناك، وكما نحن نرى، مبالغة من قبل بعض وسائل الإعلام في طريقة التعاطف ودعم أي فئة ضعيفة، ولكن ليس بالضرورة أن نوافق ونؤيد كل شيء نراه في الإعلام، ما يجب أن نكون واثقين منه هو تقبل الآخر وعدم نشر الكراهية ضده فقط لأن ميوله تختلف عن ميولنا، ويجب في النهاية أن نعرف ونتذكر أننا نعيش في بلد اسمه السويد، ويجب أن نتعرف أكثر على هذا البلد وكيف تسير الأمور هنا، حتى نكون جزءاً من المجتمع ولا نعيش فقط على الهامش.

اقتباسات

من الضروري أن نفهم لماذا تهتم السويد الآن بتقديم الدعم والتعاطف مع المثلية الجنسية بأنواعها. ولنعرف هل فعلا السويد تبالغ في الدعم والترويج للمثلية الجنسية؟

بقيت الممارسات الجنسية من هذا النوع في السويد غير قانونية حتى العام 1944. ولكن تم اعتبار المثلية الجنسية مرضاً. استمرت وصمة المرض على المثليين حتى عام 1979

في وقت ليس بعيدا كانت أوروبا العصور الوسطى، تُنزل عقوبة الموت وبطرق وحشية بالمثليين الجنسيين، خاصة الرجال منهم

ليس بالضرورة كل من يشارك بهذه المهرجانات هو مثلي الجنس، مع أنه لا يوجد مشكلة أمام العديد من كونهم ينتمون إلى هذه الفئة

لا أحد يمنعنا من تعليم أطفالنا عاداتنا وتقاليدنا التي تعلمنها من مجتمعاتنا، ولكن سيكون من الصعب على الجميع الوقوع في تناقض نفي ما نراه من حولنا، والسقوط في مستنقع الكراهية للآخرين

إلى الآن لا يوجد تقبل تام وعلني للمثليين حتى في المجتمعات الغربية، ومنها السويد، وهناك أحزاب ومنظمات يمينية متطرفة تنادي بنبذهم وعزلهم.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.