تتغير أمور كثيرة في رمضان هنا في السويد، وتنشغل وسائل الإعلام السويدية بنقل الطقوس الرمضانية وما يعنيه هذا الشهر بالنسبة لجزء من سكان السويد. من النادر أن نرى مؤسسة أو شركة أو دائرة حكومية لا يوجد فيها شخص مسلم، ومن النادر ألا نجد زملاء عمل لديهم فضول كاف عن صيام المسلمين. الأمر ينطبق على زملاء الدراسة والأصدقاء وحتى الجيران.

كثير من المسلمين يستغلون فرصة هذا الشهر لنشر ما يعتبرونه الأخلاق والقيم الحقيقية للصوم، ويصبحون بالتالي سفراء للدين الذي يؤمنون به، وهناك من يصبح مثالاً للجَلد والصبر والتسامح، أمام زملائه، وبنفس الوقت يؤدي عمله بكامل القدرة والاستطاعة التي كان يعمل بها قبل رمضان وبعده.

في رمضان تضع العديد من الشركات الاستهلاكية والخدمية خطط تسويق خاصة بها للتعامل مع تزايد حجم الطلب على الاستهلاك وعلى الخدمات. وتشير بعض التقارير إلى أن شهر رمضان يشهد زيادة في نسبة مبيعات المواد الغذائية تصل إلى الضعف، خصوصاً في الأيام العشرة الأولى والأخيرة من الشهر. إضافة إلى زيادة استهلاك الكهرباء والماء وتحويل الأموال داخل السويد وخارجها. بشكل عام، يسهم شهر رمضان في تغير في أنماط الاستهلاك لدى المسلمين في السويد، ما ينعكس على الأسواق المحلية ويخلق فرصاً اقتصادية في عدة قطاعات.

لرمضان خصوصية هذا العام

التغييرات التي ترافق شهر الصوم عند المسلمين، تسهم عاماً وراء عام بأن يكون جزءاً من ثقافة السويد، ضمن مجتمع تعترف كل الأحزاب السويدية تقريباً، ما عدا حزب SD، بأنه مجتمع متعدد الثقافات.

قد يكون لرمضان هذا العام خصوصية أكثر مما سبقه، مع تزايد النزعات العنصرية ضد المسلمين. يقول الكاتب الصحفي Anders Lindberg في مقال في صحيفة أفتونبلادت “إن المسلمين هم الأقلية الأكثر استهدافاً في السويد. لا توجد مجموعة أخرى يمكن الحديث عنها بسوء في الأماكن العامة كما يحدث مع المسلمين، وهو أمر يثبته ممثلو حزب ديمقراطيي السويد (SD) يومياً”.

وفقاً لمكتب الإحصاء السويدي، هناك حوالي مليون سويدي من خلفية وطنية أو ثقافية مسلمة. حوالي 90 ألفاً منهم مسجلون في جماعة دينية وزاروا مسجداً مرة واحدة على الأقل في العام الماضي. ورغم أن المسلمين كما توضح الإحصاءات يشكلون حوالي 10 بالمئة من سكان السويد، فإنهم لا يدخلون إلا نادراً في الحسابات السياسية والحزبية، لكن تحديداً في شهر رمضان، يصبح لهم حضور إعلامي واجتماعي مميز، ويحدث أن يطل عليهم رؤساء الحكومات وبعض زعماء الأحزاب للتهنئة من خلال مقاطع مصورة خاصة بعد انتهاء الشهر وبداية العيد.

قد يصبح تقليداً سويدياً

من الصعب إقناع أوكيسون وحزبه والجماعات اليمينة المتطرفة، بأن رمضان قد يصبح تقليداً سويدياً، مع الوقت، لأن أكثر ما يخشاه هو أن يفقد الحق بالدفاع عن السويد كثقافة أحادية، ولأنه بنى جزءاً من شعبيته على هذا الأساس، في أوساط الخائفين من تأثير الثقافات الأخرى عليهم، خوف الاندثار. لكن الحقيقة هي العكس تماماً، الاندثار هو خطر قائم مصدره الانعزال، الخوف الحقيقي على المجتمع السويدي هو من تأثير الانعزاليين ومن يريد الانحسار والتقوقع على نفسه، خصوصاً أن العالم أصبح قرية صغيرة مع وجود وسائل التواصل والاتصال، وأغلب السويديين وحتى الأوروبيين تأثروا بالثقافة الأمريكية دون أن يكون للأمريكان جالية كبيرة هنا، وأغلب المسلمين هنا تأثروا بالثقافة السويدية وبثقافات الشعوب التي تعيش معهم، هذا التأثير المتبادل هو من يقوي المجتمع ويحصنه، من خلال اختيار الأفضل من كل ثقافة ونبذ الأقل جودة.

لا أحد يجب أن يخاف على تراثه وثقافته ما دامت لا تتعارض ولا تتناقض مع ثقافة الآخر ولا تضر بها. وأغلب المسلمين على قناعة بأنهم جزء من هذا المجتمع، وهم يحافظون عليه كما يحافظون على أنفسهم.

رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير

محمود آغا