تبدو السنوات المقبلة عصيبة على أوروبا من نواح عدة. التحالف الأمريكي الأوروبي التاريخي يبدو مهدداً مع إدارة ترامب. القيم الأوروبية التي لا تعجب الإدارة الجديدة أصبحت محط سخرية في مؤتمر ميونخ على لسان نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس الذي بصق انتقاداته في وجوه الأوروبيين بشكل صادم. لهذا تداعيات استراتيجية، أحدها تنامي اليمين المتطرف الذي يشعر أن قيادة القوة الأكبر في العالم أصبحت على شاكلته.
لقاء دي فانس مع حزب اليمين المتطرف “البديل من أجل ألمانيا” دون لقائه المستشار الألماني يقول الكثير. وكذلك الحملة التي يشنها مستشار الرئيس الأمريكي إيلون ماسك لدعم الحزب العنصري.
في واقع كهذا تتفاقم الكراهية والكراهية المضادة حتى تنقلت من عقالها وتصبح الصفة المهيمنة على مجتمعات بأكملها.
في السويد، يلاحظ تنامي خطاب الكراهية الموجه ضد المهاجرين أو فئة منهم بالتزامن مع الألم الذي سببه هجوم أوروبر الدموي وراح ضحيته 10 أشخاص كانوا يتعلمون ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع. يكمل ذلك خطاباً بدأه حزب ديمقراطيي السويد (SD) المناهض للتعددية الثقافية وانتقلت عدواه إلى أحزاب أخرى.
صفحات على وسائل التواصل تشهد انتشار تعليقات “محرضة على الكراهية” إضافة إلى منشورات قد تعتبر “تهديداً” وتستهدف مجموعات بعينها. ويتفاقم الأمر بإرسال رسائل بريد تحمل مضامين كراهية، أو بحوادث مثل تدنيس المصاحف.
وقبالة ذلك ترتفع الأصوات التي تكفّر الطرف الآخر بكل مؤسسات المجتمع وقواه وأحزابه لتخلق جواً مضاداً من الكراهية التي لا تنتج سوى مزيد من الانقسام والعزلة، خصوصاً بعد جريمة أوربرو. إحساس كثيرين بالظلم مع عدم معرفة دوافع الجاني حتى الآن وعدم تصنيف الهجوم إرهابياً يتم شحنه بعبارات تضع الدولة كلها في سلة واحدة “متآمرة”، وتحشد المهاجرين في كتلة مقابلة.
من الصحي في مجتمع ديمقراطي نقد أداء مؤسسات الدولة، ومنها الشرطة بالطبع، وقد سلطت الكومبس مبكراً الضوء على هذه الانتقادات عقب جريمة أوربرو. ولاحقاً اعتذرت الشرطة نفسها وعدّلت تصريحاتها. غير أن الانتقال من نقد الأداء إلى اتهام المؤسسات بالتآمر هو أمر أخطر مما يبدو عليه.
لا يوجد تعريف شامل لخطاب الكراهية في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولا يزال هذا المفهوم محل خلاف لارتباطه بحرية الرأي والتعبير. غير أن استراتيجية الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية عرّفته بأنه “أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية”.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن خطاب الكراهية معني فقط بالخطاب الموجه إلى الأفراد أو مجموعات من الأفراد. ولا يشمل الدول ومكاتبها أو رموزها أو مسؤوليها العامين، ولا الزعماء الدينيين أو المعتقدات.
وفق هذا التعريف، فإن توجيه عبارات ازدراء للمسلمين أو فئة منهم أو ربطهم بثقافة “أدنى” هو خطاب كراهية، تماماً كما أن ازدراء اليهود هو خطاب كراهية، وتماماً كما أن ازدراء المثليين هو خطاب كراهية.
الكراهية بين المهاجرين
الكراهية لا تواجه بالكراهية بل بكشفها والوقوف بوضوح ضد أشكالها. وعلى المهاجرين في هذا السياق أيضاً أن ينتبهوا ربما إلى خطابات الكراهية التي تنشب بينهم أنفسهم بسبب الاختلافات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الجنسية. فليس الأمر هو خطاب كراهية بين المهاجرين والسويديين “البيض” أو “الأصليين” كما يجري تصويره، بل بين مجموعة لا تؤمن باختلاف البشر، وأخرى تتقبل هوية الآخر وتدافع عنها. وفي كلتا المجموعتين أشخاص من أديان وأصول وأجناس مختلفة. بل إن خطاب الكراهية القائم بين مهاجرين يكون أكثر حدة أحياناً من الخطاب العنصري الواضح الموجه ضد جموع المهاجرين.
في كتاب “الكراهيات المنفلتة” يقول المفكر نادر كاظم إن الجرأة في التعبير عن الكراهيات المنفلتة تعززت بسبب حمية الانعزال عند الجماعات وإباحة الكتابة والإفصاح عنها بكل وسائل التكنولوجيا المتعددة. وبهذا التوصيف فإن وسائل التواصل بدل أن تقرب الجماعات من بعضها وتلغي عزلتها فإنها كانت عاملاً مساهماً في انتشار الكراهية وانغلاق كل جماعة على أفكارها.
السنوات المقبلة تبدو عصيبة، ومن دون أن تعي جموع المهاجرين حقوقها ومصالحها وتعمل مع غيرها من قوى المجتمع على الدفاع عنها، فإن مصالحها تصبح في مهب الريح شيئاً فشيئاً.
مهند أبو زيتون