أسئلة عدة تدور في أذهاننا ونحن نشاهد ما يحدث في السويد هذه الأيام، حالة من الصدمة والذهول أصابت الجميع ونحن نتابع أحداث جريمة أروبرو الدموية، جريمة يقوم بها شخص واحد مسلح ربما بالكراهية واليأس، ومدجج بالسلاح حتى أسنانه، اختار هدفاً لا بد أن له معنى عنصرياً بغيضاً.

10 ضحايا حتى الآن و6 جرحى، لكل شخص من هؤلاء أهل وأحباب ومستقبل كان ينتظره، لكل شخص من هؤلاء قصة إنسانية وحياة وأحلام، استطاع شخص واحد أن يوقف ويعطل كل ذلك برصاصاته الحاقدة.

لعل السؤال الأهم الذي يراود الجميع، هو لماذا؟ لماذا وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من الإجرام والإمعان بإيذاء الآخرين؟ لماذا يريد هذا القاتل حرمان السويد كل السويد من صفة الطمأنينة التي كانت تتميز بها؟ لماذا؟

لا شك أن السويد ستحاول البحث عن الإجابة إذا أرادت ألا تتكرر هذه الجريمة، أو ألا تتفاقم تبعاتها على المجتمع ككل؟ ولكن نرجو ألا يغفل البحث عن إجابة سؤال لماذا بعض الحقائق الواضحة، خصوصاً إسهامات الخطاب العنصري التي كانت محرمة في السابق وأصبحت شبه عادية الآن، تتكرر وتلاك وتتبجح على ألسنة السياسيين خاصة من أحزاب وتيارات اليمين المتطرف.

خطاب الكراهية الذي أصبح شبه سائد في السياسة السويدية، إضافة إلى تراخي الصحافة ومنظمات المجتمع المدني بالتصدي الحازم له، أدى إلى تفاقم صراع داخل فئة واحدة متضررة هي الفئات الضعيفة ومحدودي الدخل في المجتمع.

معركة بين الفقراء

يجب عدم إغفال المشهد الحالي للصراع في السويد، الانقسام ليس قائماً على أساس الدين أو العرق، كما يريد البعض أن يصوره ويروج له، بقدر ما بات صراعاً بين الفقراء أنفسهم، صراع مدفوع بخطاب كراهية يغذيه، ويعيش عليه أصحاب المصالح.

لقد أصبح أصحاب الدخل المحدود يرون بعضهم البعض كخصوم وأعداء بسبب التفاعل مع الخطاب السياسي الذي صور المهاجرين كعالة على المجتمع ينافسون ذوي الأصول السويدية الفقراء على فرص العمل، وعلى أحقية المساعدات الاجتماعية، وحتى على الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، في مشهد أشبه بحلبة تدور معركتها في مركزها بين الفقراء، من السويديين ومن المهاجرين الذين هم بمعظمهم من أصحاب الدخل المحدود، بينما يقف على الأطراف الأثرياء والساسة، يراقبون ويستفيدون من هذا الصراع.

سلوان موميكا، اللاجئ الجديد الذي وجد نفسه في صدام مع لاجئين آخرين من نفس الخلفية الجغرافية والتاريخية، ليس سوى مثال واضح على كيف يمكن أن يتحول الفقير ضد من يشبهه عندما يُغذى بخطاب الكراهية والعنصرية. تماماً كما فعل الرجل السعودي المعادي للإسلام، الذي قام بدهس أناس في الشارع بدافع كراهية الهجرة المسلمة إلى أوروبا، كلاهما كانا ضحايا لأفكار متطرفة دفعتهم إلى العنف ضد الفقراء مثلهم، بينما ظل أصحاب السلطة والمال بعيدين عن ساحة المواجهة، بل مستفيدين منها.

القاتل الذي نفذ هجوم مدرسة أوروبرو، كان من مجموعة الدخل المحدود، وله مشاكل مع الشؤون الاجتماعية بسبب قطع المساعدات عنه، وكان ينظر على الأغلب، لمن أطلق النار عليهم كمنافسين له في الحصول على مزايا الرفاه الاجتماعي، وهذا بالضبط ما كانت تركز عليه خطابات اليمين المتطرف وحتى اليمين التقليدي، في بعض الأحيان، وخلاصته أن المهاجرين عالة على المجتمع بنسب البطالة المرتفعة بين صفوفهم، وبأنهم هم من يمارسون الإجرام وفقط يستغلون النظام الاجتماعي السويدي.

الفكر العنصري المريض الذي يُبث في أوساط الفئات الضعيفة في المجتمع، على شكل خطاب سياسي، ولا يجد من يتصدى له، وفي ظل شبه غياب لليسار السويدي الفاعل، والذي يصمت أحياناً لمكاسب سياسية، وفي ظل تراخي إعلامي كما قلنا عن رصد وتدوين التجاوزات العنصرية. هو بالتحديد الجواب أو جزء من الجواب على سؤال لماذا؟
على السياسيين من مختلف الأحزاب أن يأخذوا المسؤولية بالحد من خطاب الكراهية الذي يعمق الانقسامات والاستقطابات.

وعلينا نحن أن لا ننجر وراء أي استقطاب يبدو بريئاً لكنه سيكون جزءاً من المشاركة بالذنب، رأينا كيف سارعت بعض الجهات لركوب الموجة والهجوم على المجتمع السويدي ومؤسساته، وإطلاق تهم العنصرية بشكل عشوائي وعلى اتهام الشرطة بالانحياز والإعلام بالتواطؤ.

وقبل أن ننتقد كيف تصرفت الشرطة مع الجريمة، والإجراءات التي اتخذتها أثناء وبعد الهجوم، يجب أن نتعرف أولاً على أسلوب عمل الشرطة السويدية في التعامل مع إطلاق النار في الأماكن العامة، ويجب أن نعرف مثلاً أن الشرطة السويدية لديها تعليمات صارمة بما يتعلق بالكشف عن هوية الضحايا، ويجب أن نمتلك الحقائق حول تفاصيل ما حدث، هل فعلاً بقي الجرحى على الأرض دون إسعاف لمدة ساعات؟ هل فعلاً كان بإمكان الشرطة تحييد القاتل أثناء إطلاقه النار؟ لماذا لا تزال الشرطة متحفظة على بعض المعلومات؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تنتظر إجابات من الشرطة.

نعم من المفترض أن ننظر بعين النقد للشرطة وللسياسيين وللصحافة ولكل مؤسسات المجتمع، عين النقد التي تركز على التقصير وعلى السلبيات من أجل تصحيحها، وليس من أجل هدم الثقة والمصداقية بشكل تام وكامل، كما يريد أعداء المجتمع المتطرفين من كل الاتجاهات.

مأساة مدرسة أوروبرو يجب أن لا تمر من دون مراجعة ومحاسبة من ينشر ويؤجج مشاعر العنصرية والكراهية المقيتة، ويجب أن نتعلم الدروس التي تساعدنا على استعادة الإنسانية والقيم الجميلة الموجودة داخل المجتمع السويدي والموجودة أيضاً داخلنا كمهاجرين ووافدين أتوا من حضارات قديمة وعريقة.

أول ضحايا الخطاب العنصري هي السويد بكل ما تملك وتعني. المتناحرون والمتنافسون في الحلبة هم الضعفاء والفقراء من كل مكونات المجتمع وبين المتفرجين من يغذي هذا التناحر لمصالحه الضيقة والأنانية.

محمود آغا