ولكن: الكذب في السويد وحرية التعبير!

: 6/17/23, 12:34 PM
Updated: 6/20/23, 5:43 PM

الوشايات الكاذبة في السويد الساذجة!

في السويد يمكنك أن تكذب وتنشر منشورات ضد الحكومة والبلد وضد الملكية والملك، كما تشاء ولا أحد يتعرض لك، ويمكنك أن تقوم بشن حملات تضليلوكراهية ضد مؤسسات الدولة ولا يمكن لأحد أن يفكر بتكميم فمك، كل ذلك بحجة حرية التعبير المقدسة. في المقابل وفي حال كذبت بأن تقول مثلا أنك لم تضرب ابنك إذا كان ابنك يقول إنك ضربته فعلا، فستكون عواقب الكذب هنا ثقيلة عليك وربما على كل العائلة، هل هذه مفارقة؟ إذا ما هو مفهوم الكذب والوشاية الكاذبة وكذب السياسيين وكيف تتعامل السويد مع كل هذه الظواهر.
يستغرب البعض لماذا لا تُجرم السويد أو تُغرم من يمارس الكذب العام، ويزيد الاستغراب عندما ترى أن السويد تسمح أو على الأقل لا تمنع أشخاصاً وقنواتٍ وصفحاتٍ تمارس الكذب بشكل واضح وفاضح، حتى لو كان هذا الكذب يمكن أن يؤثر على سمعة البلاد، بل وعلى أمنها أيضا. أثناء احتدام حملة التضليل والكراهية ضد السويد ومؤسسة السوسيال تحديداً، كانت السويد تعرف أن معظم قادة هذه الحملة كانوا وهم في السويد، يمارسون الكذب والتحريض بصورة جائرة، وبطريقة تلحق الضرر بالسويد وتسيئ لها، أمر يبدو غير منطقي أو معقول، وكان الكذب يتحول إلى شتم وإساءات وحتى إلى تشهير بمؤسسات وأشخاص بطريقة غير أخلاقية، تعتمد على هدف الإسقاط الموجه، لكل من يجرب حتى أن يصحح كذب هذه المجموعة، أي أنهم كانوا يعتمدوا على مبدأ الاستهداف الشخصي لتكميم الأفواه التي فقط كانت تطالب بطرح موضوعي وواقعي لمسألة سحب الأطفال، ومع ذلك لم تقم السويد بأي إجراء لوقفهم، أو لتكميم أفواههم التي تفوح منها رائحة الكراهية.
الإجراءات التي قامت بها الشرطة السويدية مؤخراً ضد البعض منهم، إجراءات لها علاقة بقضية تهريب للأطفال خارج السويد، وليس لها علاقة على الإطلاق بمعاقبتهم على الكذب والتشهير ونشر الاشاعات الهدامة التي كانوا يقومون بها.

نعم يمكن أن نستغرب عدم قيام السويد بأي إجراء لتوقيف هؤلاء الأشخاص، على تهمة ثابتة ومعلنة، تتعلق بأمن الدولة، عقابها في أي دولة عربية أو حتى أجنبية أخرى، هو الاعتقال وحجب القنوات، وربما إرسال المتهمين في رحلة إلى ما وراء الشمس، رحلة باتجاه واحد..
ولكن الأمر يختلف هنا، وحتى لا يطول استغرابنا، يمكن القول وبشكل مختصر جداً، بالنسبة للسويد الحفاظ على حرية التعبير هو شيء مقدس، ومسألة الكذب وحتى التضليل يجب أن يواجه بطرق أخرى.. لأنه لا يوجد معايير للصدق والكذب، وما هو كذب بالنسبة لك قد يكون حقيقة بالنسبة لغيرك، لذلك القانون في السويد لا يحاسب على الكذب، إلا في قضايا تتطلب منك شخصياً ألا تخفي معلومات أو لا تشوه بيانات لتضليل القضاء، مثل توقيعك على ورقة فيها نص صريح بأن البيانات التي تركتها يجب أن تكون صحيحة، وهذا شأن قانوني مختلف عما نتحدث عنه الآن، وليس له علاقة بحرية الرأي.
هنا حتى السياسيين يكذبون، يعدون الناخب بكل شيء، وبعد الانتخابات يبررون عدم وفائهم بالوعود بحجج وكذب جديد.
وهذا يعتبر ضمن لعبة حذرة أيضاً، لأنك كسياسي لا تستطيع أن تكذب طوال الوقت وعلى كل الناس، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالسلوك الشخصي للسياسي وبنزاهته، لأن الصحافة والرأي العام بالمرصاد لكل الشخصيات العامة، ومن السهل أن تُحرق أي شخصية سياسية أو اجتماعية إذا فقدت مصداقيتها أمام الناس.

في إحدى الفعاليات التي نظمتها سلطة مكافحة الحرب النفسية، مع عدة مؤسسات سويدية، أثناء حملة التضليل لمناقشة كيف يمكن مجابهة هذه الحملة ونتائجها الكارثية على السويد، كارثية لأنها اعتبرت أسوأ حملة تواجهها البلاد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يتطرق أحد من المشاركين طوال الندوة إلى طريقة إيقاف هؤلاء شلة الكذب والتضليل ولم يبحث أحد في كيف يجب إغلاق قنواتهم ومنعهم من الكلام أو حتى السؤال في ضرورة استدعائهم وتوجيه تنبيه لهم أو ملاحظات، حول خطورة ما يقومون به.
كل النقاشات أثناء الندوة تركزت على كيف نُوضح وجهة نظر السويد وننقذ صورتها الصحيحة وكيف نشرح للآخرين أن السويد مسكينة ومظلومة، من تهم خطف أطفال المسلمين. حتى أن مؤسسة من مؤسسات الدولة أرسلت لنا مقالا بعنوان: السويد لا تخطف أطفال المسلمين…يعني هذه يراد لها علاء أبو دياب حتى يعمل عليها “ستاند آب كوميدي” عنوان يبدو ساذجا وكأن الذي كتبه يعيش في عالم آخر.

عندما جاء دوري بالكلام، حاولت أن أوضح لهم، أن المتضرر الأول والأخير من هذه الحملة، ليست سمعة السويد بل نحن الأجانب خصوصاً المسلمين والعرب في هذا البلد، والخطر الكبير هو أنه وللأسف جزء لا بأس به من سكان السويد العرب يسمع لهؤلاء ويصدقهم، وهناك عائلات تركت السويد فعلاً بسببهم، وهناك عائلات أخرى تعيش بحالة عدم يقين وخوف ورعب من مؤسسات السويد، وهناك اليمين المتطرف الذي يستغل هذه الفجوة ليثبت أننا كعرب أو مسلمين بعيدين كل البعد عن الاندماج. قلت لهم بصراحة أنا كسويدي من أصل عربي قد يكون آخر همي سمعة السويد في الخارج، ولكن ما يهمني أكثر هو سمعتي أنا كلاجئ أو مهاجر عند السويديين في داخل السويد، ما يهمني هو وقف هذه الحملة لأنها تزيد من معاناة كل العائلات التي فقدت أطفالها بسبب قانون الرعاية، ومنهم حتماً عائلات مظلومة، وهمي ما نشاهده من ازدهار يتمتع به اليمين المتطرف الذي يقف بالمرصاد لي ولغيري من أجل زيادة شعبيته، على حساب تسجيل أخطائي واثبات تعثري بالاندماج.
وهذا ما حصل فعلاً بعد أشهر من هذه الندوة، حصلت الانتخابات في سبتمبر 2022 والباقي عندكم…صعد اليمين وازدادت القوانين المتعلقة بالأطفال ورعايتهم شدة، ولم يرجع أي طفل إلى أهله، عن طريق هؤلاء شلة الكذب والتهريج، وما نسمعه الآن أن منهم من تاب وأصبح مصلحاً اجتماعياً مناصراً للسوسيال ولقوانين السويد، ومنهم من هو ملاحق خارج السويد بسبب قضايا جنائية، ولكن لا يوجد أحد منهم معتقل أو موقوف أو مطلوب بتهمة الكذب والتضليل والتشهير الذي مارسوه علنا علينا وعلى العرب والأجانب في السويد. ما نشاهده الآن أن السويد عادت إلى مكانتها الدولية واجتازت أزمة تشويه صورتها، لكن السؤال هنا من يعيد صورتنا غير المشوهة نحن الأجانب خصوصاً العرب والمسلمين في المجتمع السويدي؟ بعد أن شوهها الكذب والاحتيال واستغلال قضايا ومعاناة الناس خاصة غير القادرين على الاندماج؟

في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وعندما أتت موجات لجوء كبيرة من سوريا ولبنان أغلبهم من إخواننا السريان، كانت السويد تسهّل منح الإقامة للسريان القادمين من لبنان وتصعّبها على السريان القادمين من سوريا، لأن السويد كانت تعتبر أن السرياني في سوريا له حقوق مدنية كاملة، بينما السريان في لبنان فهم يعانون من التمييز مثلهم مثل أقليات عدة أتت إلى لبنان بعد تأسيسه، ومنهم الأكراد وبعض الأرمن، لذلك كان عدد من سريان سوريا يدعون عند تقديمهم طلب اللجوء. أنهم من سريان لبنان، وكانت مصلحة الهجرة تصدق لأن الإجراءات لم تكن مشددة، ولم يكن هناك فحص لهجات وغير ذلك، بعد فترة أخذت مصلحة الهجرة تفتح ملفات بعض هؤلاء ممن أخذوا الإقامة، لذلك وكما أذكر استدعى التلفزيون السويدي مدير الهجرة وكان اسمها مصلحة الأجانب، للاستفسار عن الموضوع، وكان السؤال الأول للمدير من الصحفية وبنبرة غضب: هل قررت مصلحة الأجانب تغيير مهمتها إلى مهمة بوليسية لملاحقة الناس والتفتيش بملفاتهم؟ لماذا تلاحقون الناس بهذا الأسلوب؟ جواب المدير كان صادماً قال لها نحن لا نلاحق أحداً، نحن تصلنا الوشايات لحد عندنا، هم يشون ببعضهم، ونحن من واجبنا أن نتحقق ونفتح الملفات على أساس الوشايات.

للأسف البعض منا يمارس الكذب على قدر ما تسمح له أخلاقه أو قلة أخلاقه، أو بحسب ما يسمح له شعوره بالوقاحة أو السعادة الثانية، حسب المثل القائل: الوقاحة هي السعادة الثانية، مستغلاً ما قد يعتبره سذاجة سويدية، ليشي بالآخرين خصوصاً القريبين منه. لقد مرت علينا قصص تتعلق بسحب الأطفال كان الأساس فيها هو بلاغ كاذب من أحد الأقارب المقربين جدا من العائلة، زوج يشي بزوجته ويقدم ضدها بلاغ قلق لكي يحرمها من طفلها، ويتزوج بدلاً عنها، قريبة تشي بقريبتها انتقاماً وغيرة.. وهكذا
كل ذلك فيما تزداد أكثر وأكثر ممارسة السعادة الثانية عن طريق الكذب عندما يكون الشخص مجهولاً وغير معروف.
تماماً كما يفعل أصحاب عدد من المواقع المجهولة والتي تتخذ أسماء توهمك. أنها رسمية، والحقيقية أن لا أحد يعرف هوية من يدير هذه المواقع لأنهم أحيانا يستخدمون أسماء مستعارة بث سمومهم، يسرقون أخبارنا وأخبار غيرنا ويشوه بها على مزاجهم، يزيدون ويحرفون كلام المسؤولين والوزراء، حادثة تحدث في ألماني يقولون إنها في السويد، بل هناك موقع مشبوه قادته وقاحته إلى أن يضع عنوانه نفس عنوان مقرنا في ستوكهولم، وعندما نجابههم مهنياً، يطلعون علينا بمقالات سخيفة وبأسلوب قديم معروف من أساليب الإسقاط الشخصي، الهجوم على الشخص بدل الرد على حقائق تدين عملهم.
مثل هذا الموقع ومن الناحية العملية تستطيع الحكومة هنا حجبه بسهوله، خاصة أن كل “سيرفارته” موجودة خارج السويد، لكن قوانين السويد وأعرافها لا تسمح، بحجب المواقع…مع أنه موقع يحمل اسم يوهم أنه موقع رسمي، ويبث السموم ضد البلد والمجتمع ويضلل العرب في السويد وفي الخارج.

السويد كما قلنا، لا يمكنها أن تكمم أفواه أحد، تفضل اكذب.. واكذب.. واكذب كما تشاء، ولكن يوجد دائما ما يسمى المراقبة الذاتية والمصداقية والرادع الأخلاقي، القانون يسمح بالكذب، ولكن المجتمع يعول على الناس وعلى حسن ادراكهم، ويفترض أن لدينا فلتر نستطيع به تمييز الحقيقة من الكذب، القانون يعول عليك في ألا تصدق دون أن تتأكد
من يستمر بالكذب يضر نفسه بالنهاية، ليس فقط لأن حبل الكذب قصير، وليس لأن الكذب حرام أو عيب كما تعلمنا من مجتمعاتنا، بل لأن الكذب لا يدوم، ولأن هذا المجتمع قائم على احترام عقل المتلقي ومبني على أساس الثقة بقدرة أي شخص على أن يميز الكذب من الصدق والمعلومة الرديئة من المعلومة الجديدة، كما قلنا.
إضافة إلى أنه طالما أن لك قضية عادلة وتؤمن بها لماذا تضطر أصلا إلى الكذب، وعدم محاولة ربح المصداقية التي هي أغلى شيء في مجتمع مثل المجتمع السويدي. عندما تخسر المصداقية لمرة واحدة تكون قد خسرت للأسف كل شيء وللأبد، لأن هذا المجتمع وكما نقول دائماً هو مجتمع صحيح إنساني، لكنه مجتمع لا يرحم ويستطيع آجلا أم عاجلا فرز الكذابين والمحتالين، مجتمع إنساني نعم، ولكن لا يؤمن بالعواطف…ونحن أيضا جزء من هذا المجتمع ويجب ألا ننخدع بالكذب ولا بالعواطف.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.