أتذكر منشوراً طريفاً لحزب سويدي عشية الانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2002، كان عبارة عن صورة للرئيس الأمريكي بوش الابن، وتحتها عبارة قصيرة “شارك في الانتخابات حتى تنقذ الديمقراطية من أمثال هذا المتهور”.
لم تكن هناك أي علاقة بين الانتخابات السويدية وفوز بوش الابن بالرئاسة الأمريكية، لكن المنشور استطاع أن يختصر لنا أهمية المشاركة في الانتخابات بشكل عام، إذا أردنا ألا نرى أمثال بوش أو فريقه الرئيسي، الذي قاد حروباً مدمرة وعبثية على عدة دول، خصوصاً على أفغانستان والعراق، بطريقة شبه إرهابية، بحجة محاربة الإرهاب.
الآن، الديمقراطية الأمريكية التي أنتجت وأوصلت بوش الابن إلى الرئاسة، هي نفسها التي أوصلت ترامب، وللمرة الثانية، إلى المنصب الأكثر قوة وتأثيراً في العالم.
الرئيس بوش الابن، أو “رئيس الحرب” أو “الرئيس الأرعن” كما كان يصفه بعض السياسيين والصحفيين، كان مولعاً بإرسال البوارج وحاملات الطائرات لغزو الدول الأخرى، بحجة نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب، أو بحجج مثل تفكيك أسلحة دمار شامل غير موجودة.
حروب بوش الابن انتهت بكوارث لا تزال آثارها واضحة إلى الآن في عدة أجزاء من العالم. أما حروب ترامب، فيبدو أنها من نوع آخر، وكوارثها ستكون أشد وأقسى وعلى مستوى العالم بأسره.
يقول ترامب إنه يكره الحرب، وإنه معارض للمغامرات العسكرية، ولا ينوي إشعال أي حرب، بل على العكس، أظهر أنه يريد إطفاء ما هو مشتعل منها.
لكن، وحسب عدة متابعين ومختصين، من المستبعد أن تكون كل قرارات ترامب صادرة عن أهواء شخصية وتفرد بالسلطة. ليس من المعقول أن يكون هذا التناقض بين ما يقوله عن نبذه للحروب، وما يمارسه بالفعل من تأجيج لحروب اقتصادية والتلويح بحروب عسكرية مدمرة، ناتجاً عن ديكتاتورية خفية أو حبٍّ للسلطة وعدم الإصغاء للمستشارين. مع أن الرجل أبدى إعجابه بمن يصفهم الغرب بالديكتاتوريين، مثل حديثه الودي للغاية عن رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي وصفه مرة بـ”رجل الصواريخ”، أو كما كان يخاطبه بـ”صديقي”. إضافة إلى إعجابه برجولة بوتين وشجاعته، وتغزله أحياناً بقادة الخليج العربي.
الأصدقاء والأعداء معاً
هناك من يشبّه إدارة ترامب وتزعمه لأمريكا كأنه يدير شركة فردية خاصة من نوع Enskild firma، حيث يكون المالك مسؤولاً بشكل شخصي عن جميع الالتزامات. وهناك من يعتقد بأنه يقود سياسة إمبريالية بأبشع صورها، ولديه رؤية احتكارية عالمية، مستخدماً خطاباً شعبوياً مقبولاً لدى الأمريكي البسيط، محذراً من طمع الأصدقاء المقربين ببلاده أكثر من أطماع أعدائه التقليديين.
مهما يكن، وكما تبدو الأمور الآن، فإن هذا الرئيس وتقلباته وتسلطه لا يختلف كثيراً عن تهور ورعونة بوش الابن. وكما يعلّمنا التاريخ الذي يكرر نفسه، من المحتمل جداً أن تتحول حروب ترامب الاقتصادية والمالية إلى حروب عسكرية مدمرة، خصوصاً أن كل ما يفعله ترامب الآن لتقوية اقتصاد أمريكا ينقلب عليه أزمات وحروباً مضادة، إلى حد وجد فيه أعداء أمريكا التقليديون أنفسهم أحياناً في خندق واحد مع أصدقائها المقربين، مثل الاجتماع الذي ضم كوريا الجنوبية والصين واليابان من أجل التصدي لإجراءات ترامب الجمركية.
كما أنه، ومهما كان تقاربه مع بوتين فعالاً ومثمراً، فإن التناقض بينهما أبعد بكثير مما قد يجعلهما حليفين مقربين. لأن مصلحة روسيا، ضمن الجغرافيا السياسية، هي مع الصين أولاً، ولن يستطيع ترامب فك هذه العلاقة بمجرد التغزل بشجاعة بوتين ولا بعيونه الزرقاء.
نعود إلى المنشور: “شارك بالانتخابات حتى تنقذ الديمقراطية من أمثال هذا المتهور”.
لنذكر أن حزب SD دخل البرلمان السويدي في العام 2010 بنسبة تزيد قليلاً عن 5 بالمئة، والآن هو من يملك زمام الحكومة من رقبتها ويتحكم بها. ونود أن نذكّر بأن العام المقبل 2026 هو عام الانتخابات المقبلة في السويد.
محمود آغا