مونديال قطر وكذبة فصل السياسة عن الرياضة

: 11/8/22, 5:34 PM
Updated: 11/8/22, 5:34 PM

مونديال قطر وكذبة فصل السياسة عن الرياضة

يشعر كثيرٌ من العرب هذه الأيام، بالتعاطف مع قطر، وبأن قطر تواجه هجوماً غربياً غريباً عليها، هجوم ممزوج بالحسد والغطرسة ومحاولات التشكيك، بل والتفشيل لعمل، شئنا أم أبينا تُرفع له القبعات، دولة عربية صغيرة تنجز استعداداً مبهراً لاستقبال مونديال 2022
نعم جميع العرب، يجب أن يفتخروا بما قامت به قطر، ويقفوا معها في مواجهة الحملات التي بدأت مند الإعلان المفاجئ في الثاني من ديسمبر 2010 في زوريخ عن فوز قطر بشرف الاستضافة، ومنذ أن وصف الرئيس الأمريكي في حينه باراك أوباما قرار الفيفا بأنه “قرار سيئ”.

إذا نحن أمام خليط من انتقادات شرعية أحيانا ومغرضة أحيانا أكثر، تدخل فيها المصالح والسياسة وحتى الأيديولوجيا بمعايير تحركها وقتما تشاء، وبقدر ما تشاء مراكز تحريك الرأي العام في الدول الغربية الرافعة لراية حقوق الإنسان…ومع ذلك يوجد هنا، ولكن، ولكن صغيرة…أهلا بكم

إذا مع وصول المنتخب الياباني اليوم الثامن من نوفمبر إلى الدوحة تكون أول خطوات بطولة العالم لكرة القدم 2022 قد انطلقت فعلا، بعد 12 عاما على الإعلان، عن فوز قطر بمسابقة التنظيم كأول دولة عربية، وكأول دولة تقام فيها هذه المسابقات في الشتاء بدل الصيف.

قطر انفقت عشرات مليارات الدولارات لبناء مجموعة من أحدث الملاعب مقاطع عن التجهيزات الرياضية من نفس الفيديو والتجهيزات الرياضية على مستوى العالم. كما أنفقت أموال كثيرة في بناء فريق وطني يليق بالمناسبة. في المجمل من المتوقع أن تزيد تكاليف تنظيم هذه الدورة على 100 مليار دولار، أو أكثر من ترليون كرون سويدي.

وللمقاربة هذا المبلغ يعادل تقريبا، ربع حجم الاقتصادي المصري للعام الحالي، حجم الاقتصاد المصري حاليا 438 مليار دولار، طبعا نحن لا نتحدث عن الميزانيات العامة للحكومات والتي بالعادة تكون أقل، نحن نتحدث عن حجم الاقتصاد الذي تنتجه الدول، وللمقارنة أيضا يشكل رقم 100 مليار دولار أقل من نصف حجم الاقتصاد العراقي بقليل، والذي بلغ هذا العام 226.6 مليار دولار.

نرى أيضاً أن تكلفة المونديال القطري هي ضعف أو أضعاف حجم الاقتصاد في دول، مثل الأردن والسودان واليمن، حجم الاقتصاد أو الناتج القومي لليمن يقدر فقط بـ 20 مليار دولار.

الكلفة المالية لإنجاز مثل هذا الحدث ليس مشكلة بالنسبة لقطر، صحيح هي دولة صغير المساحة وقليلة السكان لكنها تملك موارد خام كبيرة، ولديها إدارة حكومية جيدة أيضا، تستطيع تحويل الثروة الوطنية إلى سيولة في خزائن الدولة، هناك كما نعلم دول عدة لديها ثروات لكنها تفتقر إلى الإدارات الرشيدة، التي تقلل الفساد وتفشل في توجيه الأموال لرفاهية شعوبها وبناء البنى التحتية لدولها.

إذاً المال ليس المشكلة، طالما الغاز موجود، وطالما الشعب القطري وحتى سكان قطر ينعمون بنعم الثروة وبرشد إدارتها، وهناك من يقول: ممتاز بدل أن يذهب هذا المال الفائض لتمويل الخراب في دول القلب العربي، وفي دعم معارضات مسلحة عبثية، من الجميل جداً أن يبقى هذا المال في إعمار أوطان عربية حتى وإن كانت على أطراف الجسد العربي، فكما نرى الآن مدن القلب العربي مثل دمشق وبغداد وبيروت والقدس وطرابلس وغيرها، كلها إما مدمرة، أو محتلة، أو محاصرة، أو مرتهنة.

موضوع دمار وتخلف مدن القلب العربي مقابل ازدهار الأطراف، لا يقتصر على تمويل الأيادي الخارجية والوطنية التي ساهمت بهذا الدمار، هناك مساهمات أخرى يتحمل مسؤوليتها بلا شك أبناء وقادة هذه الدول أنفسهم، فمن المؤكد أن سكان قلب الوطن العربي لا يقولون: نحن الآن مدننا مدمرة مع أننا نحن مركز الحضارة والتاريخ والعراقة والإبداع منذ مئات وآلاف السنين، هم يعتبرون ما يحدث في قطر ودول الخليج الاخرى من نهضة عمرانية ربما امتدادا وانعكاسا لما كان في القلب المدمر حاليا.

هناك من يلاحظ بأن الغرب المتلون والمنافق، يريد أن يرى قطر وكل دول الخليج العربي الغنية مجرد محافظ مالية تستخدم حسب احتياجات الغرب، أو ضمن ما هو مسموح لها، وعندما تريد دولة أن تقوم بعمل خارج هذا الإطار، يلوحون لها بفتح ملف اسمه حقوق الإنسان، طبعا هنا يجب أن نوضح بأن حقوق الإنسان موضوع مهم، بل مقدس، ولكن يجب أن يكون لهذا الموضوع معايير موحدة، العالم الغربي لا يمكن أن يتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان في دول صديقة له واستخدمها كسلاح في دول لا تروق له.

هنا نجد أنفسنا أمام حديث أعم يتناول استخدام السياسة في الرياضة والفن والثقافة.منذ أن بدأت البشرية الحديثة تنظيم مسابقات دولية لم تستطع في مناسبات عدة إبعاد السياسة عن هذه الأنشطة، هناك دول لا تعترف أصلا بدول، وهذا من حقها، من الممكن أن يكون من حقها أيضاً أن لا تتقابل معها في ميادين الرياضة والثقافة، لكن الأسوأ عندما تقوم دول بمعاقبة دول أخرى بالاستبعاد التام من أجل مواقف وأحداث سياسية، وهذا ما حدث مرات عدة، في التاريخ بين مقاطعة واستبعاد، مثل مقاطعة أولمبياد موسكو العام 1980 بسبب الغزو السوفيتي لأفغانستان، والآن نرى استبعاد روسيا من المونديال الحالي واستبعاد فرقها من المشاركة بالبطولات الأوروبية. إذاً موضوع الفصل بين الرياضة والسياسة يبقى كذبة من الصعب تصديقها.

عندما اقترحت جهات غربية، وضع العلم الأوكراني على الكتف كشارة كابتن الفرق المشاركة، كنوع من الدعم لأوكرانيا، ردت دول عربية باقتراح وضع علم فلسطين كشارة للكابتن، من باب أولى للتضامن حسب ما قالت هذه الدول، هنا تحركت المنظمات الحقوقية والإنسانية لتنادي بضرورة التأكيد على فصل الرياضة عن السياسة، أي التأكيد على ممارسة الكذبة ولو لحين. كما نرى فإن النفاق هنا واضح في التعامل مع قطر، ومع ذلك من المتوقع أن تأتي كل فرق وجماهير الدول المشاركة وتستمتع بشمس ودفء الشتاء القطري، وستحقق قطر نصراً نفسيا على الأقل ضمن سياسة حل عقد الصغير الممتلئة جيوبه بالمال، والذي يريد أن يصطف بين الكبار وينافسهم.

فنحن نعلم أن من أهم عوامل القوة للدول هي المساحة وعدد السكان وأن الدول الحديثة حاليا تسعى إلى التحالفات والتكتلات الإقليمية كي لا تبقى بدون ظهر خاصة مع جيرانها الأشقاء.

نتمنى فعلا أن تخيب قطر ظن الحاسدين والمتغطرسين وتستثمر أكثر بأموالها في مثل هذه المشاريع، مشاريع البناء، بناء المباني المادية وبناء الشخصية الاعتبارية ونتمنى أيضاً أن تستثمر قطر وكل الدول العربية في حقوق الإنسان، لان الإنسان هو الثروة الحقيقية في النهاية.

وللحديث بقية، ولكن الآن إلى اللقاء

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.