افتتاحية الكومبس

مقتل سلوان موميكا.. لا شيء يدعو للفرح

: 30‏/1‏/2025, 7:30 م
التحديث: 30‏/1‏/2025, 9:13 م
مقتل سلوان موميكا.. لا شيء يدعو للفرح

بنى الشعب السويدي، على مر السنين، قناعاته بالوصول إلى القوانين والأحكام الحالية التي تحدد نمط حياته، من خلال عملية تراكم طويلة من التجارب والمعارف الاجتماعية. وليس بالضرورة أن ما أنتجته السويد من قناعات يمكن أن يكون صالحاً لمجتمعات أخرى، فهذا أمر بديهي. فعلى سبيل المثال، عندما توصل السويديون إلى قناعة بأهمية حرية التعبير في بناء مجتمع ديمقراطي حر، كانوا، وبشكل موازٍ، مهيئين ثقافياً وأخلاقياً لاستيعاب شروط تطبيق هذا المبدأ الأساسي من دستورهم، من أهم هذه الشروط وضع قيود ذاتية على حريتهم، وعدم التمادي على مشاعر الآخرين، واحترام الآخر.

وعندما توصل المجتمع السويدي إلى قناعة بضرورة حماية الطفل وتوفير الشروط الأساسية لنشأته في بيئة تضمن له الكرامة والنمو الطبيعي، كان المجتمع قد تمرس على ثقافة عامة تتقبل التضحية بالعاطفة في سبيل حماية الطفل وإنقاذه من أي بيئة قد تضر بمستقبله أو بناء شخصيته.

من الطبيعي أن يجد معظم المهاجرين، خاصة القادمين من الشرق الأوسط، اختلافات بين المجتمع السويدي وما يحملونه معهم من ثقافات وأفكار ونمط حياة. لكن من غير الطبيعي أن يصر البعض على رفض القناعات السويدية والنظر إليها باعتبارها قناعات شاذة أو غير صالحة أو حتى معادية له. ومن غير الطبيعي أيضاً أن يفهم البعض أن الحريات التي يمنحها المجتمع السويدي مطلقة بلا ضوابط أو شروط أخلاقية.

هذا بالضبط ما وقع فيه سلوان موميكا وصديقه نجم، وما قد يقع فيه غيرهما ممن لا يفهمون، أو لا يريدون أن يفهموا، ما هي السويد، وكيف قطعت طريقاً طويلاً للوصول إلى قوانين حرية التعبير وغيرها من القيم والمبادئ التي تحكم المجتمع. هؤلاء يفهمون من حرية التعبير فقط حرية إيذاء الآخر والإساءة لمشاعره.

والأمر نفسه ينطبق على أصحاب حملة “خطف أطفال المسلمين”. هؤلاء أيضاً، بسبب ضعف معرفتهم بالمجتمع السويدي، اختاروا سلوك طريق مهاجمة السويد والتشهير بها، بدلاً من اتباع طرق أخرى أكثر تأثيراً وتناسباً مع طبيعة المجتمع السويدي.

نرى أن اليمين المتطرف يمارس أحياناً فقط على الأجانب نفس حرية التعبير المنقوصة الأخلاق والاحترام التي يمارسها اللاجؤون على أنفسهم، معتبراً أن اللاجئين لا ينتمون وغير ممثلين بالكتلة الاجتماعية السويدية، فيما يسعى من خلال رصد عثرات الاندماج لإثبات أن الأجانب غرباء وسيبقون كذلك، لأنهم غير قادرين على الاندماج. واليوم، حصل اليمين المتطرف على ذريعة أخرى لتعزيز هذا الخطاب، بعد رصده حالات فرح وشماتة بمقتل سلوان موميكا.

اضطرت الكومبس اليوم إلى إغلاق التعليقات على منشوراتها المتعلقة بخبر مقتل موميكا، بعد تزايد التعليقات التي تحمل لغة الشماتة والفرح بموته. لكن، وقبل أن تتمكن الكومبس من حظر التعليقات، تمكنت عدة مواقع يمينية متطرفة من توثيق بعضها وترجمتها إلى السويدية، ثم نشرها ضمن مقالات ومنشورات لتعزيز خطاب الكراهية ضد الأجانب والمسلمين خصوصاً.

اليوم، شعر أصحاب الإسلاموفوبيا بحالة من النشوة، معتقدين بأنهم حصلوا على حجة جديدة لإثبات أن المسلمين ينقسمون إلى قسمين: قسم إرهابي، وقسم آخر يؤيد ويهلل للإرهاب.

هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الكومبس إلى إغلاق التعليقات على منشورات معينة. فقد حدث الأمر نفسه بعد مقتل الرسام السويدي لارش فيلكس واثنين من عناصر الشرطة، في أكتوبر 2021، إثر حادث سير. آنذاك، استغل اليمين المتطرف بعض التعليقات التي عبّرت عن الفرح بموت الرسام، الذي اشتهر برسومات مسيئة للنبي محمد، وشن عبر عدة مواقع وحسابات يمينية متطرفة هجوماً على الكومبس، متهماً إياها بأنها منحت هذه التعليقات منصة للتعبير عن الكراهية والشماتة بالموت.

من حقنا أن نطالب الجمعيات والمؤسسات الإسلامية بإدانة أعمال القتل واللجوء للعنف للرد على من نختلف معهم. وقد تواصلت معنا عدة شخصيات إسلامية للإعراب عن قلقها من انعكاسات هذه الجريمة المدانة على سمعة المسلمين، المتدهورة أصلاً. كما قال لي أحد الأئمة. فيما أشار إمام آخر إلى أن معظم الفعاليات الإسلامية تتفق على رفض القتل والعنف، لكن المشكلة تكمن في المبادرة إلى توحيد الموقف وإصدار بيان سريع يتناسب مع أهمية الحدث. ومع ذلك، يتوقع الإمام نفسه أن يتبلور مثل هذا البيان قريباً.

الشماتة بالموت والفرح بمقتل إنسان ليست من أخلاق الإسلام، الذي يشدد على أهمية التنوع والاختلاف، كما أن اللجوء إلى العنف لإسكات الآخرين هو عمل جبان وغير مسؤول.

اليوم الذي قُتل فيه سلوان موميكا، كان اليوم نفسه الذي كان من المفترض أن تصدر فيه المحكمة قراراً بشأن قضيته، وهي قضية تُعد سابقة قانونية في السويد، وكان من الممكن أن تحدد الفرق بين حرية التعبير وبين الإساءة وإهانة الآخرين. فهل الرصاصات التي أُطلقت على رأس موميكا ساهمت في قتل هذه السابقة قبل أن ترى النور؟

لا شيء يدعو للفرح في مقتل موميكا، لأن هذه الجريمة قد تزيد من حدة الشرخ والاستقطاب في المجتمع، وقد ترفع من خطر الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب.

محمود آغا

آخرون يقرأون الآن
Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2025.
cookies icon